الوقت - بعد تبرئته في محكمة الاستجواب، يسعى ترامب إلى استخدام هذا التصويت كدليل على البراءة، واعتباره انتصارًا كبيرًا لحشد التأييد الشعبي له، ولمهاجمة القاعدة الاجتماعية للديمقراطيين من ناحية أخرى.
ولكن في جبهة معارضي ترامب، فإنهم يسعون أيضًا إلى إبقاء التهم ضد ترامب مفتوحةً، واستغلالها في الساحة العامة للمجتمع، من خلال التشكيك في مصداقية تصويت أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، وذلك في الأشهر التسعة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية. وفي هذه الظروف، يمكن القول إنه على الرغم من أن عزل ترامب قد انتهی على ما يبدو بعد تبرئته، إلا أن سلسلة الجدل حول انتهاكات ترامب ستستمر.
نشاط ترامب المثير للجدل بعد الاستجواب
مباشرةً بعد تصويت مجلس الشيوخ، وضع ترامب هذه القضية موضوعاً أساسياً في خطبه المختلفة، حتى يحقق أقصى الاستفادة الدعائية منه، وهو العالم بالأجواء الإعلامية الأمريكية.
بحيث في حشد من المؤيدين في ولاية أيوا يوم الخميس المنصرم، قال ترامب إن الرؤساء کانوا يُستجوبون في الماضي - أندرو جاكسون في 1868، ريتشارد نيكسون في 1973، وبيل كلينتون في 1999- وهي کانت "حقباً مظلمةً"، ولكن فترة رئاسته هو أوجدت أجواءً "سعيدةً".
لكن الخطوة الأكثر أهميةً والأكثر إثارةً للجدل التي أقدم عليها ترامب بعد التخلص من محكمة المساءلة، کانت طرد أولئك الذين شهدوا ضده في المحكمة. وكان سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي "جوردون سوندلاند" والخبير بالشأن الأوكراني في مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض المقدم "ألكسندر فيندمان"، من بين أولئك الذين استهدفهم الرئيس في تسوية الحسابات السياسية هذه. بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لما ذكره "مايكل وولكوف"، تم طرد شقيقه التوأم (فيندمان)، الذي كان يعمل محاميًا في مجلس الأمن القومي، من البيت الأبيض.
وفي يوم الجمعة وحول سبب طرد فيندمان، لم يخف ترامب غضبه من هذا الموظف في البيت الأبيض وقال: "لست راضياً عنه. هل تعتقدون أنني يجب أن أكون راضياً عنه؟"
کذلك، ذكرت "بلومبرج نيوز" أن "جنيفر ويليامز"، وهي مساعدة كبيرة أخرى بالبيت الأبيض أدلت بشهادتها حول الإقالة، غادرت البيت الأبيض هذا الأسبوع لتتولى منصبًا في القيادة المركزية للجيش الأمريكي.
علی أية حال، ما هو واضح من تصرفات ترامب في الأيام القليلة الماضية، هو أنه ينظر إلى تصويت مجلس الشيوخ کمنصة للانطلاق نحو الانتخابات الرئاسية، وهو يعتقد أن الدعم الشعبي لتنظيف البيت الأبيض أمر مؤكد، لأنه برر نفسه حتى دون الاعتراف بأدنى خطأ.
لقد نجا بيل كلينتون من الفضيحة الجنسية، ولكنه على الأقل وفي خطاب علني بعد البراءة، اعترف بأن ما فعله كان خطأً.
الديمقراطيون ضد تصويت مجلس الشيوخ
وسائل الإعلام الأمريكية القريبة من الديمقراطيين، سلطت الضوء علی عراقيل أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في رفضهم لمطالب وفد النواب الديمقراطيين.
وأعلن الديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي أنه على الرغم من تبرئة الرئيس دونالد ترامب في محاكمة العزل، ولکنهم أصروا على الفور على أن النتيجة غير قانونية، وهذا لا يعني أنهم سيوقفون التحقيقات حول إدارته، ومن الناحية الدستورية لا يوجد أي عائق أمام إعادة محاکمة ترامب في حال وجود أدلة أقوى.
وقبل التصويت بلحظات، قال السناتور "تشاك شومر" من نيويورك، وهو زعيم الديمقراطيين: "سيكون حكم هذه المحکمة بلا معنى. لقد وقعت الأغلبية الجمهورية على تبرئة ترامب من خلال رفض الحقائق – بالامتناع عن استدعاء الشهود والوثائق - في محاكمة مخزية".
وعلی هذا الأساس، قال الديمقراطيون إنهم سيواصلون التحقيقات، لأنهم يعتقدون أن الكثير من الأعمال غير القانونية التي قامت بها الإدارة لم يتم الكشف عنها بعد.
