الوقت- قال "رافائيل غروسي" الرئيس الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية في كلمة له إنه يريد أن تقدم إيران إيضاحاً بشأن "الموقع غير المكشوف عنه" في طهران، حيث عثر فيه على جزيئات اليورانيوم العام الماضي.
وادعى غروسي أيضًا أن على إيران أن تقرر التعاون مع الوكالة بطريقة أكثر شفافيةً لتقديم التفسيرات اللازمة.
رداً علی هذا التقرير، قال "بهروز كمالوندي" المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية: بالأمس، قدمت الوكالة تقريرين، الأول حول قضايا الاتفاق النووي والآخر حول موضوع الخلاف بيننا وبين الوكالة. أنشطتنا محددة بالكامل، وهي تخصيب جميع أنواع أجهزة الطرد المركزي وبحث وتطوير الماء الثقيل. في الواقع، هذه تقارير دورية تصدرها الوكالة كل ثلاثة أشهر، ولكن کانت لدينا بعض التحفظات علی طلبات الوكالة، وهذه التحفظات قانونية وقد أصررنا عليها دائمًاً، بما في ذلك طلب بعض المعلومات حول بعض الأماكن. ما هو مؤكد هو أن إيران لديها ضمانات وبروتوكولات وهي تؤدي هذه المهام على وجه التحديد، والتقارير الـ 16 الخاصة بالاتفاق النووي تؤكد تمامًا أننا نقوم بعملنا بشكل جيد. نحن وعلى أساس حقوق بلدنا كدولة عضو، عندما يُوجَّه إلينا سؤال، هذا السؤال له أسس مشروعة ودقيقة ومحددة في النظام الأساسي للوكالة واتفاق الضمانات ونص البروتوكول، وللأسف لا شيء منها کان في السؤال، ونحن كنا واضحين للغاية وأکدنا على أننا لا نستطيع تقديم معلومات حول قضايا غامضة وغير واقعية.
لكن ما الوثائق التي استندت إليها تقارير الوكالة، وما هو الأساس القانوني وراء ذلك؟
يتعلق تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوثائق التي يزعم الکيان الإسرائيلي أنه حصل عليها من "شور آباد" وحول موقع في "تورقوز آباد" حول طهران.
التمهيد "التقني" و"الفكري" لهذا التقرير قد بدأ منذ فترة طويلة. في غضون ذلك، هناك أهمية خاصة لتقارير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية(IISS) ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطية(FDD) والتي فرضت عليها إيران العقوبات مؤخراً. وهناك أيضًا تقرير من جامعة هارفارد عن وثائق نتنياهو المزعومة.
وفي أبريل 2018، أصدر رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو سلسلةً من الأرشيفات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني في مؤتمر صحفي. تألفت المجموعة من 55 ألف صفحة من الوثائق وآلاف الملفات على أقراص مدمجة تحتوي على صور ومقاطع فيديو ومستندات. وقدمت مجموعة الأرشيف هذه أيضًا مراجعةً دوريةً لأنشطة إيران من عام 1999 إلى 2003.
وفي يناير 2019، حصل فريق من الباحثين النوويين البارزين من جامعة هارفارد، في زيارة إلى الکيان الإسرائيلي، على ملخص للأرشيف من المسؤولين الصهاينة، على الرغم من أن الکتاب قالوا إنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى جميع الوثائق والمحفوظات.
ومع ذلك، ذكر کتاب التقرير أنه لم يكن لديهم خبير في التحقق من صحة المستندات أثناء زيارتهم، وأن بعض الوثائق كانت باللغة الفارسية، بينما لم يكن شخص ناطق بالفارسية من بين الکتاب. ولهذا السبب أيضاً قال الکتاب إنهم لم يتمكنوا من التحقق من صحتها.
تقرير هارفارد هو التقرير الوحيد الذي استطاع فيه فريق بحث متخصص من جامعة هارفارد، وجميعهم من الخبراء النوويين الذين لديهم مناصب في الحكومة الأمريكية، الوصول إلى الوثائق الإسرائيلية المزعومة.
