الوقت- خلال السنوات الخمس الماضية وقعت الكثير من الإنقسامات داخل معسكر تحالف العدوان السعودي الإماراتي الذي شن حرباً همجية على أبناء الشعب اليمني شمالاً وجنوباً والذي كان يطمع في احتلال المناطق الاستراتيجية والنفطية في هذا البلد الفقير الذي يمتلك الكثير من الموارد النفطية والغازية في العديد من محافظاته الشرقية والجنوبية. لقد كان يعتقد قادة تحالف العدوان السعودي بأن هذه الحرب لن تستغرق سوى أيام قليلة ولكن أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية كانوا لهم بالمرصاد، حيث تفيد العديد من التقارير الاخبارية بأن تحالف العدوان السعودي الإماراتي مُني بالكثير من الهزائم خلال السنوات الخمس الماضية في العديد من المدن والمحافظات اليمنية ولهذا فلقد قرر قادة الإماراتي عدم المُضي قدما في هذه الحرب والتركيز على احتلال المناطق الجنوبية اليمنية من خلال تقديم الدعم لمجموعة من المرتزقة وبالفعل، تمكنت الإمارات من تشكيل المجلس الانتقال الجنوبي في جنوب اليمن وذلك للمطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله وذلك لكي يتسنى لقادة "أبو ظبي" السيطرة على الموانئ اليمنية الواقعة على ضفاف المحيط الهندي والبحر العربي والسيطرة على آبار النفط المنتشرة في العديد من المناطق الجنوبية ولكن هذه المؤامرة لم تُعجب قادة الرياض الذين يعتقدون بأن لهم الحق في السيطرة على تلك المناطق.
وبالفعل قامت القوات السعودية خلال السنوات الماضية بتنفيذ عدد من الهجمات على مواقع ومقرات مرتزقة الإمارات في جنوب اليمن وهذه الاحداث تؤكد وجود توترات بين السعودية والإمارات، حيث يتنافس البلدان لتوسيع نفوذهم في جنوب هذا البلد الذي مزقته الحرب. وفي هذا السياق، كشفت بعض التقارير الاخبارية أنه في منتصف أغسطس 2019 ، اندلعت اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومة، وقوات المجلس الانتقالي، المدعومة من الإمارات، بعد أن داهمت قوات الانتقالي قصرالمعاشيق الرئاسي في عدن ولفتت تلك التقارير أنه بعد ارتفاع حدة الاشتباكات بين الجانبين، قامت الرياض بدعوة قادة المجلس الانتقالي الجنوبي للتوقيع على اتفاقية لحل جميع الاشكالات بين الجانبين وبالفعل تم التوقيع في نوفمبر 2019 على اتفاقية الرياض ولكن تلك الاتفاقية ظلت حبر على ورق حتى يومنا هذا.
وعلى صعيد متصل، ذكرت بعض المصادر الاخبارية أنه عقب انسحاب القوات الإماراتية من جنوب اليمن قبل عدة أشهر، زاد مستوى الصراع بين قوات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً وبين القوات السعودية ومرتزقتها، مما أدى إلى حدوث أزمة أمنية في جنوب اليمن ويمكن تفسير هذه الأزمة الأمنية من خلال التنافس الجيوسياسي المستمر بين دولة الإمارات والسعودية في اليمن، والتوترات الداخلية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، والتي تؤجج العنف في جنوب اليمن.الجدير بالذكر أنه على الرغم من أن الإمارات أنهت رسمياً انسحابها من اليمن بداية فبراير الماضي؛ إلا أنها رفضت التخلي عن مجال نفوذها في جنوب اليمن، حيث أبقت أبو ظبي على بعض الوجود العسكري في المناطق الاستراتيجية في جنوب اليمن، مثل مطار الريان في المكلا وميناء بلحاف في محافظة شبوة الغنية بالنفط، إضافة لعلاقتها الوثيقة مع ميليشيات الحزام الأمني التي تعارض حكومة الرئيس "منصور هادي" القابعة في فنادق الرياض.
الإعلان عن حالة الطوارئ والحكم الذاتي
لقد بذل المجلس الانتقالي الجنوبي خلال الفترة الماضية الكثير من الجهود لخلق شرعية له على أرض الجنوب ولكنه لم يتمكن وذلك يرجع إلى أن الكثير من أبناء المحافظات الجنوبية يعارضون بشدة فكرة الانفصال عن شمال اليمن ويعلمون جيداً أن الإمارات والسعودية لهما الكثير من الاطماع في جنوب اليمن ولكن يبدو أن الاوضاع تغّيرت مؤخرا لصالح مرتزقة الإمارات، حيث كشفت العديد من المصادر الاخبارية أن المجلس الانتقالي الجنوبي أعلن يوم أمس السبت الإدارة الذاتية لمحافظات الجنوب ومدنه في ضوء فشل حكومة الرئيس المستقيل "عبدربه منصور هادي" القابعة في فنادق الرياض في الوفاء بالتزاماتها ضمن اتفاق الرياض وإصرارها على تأزيم عودتها إلى عدن لمباشرة مهامها. واتخذ المجلس قراره بإعلان حالة الطوارئ ونشر قواته الأمنية والعسكرية لإدارة شؤون محافظات الجنوب ضمن مبادرة عاجلة لمعالجة المشكلات المتراكمة والتي تقاعست في حلها الحكومة التي يسيطر عليها شق واسع من الإخوان المسلمين.
