الوقت- على وقع استعداد لبنان لدخوله نادي الدول المنتجة للنفط، تشهد البلاد أزمة سياسيّة غير مسبوقة بدأت بتحركات شعبية عفوية، لتنتقل بعدها إلى موجة الاستثمار السياسي.
الدفعة الثانية من المعدات المخصصة للحفر في الرقعة النفطية رقم 4 وصلت إلى بيروت استكمالاً للتحضيرات المرتبطة بالبئر الاستكشافية الأولى، وقبل أن تصطدم بعوائق الحفر في المتوسط، يبدو أنها اصطدمت بالواقع السياسي اللبناني على ضفاف المتوسط الذي جعل البلد على مفترق مصيري، وفي حين ينشغل اللبنانيون اليوم بالمستجدات الداخلية، تشهد السفارة الأمريكية ومحيطها تحرّكات متسارعة، في السفارة، هناك نشاط داخل أروقة السفارة لركوب موجة التحرّكات، وحول السفارة هناك تحركات لجعلها مكاناً لمكاتب شركات النفط في لبنان، لتبقى لاحقاً تحت أنظار السفارة الأمريكية وعملائها.
وبين التحركات الأمريكية السياسية في لبنان، والأخرى النفطية في عوكر ومياه المتوسط، نود ابتداءً الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: كشفت دراسة أعدتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عام 2010، أن حوض شرق البحر المتوسط، يحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط، وإن كانت بعض المصادر توقّعت أرقاماً أعلى، وبالتالي فإن حوض شرق المتوسط يعدّ من أهم أحواض الغاز في العالم، حيث تعوم المنطقة فوق بحيرة من الغاز والكفيلة بتلبية حاجة سوق أوروبا لمدة 30 عاماً.
ثانياً: يعدّ الكيان الإسرائيلي الأنشط اليوم في مجال استخراج الغاز من الحقول المكتشفة، رغم وجود العديد من الحقول المتنازع عليها سواء مع لبنان أم مصر.
ينقّب الكيان الإسرائيلي في حقل ليفياثان، المكتشف في العام 2010 والمتنازع عليه، والذي تقدّر احتياطاته بـ 620 مليار متر مكعب. كذلك، تقدّر احتياطات حقل تانين المتنازع عليه والمكتشف في العام 2012 بـ 34 مليار متر مكعب، حقل كاريش المكتشف في العام 2013، المتنازع عليه، تقدّر احتياطاته بـ51 مليار متر مكعب، فيما حقل رويي المتنازع عليه والمكتشف في العام 2014، تقدّر احتياطاته بـ 90 مليار متر مكعب من الغاز.
ثالثاً: أظهرت العديد من الشركات الصينية والروسية حماسة كبيرة للدخول في الدورة الثانية للتراخيص في المياه البحرية اللبنانية، بالإضافة إلى الشركات التي فازت في عقود الدورة الأولى من ضمنها شركة توتال الفرنسية.
اليوم، يشهد هذا القطاع اللبناني انتقالاً من مرحلة الدراسات إلى مرحلة التنقيب، وبالتالي بروز تنافس من دول المنطقة، كذلك أوروبا وأمريكا على استغلال الثروات الطبيعية لدول المتوسط ومن بينها لبنان.
الدراسات الاستقصائية الأولية تشير إلى احتياطيات كبيرة من الغاز في الجرف اللبناني، وتشير توقعات حكومية إلى وجود حوالي 700 مليار متر مكعب من الغاز، هذا الحجم الأولى من الاكتشافات فتح شهية شركات النفط والغاز، وألهب التنافس الإقليمي على الموارد، كذلك قام بجذب انتباه القوى الدولية إلى ثروة إضافية وبؤرة صراع محتملة، فإضافًة إلى التوتر الكبير بين تركيا وقبرص اليونانية فيما يخص النفط، هناك خلافات كبيرة على قضيّة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة، خلاف تسعى فيه واشنطن للوساطة بما يخدم الكيان الإسرائيلي نفطياً وغازياً.
انطلاقاً من هذه النقاط الثلاث، وبناءً على التحركات الأمريكية الحالية في الساحة اللبنانية، تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: حاولت واشنطن ركوب موجة الحراك، وتجييرها لخدمة مشروعها السياسي في لبنان، واشنطن تسعى اليوم لتصفية حزب الله أكثر من أي وقت مضى، لاسيّما أن الأمور باتت تتعدى المواجهة القائمة مع الكيان الإسرائيلي، وتتصل بمواجهة واشنطن الاقتصاديّة في العالم.
ثانياً: واشنطن، ومن خلال حديثها اليوم عن إخراج حزب الله من الحكومة، تسعى للحصول على كل الأرضيات الكفيلة بإبرام وساطتها في ترسيم الحدود بما يرضي الكيان الإسرائيلي من جهة، وكذلك الحصول على المناقصات بعد البدء بمرحلة التنقيب. واشنطن تريد حكومة لا تعارض أي أوامر نفطيّة قد تصدر عن السفارة الأمريكية في عوكر، وهذا أحد فصول المؤامرة الأمريكية اليوم تجاه لبنان.
أمريكا هي من يخلط اليوم بين الوجع الحقيقي للناس والمشروع السياسي الذي يريد أن يحقق مآرب سياسية، تريد أن تستثمر الوجع الحقيقي للناس في لبنان لكي توجّه سهامها وسهام حقدها نحو المقاومة، وبالتالي جعل لبنان ساحة هادئة للعدو الإسرائيلي سياسياً أو نفطياً.
باختصار، ما يريده الأمريكيون من لبنان، هو ما يريدونه من سوريا، والعراق وكل الدول في الشرق الأوسط، فما تريده واشنطن هو نفط الشرق الأوسط قبل أيّ شيء آخر.
في العراق حصلت الشركات الأمريكية على كل الاستثمارات التي تريدها بعد سرقة ملايين البراميل النفطيّة، وفي سوريا تعمد اليوم إلى سرقة النفط السوري، وهذا ما تريده اليوم من لبنان أيضاً. ولكن كيف؟ يبدو أنها تريد قوننة هذه السرقة عبر حكومة "أمريكية الهوى".