فريق البحث هذا ضم الأستاذ المعروف بجامعة هارفارد "ماثيو بان" والمستشار "إرنست مونيز"، الذي شغل منصب وزير الطاقة في إدارة أوباما.
لكن تقرير هارفارد هو التقرير الوحيد الذي استند إلی وثائق الکيان الإسرائيلي المزعومة. لكن ماذا يتضمن هذا التقرير، وماذا تخبرنا عن صحة وثائق تل أبيب؟
1- يؤكد تقرير هارفارد أنه لا يوجد شيء جديد في هذه الوثائق. وهذا يعني أن ما كشفه الکيان الإسرائيلي كانت الوكالة قد ذکرت الإطار العام له.
2- لا يعتبر تقرير هارفارد أن صحة المستندات نهائية؛ وعلى الرغم من أنه لا يقول إن المستندات غير صحيحة، إلا أنه لا يؤكد دقة المستندات.
3- لم يكن لدى فريق هارفارد خبير باللغة الفارسية حتی، ولم يتمكن من التحقق من الوثائق الفارسية. بمعنى آخر، لم يكن لديهم القدرة التقنية على دراسة المستندات الفارسية.
4- لقد استطاع فريق هارفارد الوصول إلى بعض الوثائق، ولم يراجع جميع الوثائق. وهذا يمكن أن يكون لعدة أسباب. الأول هو أن الکيان الإسرائيلي لم يقدم لهم جميع الوثائق، وقد تم اختيار بعض الوثائق بشکل انتقائي، أو لأن الوثائق کثيرة(يُزعم أن عددها حوالي 55 ألف مستند)، ولم يكن لدى الفريق وقت للتحقيق. أو ربما ركز على بعض المستندات في المرحلة الأولى وسيتابع المراحل التالية. على أي حال، يقول فريق هارفارد إنه لم يكن بحوزته جميع الوثائق.
5- الوثائق المقدمة لفريق هارفارد هي من الکيان الإسرائيلي، وهو العدو الأول لإيران، والإسرائيليون أنفسهم لديهم قنابل نووية.
6- تظهر دراسة تقرير هارفارد أن التمهيد قد بدأ لإدخال الوكالة في طرح قضايا سبق إغلاقها. وعلی الرغم من أن التقرير يذكر أن "الأرشيف يوضح أن الوكالة لديها فهم جيد للبرنامج النووي الإيراني وخصائصه، وترتبط بعض الوثائق بالعلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يظهر أنه كان هناك الكثير من الاتصالات الرسمية بين إيران والوكالة"، ولكنه يحاول متابعة أهداف الکيان الإسرائيلي وأمريكا، من خلال تقديم الکيان کمرجعية للتحقق من برنامج إيران النووي.