وأكد قادة المجلس الانتقالي الجنوبي في بيان حمل توقيع قائده "عيدروس الزبيدي" أن قراراته اتخذت في ظل استمرار الصلف والتعنت لحكومة الفنادق في القيام بواجباتها وتسخيرها لموارد وممتلكات شعبنا في تمويل أنشطة الفساد وتحويلها إلى حسابات الفاسدين في الخارج، بالإضافة إلى تلكؤها وتهربها من تنفيذ ما يتعلق بها من اتفاق الرياض". وعلى صعيد متصل، قال "هاني بن بريك"، نائب رئيس هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، إن "إرادة الشعوب هي من تأتي بالحكومات، وليست الحكومات من تأتي بالشعوب. ويشهد كل العالم حجم القهر والظلم والفساد والنهب الذي تمارسه هذه الحكومة اليمنية، التي تعيش على إطالة أمد الحرب والأزمات".
ردود الفعل على الإعلان عن الحكم الذاتي
في أول رد فعل لحكومة الفنادق، قالت وزارة الخارجية التابعة لها في بيان نشرته على حسابها على تويتر إن "إعلان ما يسمى بالمجلس الانتقالي عن نيته إنشاء إدارة جنوبية هو استئناف لتمرده المسلح... وإعلان رفضه وانسحابه الكامل من اتفاق الرياض". وأضافت: "المجلس الانتقالي المزعوم سيتحمل وحده العواقب الخطيرة والكارثية لمثل هذا الإعلان." ومن جهتها، أكدت حكومة الوفاق الوطنية في صنعاء، تمسكها بالوحدة بين الشمال وجنوب اليمن التي تم الاعلان عنها في مايو من العام 1990. ووصف "محمد البخيتي" القيادي في جماعة "أنصار الله"، إعلان الانتقالي الجنوبي بـ"العبث" وقال في تغريدة على تويتر " الحل يكمن في وحدة الشعب اليمني من صعدة إلى المهرة لإنهاء هذا العبث بطرد المحتل واستعادة القرار". وأكد "البخيتي"، على أن ما يجري في المناطق المحتلة مجرد عبث لا ينبغي البناء عليه.
هل تتجدد الاشتباكات بين مرتزقة الإمارات والقوات السعودية
كشفت العديد من التقارير إلى أن المجلس الانتقالي شرع منذ وقت طويل وبدعم إماراتي غير محدود، في اتخاذ خطوات تصعيدية ضد حكومة الفنادق، وصولاً إل طردها من مدينة عدن نهائياً مطلع أغسطس الماضي، بعد معارك شرسة خلّفَت مئات القتلى والجرحى من الطرفين ويتضح منذ سنوات أن الموقف الإماراتي من دعم المجلس الانتقالي الجنوبي واضح تماماً على الأصعدة السياسية والإعلامية والعسكرية، على خلاف الموقف السعودي المحاط بكثير من الغموض، إذ يتأرجح بين تأكيد دعم حكومة الفنادق، والسعي إلى احتواء المجلس الانتقالي والسيطرة على المناطق الاستراتيجية في جنوب اليمن.
الجدير بالذكر أن الرياض تتخوف من فكرة تقسيم اليمن، التي ستؤدي حتماً في حال حدوثها إلى فشل عملية تحالف العدوان المسماه "عاصفة الحزم"، وتقوية جماعة "أنصار الله" في الشمال اليمني جنوب المملكة، بما يمثل تهديدات أمنية وسياسية للسعودية، وهو ما يدفع السعودية إلى التمسك بالرئيس المستقيل "منصور هادي" وحكومته الفاشلة. ويرى خبراء أن فرص السعودية في استمالة المجلس الانتقالي وتحريره من الوصاية الإماراتية تمهيدًا لإدخاله في العباءة السعودية، ضئيلة في ظل تحديات داخلية وتعقيدات إقليمية ودولية متزايدة خلّفها تدخلها في اليمن، ولهذا فإنه من الاكيد وقوع اشتباكات عسكرية عنيفة خلال الايام القادمة بين قوات المجلس الانتقالي الموالي للإمارات والقوات السعودية في جنوب اليمن.