الوقت - ليس فقط إيران ولكن العالم بأسره لم يخرج بعد من صدمة نبأ استشهاد قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني النبأ الذي انتقدته أغلب الشخصيات المعروفة إقليمياً وأمريكياً وحتى دولياً ماعدا ثلّة قليلة من مقربي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورأوا في مثل هذا الإجراء أنه سبب لتفاقم الأوضاع في الشرق الأوسط.
وقد لا نبالغ حين نقول إن اللواء الشهيد قد شهر في دول المنطقة و لربما اكثر مما هو عليه في إيران، حتى أن أعداؤه ينظرون إليه بعين الاحترام.
على سبيل المثال قال الجنرال "ديفيد بترايوس" المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذي قاد قوات الناتو خلال الحرب البوسنية ، وتولى قيادة القوات الأمريكية وحلفائها في العراق عام 2007 ، بعد أن أصبح القائد الأعلى للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وآسيا الوسطى, عن اللواء سليماني: "قاسم سليماني رجل يتمتع بقدرات كبيرة وحيلة وهو عدو لدود. إنه يتقن لعبته بشكل جيد، لكنها لعبة طويلة, لذلك دعونا نرى كيف ستسير الأمور ".
كما صرح رئيس القيادة المشتركة للعمليات الخاصة الامريكية السابق الجنرال ستانلي ماكريستال ، قائلاً إن قائد قوات فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي من بين القادة العسكريين الأكثر جاذبية في العالم، وأنه يؤدي وظيفته بفعالية كبيرة.
وأشار ستانلي ماكريستال في مقابلة مع "هيو هيويت" مذيع إذاعة "سيلم" الأمريكية التي اجريت حول موضوع كتابه الجديد "قادة العالم: الأسطورة والواقع" ، الى سياسات واشنطن في غرب آسيا واللاعبين الرئيسيين في المنطقة. حيث سأل المذيع ماكريستال عن وجهة نظره حول اللواء سليماني وقال: "عندما تنظر إلى قاسم سليماني ، الذي يعتبر أكبر منافس لكم وقائد للعمليات الإيرانية، هل تعتقد أن كاريزما وشخصية سليماني من وجهة عسكرية مساوية لمثيلاتها لدى القادة والزعماء الآخرين؟ أجاب الجنرال الأمريكي: نعم ، من ما رأيته يمكنني القول، إنه أفضل قائد لديهم.
إن اغتيال القائد الذي يتحدث عنه أعظم الجنرالات الأميركيين بهذه الطريقة يتطلب بلا شك عملاً مكثفًا ، ولا يمكن القول إن استهداف القائد سليماني ورفاقه كان عن طريق الصدفة.
يحدد بعض الكتاب الأمريكيين المطلعين على هيكلية منظمة التجسس (وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية) شخصاً باسم مايكل دي اندريا (Michael D'Andrea) ، رئيس العمليات الإيرانية في وكالة الاستخبارات المركزية وانه العقل المدبر وراء عملية اغتيال اللواء قاسم سليماني.
من هو مايكل دي أندريا؟
يُعرف دي أندريا من قِبل وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية باسم "أمير الظلام" ، وبالطبع أصبح معروفًا باسم "آية الله مايك" بعد أن اعتنق الإسلام نفاقاً للوصول الى أهدافه.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 2 يونيو 2017 تقريراً يعلن تعيين مايكل دي أندريا كرئيس لمكتب إيران في وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية. وقد ترأس سابقًا مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة الاستخبارات المركزية عام 2000.
ووفقاً لتقرير صحيفة نيويورك تايمز انه في ذلك الوقت ، كان دي اندريا مسؤولاً عن عمليات البحث عن أسامة بن لادن ، مؤسس والزعيم السابق تنظيم القاعدة الإرهابي،. قام مايكل دي أندريا أيضًا بتوجيه برنامج وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حول "عمليات القتل الهادفة بواسطة الطائرات بدون طيار". حيث أدى تشغيل البرنامج هذا إلى إزالة الآلاف من المشتبه بهم بأنهم ينتمون الى شبكات ارهابية.
كما أشار التقرير إلى أن وزير الخارجية الحالي والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية مايكل بومبيو، إلى جانب مايكل دي أندريا ، ربما لديهم معلومات مفصلة وهامة حول ما إذا كانت الحكومة الإيرانية قد امتثلت لأحكام الاتفاق النووي أم لا.
ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز ، فقد أوضح رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب من خلال تعيينه لدي اندريا موقف الحكومة الأمريكية الثابت والسياسة تجاه إيران أكثر من أي وقت مضى.
لا يوجد الكثير من المعلومات حول وجهة نظر دي أندريا الشخصية لإيران. نشأ مايكل دي أندريا في شمال فرجينيا ، وتعود علاقته بوكالة الاستخبارات المركزية إلى جيلين سابقين.
وفقا للتقارير الموجودة، أصبح مايكل دي أندريا معروفاً باسم "آية الله مايك" بعد الزواج من امرأة مسلمة. حيث التقى زوجته في واحدة من البعثات الخارجية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية واعتنق الإسلام ليتزوجها، رغم أنهم يقولون إنه لا يلتزم بمبادئه الدينية.
ووفقًا لمسؤولي المخابرات السابقين والحاليين في وكالة المخابرات المركزية الامريكية، فإن تعيين مايكل دي أندريا قد يكون الخطوة الأولى والمهمة التي اتخذتها إدارة ترامب لتنفيذ موقفها السياسي الصارم تجاه إيران.
