الوقت- أثارت التحية العسكرية للاعبي كرة القدم الأتراك عقب تسجيلهم الهدف الأول في رسالة دعم منهم لعملية "نبع السلام" التي أطلقها جيش بلادهم في شمال سوريا، احتجاجات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لكن تلك التحية اكتسبت شعبية بين السياسيين والمجتمع التركي.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن قوات الجيش التركي والعناصر الإرهابية الموالية لها تواصل هجماتها الوحشية على المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لسوريا.
ولفتت تلك المصادر إلى أن هذه العملية التي أطلق عليها اسم "نبع السلام"، أدّت إلى نزوح أكثر من مئة وثلاثين ألفاً من الأكراد والعرب والتركمان القاطنين في شرق الفرات، ما أثار العديد من الانتقادات الدولية واسعة النطاق، بدءاً بالجامعة العربية ومروراً بالاتحاد الأوروبي ووصولاً إلى الصين وجمهورية قبرص التركية والأمم المتحدة.
وحول هذا السياق، اعتبر الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، أن عملية "نبع السلام" العسكرية التركية الجديدة في شمال شرق سوريا، لم تحقق أي نتيجة حتى الآن، بل تسبّبت بمزيد من القتلى واللاجئين.
وعبّر "روحاني" في مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين الماضي، عن قلق طهران من دخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية، داعياً أنقرة إلى إيقاف هجومها بشكل عاجل، والعمل على محاربة الإرهاب وعودة اللاجئين السوريين.
وأشار إلى أن "نبع السلام" ليست لمصلحة المنطقة والأكراد السوريين أو الحكومة السورية، مؤكداً أن الحل الأفضل هو انتشار الجيش السوري على الحدود مع تركيا.
وأضاف "روحاني" قائلاً: "نتفهم مخاوف تركيا على حدودها مع سوريا، لكننا نرفض الطريقة العسكرية التي تعاملت بها"، معرباً عن أمله في انتهاء التدخل التركي مع انسحاب القوات الأمريكية.
ومع ذلك، لم يكن لأيٍّ من هذه المواقف والتصريحات والانتقادات حتى الآن أي تأثير على القرارات والإجراءات التركية، وإنما على العكس من ذلك لا تزال قوات الجيش التركي والعناصر الإرهابية الموالية لها تتقدم في العديد من المناطق الشمالية السورية.
وهنا يمكن القول بأنه بالإضافة إلى أن هذه العملية التركية لها العديد من الجوانب العسكرية والسياسية، إلا أن لها أيضاً أبعاداً اجتماعية وثقافية داخلية، والأدلة تشير إلى أن هذه العملية لم تخلق قطباً اجتماعياً خطيراً في الفضاء السيبراني والفضاء الحقيقي للشعب التركي فحسب، بل إنها أيضاً فرضت الكثير من التدابير الأمنية والقضائية الصارمة على الشعب التركي.
ظاهرة التحية العسكرية
هناك بعض الرموز والطقوس الثقافية يقوم بها أبنا الشعب التركي أثناء مراسم تشييع الجنائز ودفن الجنود الذين قتلوا أثناء الحرب مع الإرهابيين، وعلى سبيل المثال، يقوم أقارب أولئك الجنود العسكريين الذين قتلوا في ساحة المعركة بارتداء الخوذة العسكرية للجندي المقتول أو يقومون بارتداء ملابسه العسكرية.