7- يستند تقرير هارفارد إلى وثائق نتنياهو المزعومة، وفي هذا الصدد صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي هي تکرار للمعلومات القديمة التي سبق أن استعرضتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
8- "أوين هاينونين" النائب ورئيس مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك، وكبير المستشارين السابقين لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في مجال العلوم التحليلية ومنع الانتشار النووي، والعضو في "مركز بيلفار" بجامعة هارفارد، وفي حديث مع وكالة "مهر" للأنباء، کان قد قال بخصوص هذه الوثائق: "إن جزءاً من وثائق نتنياهو، قدمناه للوكالة في عام 2008"، وأضاف في الوقت نفسه "إن الجهة المختصة بمراجعة امتثال إيران للاتفاقية النووية، هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
الهدف الأول من هذه الوثائق، هو أن تحيل الوكالة الدولية للطاقة الذرية القضية مرةً أخرى إلى مجلس الأمن، لفرض عقوبات عالمية على إيران. وقد أثيرت هذه القضية في استدلالات "أولي هاينونين" في مقابلة مع وكالة مهر للأنباء. حين سئل: هل تعتقد أن الخطوة الثالثة قد تتمثل في الخفض الخطير لالتزامات إيران؟ هل يمكن لهذا أن يحيل ملف إيران إلى مجلس الأمن؟
فأجاب هاينونين: هناك ثلاث طرق لإدخال مجلس الأمن في الملف. الخيار الواحد هو الذهاب مباشرةً إلى مجلس الأمن. والخيار الثاني ممكن من خلال اللجوء إلی آلية حل الخلافات المتعلقة بالاتفاق النووي. في هذه المرحلة، بالنظر إلى المدى الذي خفضت فيه إيران التزاماتها، فإن أياً من الخيارين صعب. والخيار الثالث هو قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن عدم امتثال إيران لضمانات الاتفاق. والنتائج النووية في طهران تشير بقوة إلى أن إيران تستطيع انتهاك التزاماتها، بناءً علی إعلان التسهيلات المصممة والمبنية لأهداف الأسلحة النووية في أوائل التسعينيات، وكان ينبغي إدراجها في الإعلانات المقدمة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويتعلق السيناريو الثالث الذي أشار إليه هينونين، بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير الذي يزعم أن الوكالة حددت جزيئات اليورانيوم من صنع الإنسان في موقع لم تذکره إيران للوكالة.
ويأتي هذا الجدل في الوقت الذي قال فيه "ميخائيل أوليانوف" مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا يوم الثلاثاء، حول مزاعم بوجود جزيئات يورانيوم في إيران: "هناك الكثير من التكهنات حول هذه العبارة، وقد تم تقديمها على أنها اكتشاف ساخن يوضح عدم صدق إيران. وهذا أبعد ما يكون عن الواقع، لأن المخاوف المتعلقة باكتشاف جزيئات اليورانيوم تعود إلى فترة التسعينات وحتى عام 2005 في الحد الأقصی. هذا الأمر ليس له علاقة بالاتفاق النووي، ولا يشير إلى أي انتهاك صارخ من قبل إيران".
السؤال المطروح الآن هو، لماذا لا تسمح إيران لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمزيد من التفتيش، بعد هذه المزاعم؟
1- وفقاً للسلطات الإيرانية، يجب أن يكون لطلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحصول على المعلومات والوصول إليها، أسس قانونية. وبدون الأساس القانوني، لا ينبغي لأي بلد، بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية، تقديم المعلومات والسماح للوصول إليها.
2- يجب أن يستند طلب الوكالة إلى مستندات تقبلها الوكالة كدليل على مطالبتها، لكن المستندات الإسرائيلية المزعومة لا تتوافق مع تعاريف البروتوكولات والضمانات.
3- ليس من المفترض أن ترد إيران على أي مزاعم. إيران وبموجب اتفاقية الضمانات والبروتوكول الإضافي حتى في الاتفاق النووي، قبلت بعض الالتزامات بموجب البروتوكول الإضافي والضمانات، وهذا لا يعني أن على إيران أن تجيب على كل سؤال تطرحه الوكالة.
4- يدعي الکيان الصهيوني أن لديه 55 ألف وثيقة وينبغي مراجعة هذه الوثائق. المفهوم الآخر لهذا الأمر هو أن إيران يجب أن توضح کل هذه الوثائق التي يزعمها الکيان الصهيوني، وهذه ليست الطريقة الصحيحة، حيث تدعي دولة ما أنها حصلت على معلومات استخبارية عن دولة أخری عن طريق التجسس، وعلی الدولة الأخری التوضيح وکشف اللبس.
5- الطريقة التي ترد بها إيران علی مطالب الوكالة على أساس الضمانات، هي أنه بموجب المادة 69 من اتفاقية الضمانات المبرمة بين إيران والوكالة، تزود إيران الوكالة بمعلومات تُعرف باسم التقرير. ثم تأتي الوكالة بعد ذلك وتتحقق، وبعد التحقق إذا كان لدی الوكالة سؤال فتطرحه، ثم إذا كان هناك سؤال لدی الوكالة حول موقع ما، تطرح ذلك وستسمح إيران بوصول الوكالة إليه.