وفي هذا الصدد، قال أحد أعضاء اللجنة القضائية بمجلس النواب: "ما زلت أعتقد أن دونالد ترامب قد ارتكب جرائم ولا يمكننا السماح له بالتنصل من المسؤولية عن الجرائم الدستورية".
وبعد يوم واحد من تبرئة ترامب في مجلس الشيوخ، أعلنت "نانسي بيلوسي" رئيسة مجلس النواب، أن المجلس ينتظر نتائج العديد من الشكاوى، بما في ذلك تلك المتعلقة بالسجلات المالية لترامب في مصرف "دويتشه فيله". من ناحية أخرى، قال "جيرالد نادلر" رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، إنه سيواصل متابعة شهادة "جون بولتون" حول تعاملات ترامب مع نظيره الأوكراني.
خلال عملية الاستجواب، أظهر الجمهوريون في مجلس الشيوخ تمامًا أن محكمة المساءلة محكمة سياسية وليست قانونيةً، وقد تجاهلوا الاتهامات والأدلة الموجودة بشكل متعمد، ويمكن أن يتضح هذا من خلال تصويت السناتور "ميت رومني" الموافق على عزل ترامب.
في الواقع، انضمام رومني إلى الديمقراطيين، والذي أصبح أول سيناتور في التاريخ الأمريكي يصوّت ضد حزبه خلال الاستجواب، أضر بشکل کبير بموقع ترامب ومحاميه والقادة الجمهوريين، لأنهم وصفوا في الأشهر القليلة الماضية خطة الاستجواب من قبل الديمقراطيين بأنها عمل "فئوي محض" من قبل الديمقراطيين دون مشاركة حتى جمهوري واحد، واعتبروا أن عدم کون الخطة "عابرةً للأحزاب" دليل علی "افتقارها للمصداقية".
في الواقع، قرر الجمهوريون أنهم لا يريدون دعوة جون بولتون وميك ميلواني أو أي شخص آخر للإدلاء بشهادته حول تسرب المعلومات حول أوكرانيا. ومن السهل فهم منطقهم: لقد كانوا ملتزمين بالتصويت من أجل تبرئة ترامب، وليس اتضاح الحقيقة.
سيحاول الديمقراطيون بالتأكيد استخدام تشويه صورة أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، للفوز في انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة. ومن المقرر إجراء انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي 2020 في 3 نوفمبر 2020، للفور بـ 33 مقعدًا.
إستطلاعات الرأي
خلال جلسات الاستجواب، وفي حدث غير طبيعي، أظهرت استطلاعات مختلفة تحسن شعبية ترامب مقارنةً بالأشهر السابقة، وفي المقابل تراجع دعم الديمقراطيين، بين الناخبين الأميركيين. وفي هذا الصدد، يمکن الإشارة إلى استطلاع "مركز جالوب لاستطلاعات الرأي"، والذي أجري في خضم محاكمة الإقالة في الفترة من 16 إلى 29 يناير.
في هذا الاستطلاع، طالب 52 في المائة من الأميركيين بالبراءة و46 في المائة بإدانة ترامب وعزله. وبحسب هذا الاستطلاع، فإن ثقة الأمريكيين في اقتصادهم وصلت إلى أعلى مستوياتها في العقدين الماضيين. کذلك، كان الرضا الوطني في أعلى مستوياته في السنوات 15 الماضية.
حالياً، 63 في المئة من الأميركيين راضون عن کيفية إدارة ترامب للاقتصاد. وهذا الرضا لم يسبق له مثيل منذ رئاسة بوش. وبالإضافة إلى ترامب، تزايدت شعبية الحزب الجمهوري أيضاً، حيث وصلت من 43 في المائة في سبتمبر إلى 51 في المائة في يناير. هذا في حين أن شعبية الحزب الديمقراطي تراجعت من 48٪ في سبتمبر إلى 45٪ في يناير.
کما أظهر استطلاع جديد لرويترز وإيبسوس نتائج مماثلة إلى حد ما. حيث أظهرت نتائج الاستطلاع أن المساءلة لم تؤثر على شعبية ترامب بين الأمريكيين، وأن شعبية ترامب بعد المحاکمة هي على نفس المستوى تقريبًا كما كانت قبل المحاکمة.
استطلاع رويترز وإيبسوس الذي أجري في الفترة من 3 إلى 4 فبراير، أظهر أيضاً أن 42 في المائة من کبار السن الأميركيين راضون عن أداء ترامب، لكن 54 في المائة لا يوافقونه. وکانت شعبية ترامب قبل الاستجواب هي نفسها تقريباً.
بشكل عام، يمکن القول إنه على الرغم من أن محاكمة العزل جرت على أساس توقعات ترامب ومؤيديه، ولکن فإن متاعب ترامب الأوكرانية ستستمر بالتأكيد.