كما يقدّم آخرون تحية عسكرية خلال جنازة تشييع ذلك الجندي عندما يتم مرور السيارة التي تحمل نعش الجندي المقتول، ولكن في الوقت الحاضر وخلال الأيام القليلة التي قام فيها الجيش التركي بغزو الأراضي السورية المجاورة له، أصبحت التحية العسكرية رمزاً اجتماعياً واسع النطاق وقد تسبّبت بحدوث ردود فعل سلبية عند المجتمع الدولي، خاصة عندما جاءت هذه الخطوة الرمزية من عالم الرياضة.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية، بأن التحية العسكرية للاعبي كرة القدم الأتراك عقب تسجيلهم الهدف الأول في رسالة دعم منهم لعملية "نبع السلام" التي أطلقها جيش بلادهم في شمال سوريا، أثارت احتجاجات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
ولفتت تلك المصادر الإخبارية إلى أن تحيات الرياضيين الأتراك لقيت العديد من ردود الفعل السلبية في الساحات الدولية، لكن تركيا ووسائل الإعلام التابعة لها، أعربت مساء يوم الثلاثاء الماضي عن دعمها للاعبي منتخبها الوطني الذين أدّوا التحية العسكرية خلال المباراة ضد فرنسا في تصفيات كأس أوروبا 2020.
واختار وزير الرياضة التركي، "محمد محرم كاسابوغلو"، عبارة "تحية جميلة" لوصف الاحتفال المثير للجدل بالهدف الذي سجله منتخب بلاده في باريس، الاثنين الماضي، والذي فُسّر على أنه دعم للعملية التي يشنّها الجيش التركي على القوات الكردية في كوردستان سوريا.
كما قال وزير الرياضة التركي إنه "لا مبرر لهذا الجدل"، مشيراً إلى أن مهاجم منتخب فرنسا "أنطوان غريزمان" قد أدّى أيضاً التحية العسكرية للرئيس "إيمانويل ماكرون" في حزيران الماضي.
وأوضح "كاسابوغلو" في مؤتمر صحفي، أن أولئك الذين لم يحرّكوا ساكناً بشأن التحية العسكرية لغريزمان، يحاولون تشويه التحية (الجميلة) للاعبي منتخبنا الوطني.
واعتبر أن الذين انتقدوا ما قام به لاعبو تركيا كانوا يحاولون صرف الانتباه عن نجاح تركيا في البقاء متصدّرة للمجموعة أمام فرنسا بطلة العالم، معتبراً أن "الذين يحاولون التستر على فشلهم على أرض الملعب، يجب أن يستسلموا، النتيجة واضحة"، متوجّهاً إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بالدعوة إلى أن يكون حذراً في إجراءاته.
عسكرة الفضاء الالكتروني
حتى الآن، تم استجواب واحتجاز العديد من المواطنين الأتراك لنشرهم العديد من التغريدات المعارضة للعملية العسكرية التي تقوم بها قوات الجيش التركي والعناصر الإرهابية الموالية لها في شمال سوريا.
كما تم اعتقال أربعة من رؤساء البلديات الأكراد الذين كانت لهم آراء مخالفة لتلك العملية التركية، وحول هذا السياق، صرّح المدعي العام التركي علناً بأنه سيتم محاكمة أي مواطن ينشر رسالة في الفضاء الإلكتروني تعارض عملية "نبع السلام".
لقد أدّت هذه القرارات إلى عسكرة الفضاء الإلكتروني بشكل كبير، لكن بعض الأتراك في الخارج لديهم حسابات حقيقية والبعض الآخر يستخدمون حسابات مزيفة وبرامج لفتح المواقع المحجوبة للتعبير عن معارضتهم لتلك العملية التركية، وقد تسبّب هذا في خلق الكثير من المشادات الكلامية بين المستخدمين وظهور العديد من الأفكار العنصرية.
ومن ناحية أخرى، عملت شبكات التلفزيون التابعة للحكومة التركية بتغطية حية لتلك العمليات العسكرية، ما أدّى إلى ظهور حالة من الخوف وانعدام الأمن بين أبناء المجتمع التركي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي بقيادة "أردوغان" على الأراضي السورية لم تنتهِ حتى الآن، وإذا لم تقم حكومة أنقرة والمسؤولون السياسيون والعسكريون الأتراك بإعادة النظر في الأخبار التي ينشرونها في وسائل الإعلام التابعة لهم، فمن المحتمل أن يشهد الفضاء الاجتماعي التركي عواقب وخيمة جراء توسّع الهجمات العنصرية وثنائية القطبية.