6- يجب السماح للوكالة برؤية أي موقع في إيران إذا كانت المستندات المقدمة إلی الدولة العضو متقنةً وسليمةً. وفقًا لذلك، لا يمكن طرح أي سؤال مهما کان، لأن الوكالة ليست منظمةً بحثيةً بل هي وكالة مراقبة، ويجب أن يكون هناك تقرير أو معلومات، ثم تأتي الوكالة وتحقق من المعلومات.
7- إستناداً إلى أحدث الإحصاءات في عام 2018، من 1124 عملية تفتيش بين الحكومات التي لديها اتفاقيات ضمانات شاملة والبروتوكول الإضافي، ودون جمع واسع النطاق(59 بلداً)، 989 منها(حوالي 88٪) تمت في إيران فحسب. أيضاً، من بين 60 حالة وصول تکميلي بين حكومات المجموعة المذكورة في عام 2018، 44 منها(حوالي 70٪) تمت في إيران. بالإضافة إلى ذلك، تمت 27 حالة وصول تکميلي في الأشهر العشرة الأولى من عام 2019 في إيران. وفي المجموع، تم 22٪ من عمليات التفتيش التي أجرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جميع أنحاء العالم، في إيران. كما يوجد في المتوسط 6 مفتشين في إيران كل يوم.
8- تقرير الوكالة(وليس التقرير الدوري لمدی الامتثال للاتفاق النووي) يُنشر لأول مرة، وبناءً على ذلك، أصرت الوكالة على بعض الطلبات غير الطبيعية وغير القانونية. وفي العام الماضي عندما قدمت الوكالة مثل هذه الطلبات، قدمت إيران رداً سلبياً، لأنهم طلبوا الوصول إلى بعض الأقسام، بينما في البروتوكول النووي وحتى في الاتفاق النووي، تم الاتفاق على عدم القيام بذلك.
9- إذا أرادت الوكالة الوصول إلى بعض الأقسام، فيجب أن تکون هذه الطلبات والمستندات وأسبابها مقنعةً ومنطقيةً، ويجب أيضًا التفاوض بشأن إمکانية الوصول مع البلد المضيف، وإذا قبلت الدولة المضيفة، فسيتعين عليها إعادة التفاوض بشأن الترتيبات ونوع التفتيش أيضاً. وبالطبع، وفقًا لتقرير الوكالة، فإن للبلد المضيف الحق أيضًا في عدم السماح بالوصول إلى تلك الأقسام.
بناءً علی ما تقدم، يجب الانتباه إلى أن المستندات التي طلبت الوكالة بموجبها المزيد من عمليات التفتيش في إيران، لا تتمتع بالصلاحية اللازمة بناءً على ضمانات الوكالة نفسها وتعاريف البروتوكول الإضافي. کما أن مصدر الوثائق هو الکيان الإسرائيلي المعروف بعدائه لإيران، وينبغي التشكيك في صحتها.
يجب أن يكون رد إيران على الوكالة معتمداً على أدلة موثقة. في عهد "أمانو" أيضاً، کانت المندوبة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة "نيكي هالي" قد قالت له بأنه يجب أن تکون الوكالة حرةً في تفتيش أي موقع في إيران، مهددةً بقطع التمويل الأمريکي عن الوكالة.
هذه التصريحات تشير إلى أن الاتجاه الحالي للوكالة ليس بالأمر الجديد، وهناك بالفعل خطة لتنفيذ لذلك. کما أن مجيء رافائيل غروسي الذي تدعمه الولايات المتحدة بالکامل، يوفر الأساس لخروج الوكالة الكامل من الدائرة الفنية إلى النهج السياسي، وهذا مسلك خطير.