الوقت-لا يزال نزاع منطقة قره باغ او "ناغورنو كاراباخ" بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان يمثل أحد النزاعات الإقليمية والعرقية التي طال أمدها في العالم. ويشكل الوضع الهش وغير السلمي، تهديداً خطيراً للاستقرار في منطقة جنوب القوقاز وما وراءها.
وفي الأشهر الأخيرة، أصبح من شأن التطورات السياسية في هذه البلدان، مثل الانتخابات البرلمانية المبكرة في أرمينيا في 8 ديسمبر 2018 وكذلك في أذربيجان في 9 فبراير 2020 أن تفتح الباب أمام توقف مفاوضات السلام، إضافة إلى الآمال المعقودة في أن تبدأ مجموعة مينسك جولة جديدة من المحادثات (في يوليو 2019)، لكن على الرغم من ذلك لم يحدث أي تطور فيما يخص المفاوضات الممتدة منذ سنوات حول منطقة قره باغ الجبلية.
بدأ الصراع بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا على منطقة قره باغ أو ناغورنو كاراباخ في عام 1988 وتصاعد إلى صراع عسكري في عام 1992 ونتيجة لذلك، احتلت القوات الأرمينية منطقة قاراباغ في جمهورية أذربيجان وسبع مدن مجاورة. وفي تلك الأثناء، وبسبب الوضع الجيوسياسي الحساس في المنطقة، لعبت الجهات الفاعلة الدولية الهامة ومجلس الأمن الدولي دورًا هاماً في سياق حل هذه الأزمة طويلة المدى وتمخضت هذه الجهود عن تشكيل مجموعة عُرفت باسم مجموعة ميسنك (OSCE) ضمت 11 دولة هي إيطاليا والسويد والجمهورية التشيكية وتركيا وبيلاروسيا وروسيا وجمهورية أذربيجان وأرمينيا في عام 1992 من قبل منظمة الأمن الدولي وجهود الدول الأوروبية.
تتمثل المهمة الرئيسية لمجموعة مينسك في السيطرة على الصراع الأرمني الأذربيجاني وإعداد وثيقة ذات صلة لحل نزاع قاراباغ سلمياً وحل هذا النزاع الإقليمي الواسع النطاق، وهي مهمة لم تتحقق حتى الآن، وأدى هذا الفشل طويل الأمد الى اليأس من التوصل الى تحقيق نتائج ايجابية.
وفي الوقت نفسه، فإن تفشي فيروس كورونا المستجد لم يقلل فقط من النزاعات والمناوشات التي كانت تحدث بين فترة واخرى وانتهاكات وقف إطلاق النار، ولكن الحاجة إلى السيطرة على الفيروس بين البلدين أدت إلى جولة جديدة من المحادثات والاتفاقيات بين الجانبين. وفي المحادثات التي جمعت وزير الخارجية الأذربيجاني المار محمدياريف، ونظيره الأرمني زهراب ماناتساكانيان، والتي جرت على بشكل الكتروني يوم الثلاثاء بمشاركة دبلوماسيين أمريكيين وروس وفرنسيين، شددت مجموعة مينسك على أهمية الحفاظ على وقف إطلاق النار في منطقة قاراباغ المتنازع عليها خاصة في الظروف التي يعاني العالم فيها من أزمة صحية عالمية جراء تفشي فيروس كورونا.
وأعلن الفريق الدولي المختص بمراقبة وقف إطلاق النار، أنه سيعلق عمليات المراقبة إلى أجل غير مسمى بسبب تفشي فيروس كوفيد-19 المستجد، فضلا عن مخاوفهم الأولية من أن يسعى الجانبان إلى استغلال الفوضى لتحقيق مكاسب عسكرية. وبالتأكيد خلال هذه الفترة، ستتفاقم إمكانية وقوع اشتباكات حدودية صغيرة يمكن أن تعرض للخطر حالة السلام الهشة في المنطقة، حيث قتل جندي أرمني خلال اشتباك بين القوات العسكرية للبلدين في أوائل أبريل / نيسان، واتهم كل طرف الآخر بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار. وشملت القضايا الأخرى التي ناقشها وزراء الخارجية، تدابير بناء الثقة، بما في ذلك اجراء زيارات لعوائل المعتقلين من كلا الجانبين ومتابعة ارسال الصحفيين الذي اُقرّ العام الماضي.
وبعد اجتماع جمع وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان في موسكو في أبريل 2019 ، اتفق الدبلوماسيان على تحديد الأسس اللازمة للتواصل بين شعوب البلدين، بما في ذلك الاجتماعات المتبادلة بين ممثلي وسائل الإعلام. وأسباب هذا الاتفاق هي محاولة الحد من العداء العميق بين المجتمعين بسبب عقود من الصراع على منطقة قاراباغ.
ومنذ وقف إطلاق النار في عام 1994، كان التواصل بين شعوب البلدين ضئيلا، وقلّما يزور الاذربيجانيون أرمينيا او العكس. وفي أوائل نوفمبر 2019 ، حدثت أول زيارة من هذا النوع، حيث زار ثلاثة صحفيين من جمهورية أذربيجان المنطقة الواقعة تحت السيطرة الأرمينية في قره باغ، بينما زار صحفيان أرمنيان المنطقة الواقعة تحت سيطرة اذربيجان في قره باغ.
ومع ذلك، وعلى الرغم من تضائل الصراع بين أرمينيا وأذربيجان منذ تفشي كورونا، وكذلك المفاوضات التي اُجريت بين وزيري الخارجية ووصولهما الى اتفاق حول تنشيط الطرق الدبلوماسية من جديد، تستمر الصحف بنشر صور عسكرية من الجانبين وهم يخوضون التدريبات العسكرية..
وعلى الرغم من التهديد الخطير فيما يخص نزاع قاراباغ أثناء أزمة تفشي كورونا، واحتمال نشوب صراع بين الطرفين بعد إنسحاب المراقبة الدولية من المنطقة، الا ان جهود البلدين لإدارة الوضع عن طريق زيادة اللقاءات المباشرة دون وساطة مثل إجراء مؤتمرات الكترونية عن طريق الانترنيت، من شأنه أن يكون مبادرة جديدة في مستقبل الدبلوماسية لحل هذا الصراع الدموي المستمر منذ فترة طويلة.