الوقت- يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، الذي كان دائمًا مثيراً للجدل، يمر حالياً بوقت أكثر صعوبة في إدارته للمملكة، على عكس التوقعات مع اقترابه من عامه الثالث في منصبه كولياً للعهد. الجدير بالذكر أنه بعد تنصيبه في 21 يونيو 2017 ولياً للعهد، بدا أن هناك العديد من العقبات في طريق حصوله على كرسي الحكم والسلطة في المملكة، والتي كان عليه حلها بمرور الوقت. وعلى صعيد متصل، ذكرت العديد من التقارير أن أهم إنجاز حققه "محمد بن سلمان"، يتمثل في القضاء على خصومه الداخليين والأمراء المعارضين، وإبعادهم من السلطة، واعتقالهم وسجنهم في سجون سرية داخل المملكة، ولفتت تلك التقارير أن "بن سلمان" قام أيضا بالكثير من الاعمال التعسفية ضد العديد من أعضاء الاسرة الحاكمة والعلماء والشيوخ وذلك من أجل أن يفرغ إلى حد ما ساحة التهديدات الداخلية ليتمكن من الحصول على عرش المملكة، ولكن على عكس توقعات ولي العهد المتهور، أصبحت السعودية خلال الفترة الماضية ساحة جديدة للتطورات العالمية والإقليمية بحيث يمكن اعتبار الوضع الحالي لـ"بن سلمان" من أصعب فترات حياته السياسية ومن هذا المنطلق سوف نسلط الضوء أكثر في مقالنا هذا على إثبات وشرح هذه القضية في ثلاثة محاور.
عندما يقود "كورونا" عجلة قيادة "محمد بن سلمان" نحو المنحدر
مما لا شك فيه أن أهم خطة استراتيجية صممها "محمد بن سلمان" لتأسيس مملكته الجديدة والحديثة، تقوم على رؤية 2030 الطموحة وقد صُممت هذه الرؤية وهذه الخطة لتثبيت قوة "بن سلمان" على المستوى المحلي السعودي من جهة، وقبول موقف السعودية الدولي كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن رؤية 2030 واجهت عدة عقبات في طريق تنفيذها، إلا أنه يبدو أن "محمد بن سلمان" يواجه حالياً طرفًا غير مدعو يسمى "فيروس كورونا" قد يقضي على طموحاته.
خلال الاسابيع القليلة الماضية تحرك العالم بجدية لمكافحة فيروس "كورونا" الذي أصبح بالتأكيد مصدر قلق كبير للصحة العامة، وأصبح له تأثير خطير وكبير على اقتصاديات الكثير دول العالم والدول العربية الغنية بالموارد النفطية ولا سيما المملكة العربية السعودية وفي هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاقتصادية أن منتجو النفط الكبار في العالم يستعدون لبحث تخفيض إنتاجهم لمواجهة الآثار السلبية لإنتشار فيروس "كورونا". كما كشفت تلك التقارير عن توقعاتها أن تكون قطاعات السياحة والسفر والطاقة والمواد الأساسية في السعودية الأكثر تضرراً من انتشار هذا الفيروس الخطير، وبحسب هذه التقارير يعتبر قطاع النفط والمواد البتروكيماوية أيضا الأكثر تضرراً في المملكة، حيث يمثّل النفط الخام ومشتقاته ما نسبته 66% من إجمالي صادرات السعودية إلى الصين، في حين تمثل المنتجات البتروكيماوية ما نسبته 32% علماً أن الصين هي أكبر مستهلك للبتروكيماويات في العالم وثاني أكبر مستهلك للنفط الخام وكشفت تلك التقارير عن توقعات سلبية لقطاع المنتجات البتروكيماوية تحديداً في ضوء التأثير السلبي المحتمل للمرض على اقتصاد الصين وقطاعها الصناعي، وكذلك ضعف الطلب من قطاع صناعة السيارات. ولهذا فإن العديد من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين يعتقدون أن هذه الآثار السلبية على قطاع النفط سوف يكون لها تأثير سلبي على مستقبل "بن سلمان" السياسي، خاصتاً وأن هذه الاوضاع أثرت بشكل كبير وسلبي على ميزانية المملكة.
