الوقت- بعد الهجمات التي شنها حزب العمال الكردستاني (ب. ك. ك) على أهداف مختلفة في تركيا في الآونة الأخيرة والتي أدت الى مقتل وجرح العديد من الاشخاص، لاحت في الأفق بوادر أزمة جديدة تشير الى امكانية انتشار العنف في باقي المدن، ما يهدد بزعزعة الأمن والاستقرار في عموم البلاد.
وتميزت الهجمات الأخيرة لحزب العمال بأنها وقعت في وضح النهار، ما يدلل على أن الحزب يسعى الى تصعيد الموقف مع الحكومة التركية التي يترأسها حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.
وتأتي هذه الهجمات في أعقاب سلسلة من الهجمات التي شنها الطيران الحربي التركي على مواقع حزب العمال في جنوب وجنوب شرق البلاد وشمال العراق.
وتحمل هجمات حزب العمال ضد الأهداف التركية والتي شملت مواقع عسكرية ومراكز للشرطة في عدد من المدن؛ تحمل عدة رسائل يمكن الاشارة الى بعضها وبشكل إجمالي على النحو التالي:
1 – نشر الهلع والخوف في صفوف المجتمع التركي بهدف الضغط على الحكومة لوقف هجماتها المسلحة ضد مواقع حزب العمال.
2 – قطع مفاوضات السلام مع حكومة حزب العدالة والتنمية والتي لم تصل الى نتيجة تذكر رغم مرور أكثر من عامين على انطلاقها.
3 – تحريض الشباب لاسيما في المدن ذات الغالبية الكردية على شن هجمات ضد مواقع الجيش والشرطة والقوات الأمنية التركية بهدف إلحاق أكبر قدر من الخسائر بهذه القوات.
4 – تهيئة الأرضية للجماعات الأخرى المعارضة للحكومة لشن هجمات على أهداف حكومية من خلال استغلال حالة الفوضى التي يستهدف حزب العمال إثارتها في مختلف مدن البلاد.
والتساؤل المطروح الآن: هل يتمكن حزب العمال من إدامة زخم هجماته ضد الأهداف الحكومية والتي يذهب ضحيتها الكثير من المدنيين العزل الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع الدموي.
للاجابة عن هذا التساؤل لابد من الاشارة الى الحقائق التالية:
1. واجهت هجمات حزب العمال الكثير من الانتقادات والادانات على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهذه الانتقادات من شأنها أن تضعف موقف الحزب من الناحيتين السياسية والاعلامية وتؤثر بالتالي على مستقبله السياسي والاجتماعي خصوصاً وأنه مدرج على لائحة التنظيمات الإرهابية من قبل الحكومة التركية والعديد من الدول الحليفة لها وفي مقدمتها أمريكا.
2. ردود الأفعال الجماهيرية التي ترجمت الى الواقع بشن أكثر من 10 هجمات على مكاتب حزب "الشعوب الديمقراطي" الموالي للاكراد وحرق محتوياتها في عدد من المدن للتعبير عن السخط ازاء هجمات حزب العمال على الأهداف التركية.
3. إحساس الاكراد القاطنين في المدن ذات الاغلبية التركية خصوصاً في وسط وشمال البلاد بالقلق من امكانية تعرضهم لهجمات انتقامية رداً على هجمات حزب العمال على الأهداف التركية. وهذا الأمر قد يؤدي الى إندلاع حرب أهلية في البلاد على خلفية النزاعات القومية التي بدت بوادرها تلوح في الأفق خلال الاسابيع الأخيرة.
4. تزامنت هجمات حزب العمال الكردستاني على الأهداف التركية مع إعلان الحكم الذاتي في عدد من المدن ذات الغالبية الكردية ومن بينها (نصیبین وجیزرة وشمدینلي) ما أثار غضب الحكومة المركزية في أنقرة التي هددت بإتخاذ إجراءات صارمة لمنع تطبيق الحكم الذاتي في هذه المدن.
5. واجه إعلان الحكم الذاتي في بعض المدن الكردية انتقادات شديدة من قبل زعیم حزب "الشعوب الدیمقراطي" (صلاح الدین دمیرتاش) الذي وصف هذه الخطوة بأنها لا تعبر عن رغبة غالبية الاكراد ومن شأنها أن تهدد الأمن والاستقرار في عموم البلاد، خصوصاً وأن بعض النشطاء في عدد من هذه المدن قد هدد باستخدام السلاح لفرض الحكم الذاتي بالقوة لإرغام حكومة أنقرة على التعامل معه كأمر واقع.
من خلال قراءة هذه التطورات يمكن التوصل الى نتيجة مفادها ان الاكراد غير متفقين فيما بينهم بشأن كيفية التعاطي مع الحكومة المركزية، وخير دليل على ذلك ما صرحت به الناشطة الكردية المعروفة (ليلى زانا) عندما طالبت بوقف هجمات حزب العمال ضد الأهداف التركية فوراً، وهددت بالاضراب عن الطعام حتى الموت في حال لم تتم الاستجابة لطلبها.
ما تجدر الاشارة هنا الى أن سياسيين أكراد بارزين من بينهم (أحمد توك وسري ساكيك ومحمود أليناك وخطیب دجلة وفرات آنلي وآلتان تان) يعارضون اللجوء الى القوة لحسم الخلافات مع الحكومة المركزية ويدعون الى تسوية هذه الخلافات بالطرق السلمية وفي أجواء تسودها الديمقراطية واحترام الرأي الآخر لحفظ الأمن والاستقرار في عموم البلاد، خصوصاً وأنها مقبلة على انتخابات برلمانية مبكرة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني القادم.