ان تعيين دي أندريا هو واحد من مجموعة الإجراءات التي اتخذتها وكالة الاستخبارات المركزية تحت قيادة مايك بومبيو ، والتي تشير إلى اتباع نهج أكثر عنفًا في عمليات وكالة المخابرات المركزية. وكان مايك بومبيو من أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني في الكونغرس الأمريكي.
ويضيف كاتب المقالة في صحيفة "نيويورك تايمز": "انه وفقًا لرئيس وكالة المخابرات المركزية ، فإن مايكل دي أندريا مدمن على عمل يمكنه أن يلعب دوراً جيداً في التجسس على إيران في وكالة الاستخبارات المركزية".
خلفية مايك في وكالة المخابرات المركزية
يتمتع مايكل دي أندريا بشهرة واسعة في وكالة المخابرات المركزية الامريكية، وربما لم يلعب أي من موظفي وكالة الاستخبارات المركزية دوراً في إضعاف القاعدة كالدور الذي لعبه دي اندريا. وأصبح معروفًا باسم "أمير الظلام" عندما كان يشرف على عملية صيد أسامة بن لادن وكان مدير برنامج العمليات الهجومية الأمريكية باستخدام الطائرات بدون طيار. كما وسعت وكالة المخابرات المركزية عملياتها الهجومية باستخدام الطائرات بدون طيار على اليمن تحت قيادة دي أندريا ، ويرى الكثيرون في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنه أحد المساهمين الرئيسيين في إضعاف وشل تنظيم القاعدة.
بالإضافة الى ذلك لعب المسؤولون العاملون تحت قيادة دي أندريا دورًا رئيسيًا في عملية استشهاد عماد مغنية احد كبار قادة حزب الله اللبناني في فبراير عام 2008. وبالتعاون الإسرائيلي مع السي آي تم وضع قنبلة بسيارته، مما أدى الى استشهاد مغنية في دمشق. ويقال إن عملية مطاردة أبو بكر بغدادي ، رئيس جماعة داعش الإرهابية ، نفذت تحت اشرافه أيضاً.
دي أندريا مدخن مخضرم. وبالإضافة الى شهرته ذكائه في تنفيذ العمليات في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، فهو معروف أيضاً بأخلاقه الفظة. وغالبًا ما استخدم أولئك الذين عملوا معه كلمة "سريع الخطى" لوصف سلوكه ، ورفض العديد من مسؤولي السي آي إيه العمل معه.
ولم تظهر وكالة المخابرات المركزية أي رد فعل على مقالة النيويورك تايمز لأن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لم تتحدث مطلقًا عن هوية وعمل عملاءها السريين. وأولئك الذين قالوا شيئا عن مايك دي أندريا كانوا يشترطون عدم البوح بأسمائهم.
دور دي أندريا في أعمال الشغب الإيرانية
ظهر اسم دي أندريا عام 2017 عندما انخرطت إيران في القليل من الاضطرابات وضغط المسؤولين الأمريكيين لدعم الاضطرابات وسعيهم لجر المسألة إلى مجلس الأمن الامر الذي كشف أن واشنطن متورطة في الوضع في إيران.
في ذلك الوقت كان ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي وقال في بيان فيما يتعلق بسياسة الحكومة الأمريكية تجاه إيران هي "نقلًا سلميًا" للسلطة ، وقبل أيام قليلة من حديث تيلرسون ، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا بعنوان "التحدي المتمثل في تنفيذ وجهات نظر دونالد ترامب بشأن ايران في وكالة المخابرات المركزية الامريكية يقع على كاهل شخص يدعى مايكل دي اندريا."
ان إيداع ملف إيران في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للتجسس الى شخص لديه هذه الخلفية يشير إلى وجود مشاريع أمريكية قصيرة وطويلة الأمد ضد إيران. في غضون ذلك ، تظن واشنطن ان استشهاد الحاج قاسم هي إزالة واحدة من أشد العقبات التي تحول دون تحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة.
ولا تنقص صحة أو خطأ توقعات المحللون الأمريكيون في ان لدي أندريا يد في استشهاد الحاج قاسم سليماني من شناعة هذا العمل الأمريكي. لقد غذى العمل الإرهابي الأمريكي التطورات الجديدة في الشرق الأوسط المخاوف في القوات الغربية في المنطقة ولهذا السبب تأهبت القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية في الشرق الأوسط وخرج المدنيون الأمريكيون من العراق بسرعة. وحتى الكيان الصهيوني عزز مواقعه على الحدود مع لبنان.
والنقطة المهمة بعد استشهاد اللواء قاسم سليماني هي أن ترامب وبومبيو يحاولان من خلال رسائلهم المتعددة إيصال فكرة أنه تم اصدار أوامر اغتيال الجنرال سليماني لانه كان يخطط لتعقب ومطاردة الدبلوماسيين والقوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
ولم يشر ترامب وبومبيو في رسائلهم إلى دور سليماني في هزيمة داعش في العراق وسوريا، ومع ذلك ، يُقال أن سليماني هو الذي أقنع فلاديمير بوتين بانضمام روسيا الى عمليات التصدي لداعش في سوريا.
يتطلع ترامب للفوز بالانتخابات الرئاسية الامريكية من خلال هذا العمل الإرهابي وهو سعيد الآن باستشهاد اللواء سليماني ، لكنها ربما لن تدم طويلاً ، و "الانتقام القاسي" الذي وعد به سيحمل ترامب على تسليم مفاتيح البيت الأبيض في يناير 2021 لشخص آخر.