حرب النفط مع روسيا وتخلي الأمريكيين من ولي العهد المتهور
ذكرت العديد من التقارير الاخبارية أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، اقتضم لقمة أوسع من فمه، فيما يخص الحرب مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" حول أسعار النفط ومع ذلك فإن روسيا دولة ذات اقتصاد حقيقي حيث يعمل الناس بجد ولا يحتاجون إلى العمالة الوافدة والأجنبية. ولفتت تلك التقارير أن المملكة العربية السعودية تعتبر واحدة من اللاعبين الرئيسيين في السوق العالمية للوقود الأحفوري، وتتمتع السعودية بثروة ونفوذً كبيرين لكنها تعاني في الوقت الحالي من أزمة حادة في وقتنا الحالي مع تفشي فيروس "كورونا" في عدد من المدن والمحافظات السعودية. وأكدت تلك التقارير أنه بعد الاستقرار الشكلي للمملكة العربية السعودية، حصلت انقسامات عميقة، وعدم رضا داخل العائلة الحاكمة بالإضافة الى توترات اجتماعية، بل وأدى ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، وانتشار الفقر، والتوترات ليس فقط بين العائلة المالكة، ولكن أيضًا بين أبناء الشعب السعودي، الى إثار الشكوك حول قدرة الحكام السعوديين على الحفاظ على الاستقرار داخل البلاد والحفاظ على السلطة على المدى الطويل.
وعلى صعيد متصل، ذكر مراقبين مطلعين على سوق الطاقة العالمي أنه على الرغم من الهدنة السعودية الروسية لتحقيق استقرار في أسواق النفط وخفض الإنتاج، إلا أن تبادل الضربات لا يزال مستمرا بين الطرفين. وكشفت بيانات شحن أن المواجهة بين روسيا والسعودية موجودة فعليا، بدل وجودها في عالم الأسعار الآجلة، وأن معركة طويلة من أجل الحصول على حصة في الأسواق وخصوصا في آسيا تستمر. الطرفان أعلنا الأسبوع الماضي أنهما على استعداد لاتخاذ إجراءات اعتبارا من مايو القادم، إذا تطلب الأمر لتحقيق التوازن في السوق عن طريق خفض الإنتاج المشترك مع أعضاء "أوبك"، التي تضم دول منظمة أوبك المصدرة للنفط بقيادة السعودية وشركاءها من الدول النفطية غير المنضوية في المنظمة وفي مقدمها روسيا.
وفي سياق متصل، كشف العديد من الخبراء الاقتصاديين أن جائحة فيروس "كورونا" المستجد وتراجع النشاط الاقتصادي إلى جانب هبوط أسعار النفط إلى النصف، ستؤثر على أقتصاد المملكة وسوف يكون ولي العهد السعودي في وضع لا يُحسد عليه، خاصتاً بعد العجر الكبير الذي حصل في الميزانية العامة للبلاد لعام 2020. وصرح وزير المالية السعودي قبل عدة أيام بأن إيرادات المملكة من النفط والغاز ستتراجع بحوالي 39.5 مليار دولار عما كان مقررا، مضيفا أن الرياض تتوقع الآن حدوث عجز في ميزانيتها. وذكر اولئك الخبراء بأنه ستكون هناك دون شك انعكاسات اقتصادية سلبية ستطال السعودية في هذه الحرب النفطية ويبدو أن اللعبة النفطية التي تدور بين المملكة العربية السعودية وروسيا هي لعبة من سيضعف أولا ويتنازل قبل الآخر عن مواصلة تحدي منافسه. وفي المقابل، أكد اولئك الخبراء أنه يبدو جليا أن السعودية أساءت تقدير دفاعاتها المالية واستخفت بتداعيات تفشي فيروس "كورونا" على قاعدة الطلب العالمية.
وفي السياق نفسه، يعتقد العديد من الخبراء أن العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ترتبط الآن فقط بالمصلحة الشخصية لـ"دونالد ترامب" بالقادة السعوديين، وإذا خسر "ترامب" في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن العلاقات بين الجانبين سوف تنتهي بشكل تقليدي وهذا يعني أن دعم "ترامب" لـ"محمد بن سلمان" ليس دائمًا، وربما سنرى ولي العهد السعودي المتهور يُترك بمفرده في الأشهر القليلة المقبلة.
مستنقع الأزمة اليمنية
يمكن تقييم القضية الاخيرة التي قد تعيق "محمد بن سلمان" من تنفيذ خططه وبرامجه المستقبلية، فيما يتعلق بفشل هذا البلد في مستنقع الأزمة والحرب اليمنية وعندما أعلن "محمد بن سلمان" أن الحرب في اليمن في مارس 2015 ضد قوى المقاومة اليمنية "أنصار الله" سوف تنتهي في غضون عدة أسابيع، ربما لم يعتقد أبدًا أن الحرب ستجلب له أي شيء سوى الهزيمة. والآن، وبعد أكثر من خمس سنوات، أصبحت اليمن مستنقعًا للسعوديين، الذين لا يبدو أنهم قادرون على إنهاء هذه الأزمة من خلال الحرب وإنما من خلال قبول الهزيمة.