الوقت- بعد تشكيل المجلس السيادي والحكومة الانتقالية في السودان، دعت مصر والسعودية والإمارات وفرنسا مسؤولي الخرطوم لزيارة هذه البلدان وذلك من أجل عقد مفاوضات والتوقيع على العديد من المعاهدات والصفقات التي من شأنها أن تساعد على إعادة الحياة إلى الاقتصاد السوداني المتهالك.
يذكر أن كلّاً من القاهرة والرياض وأبو ظبي، قدّمت الكثير من الدعم للقوات السودانية، ولعبوا دوراً مهمّاً في تأسيس النظام الحاكم الجديد في السودان.
وتعتبر السودان بلداً ذا أهمية استراتيجية وسياسية وعسكرية واقتصادية بالنسبة لمصر والسعودية والإمارات، ولهذا السبب، تحاول تلك البلدان كسب وّد نظام السلطة في الخرطوم لتحقيق بعض مصالحهم وأهدافهم في المنطقة.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية السودانية، بأن "عبد الفتاح البرهان" رئيس مجلس السيادة السوداني، والدكتور "عبد الله حمدوك" رئيس الوزراء بدأا يوم أمس الأحد جولة خليجية تشمل السعودية، ودولة الإمارات، في أول زيارة مشتركة لهما منذ تكوين هياكل السلطة الانتقالية في أغسطس الماضي.
وذكرت تلك المصادر الإخبارية، أن وزيرة الخارجية السودانية "أسماء عبد الله" ووزير المالية "إبراهيم أحمد بدوي" ووزير الصناعة والتجارة "مدني عباس" و"أبو بكر" رئيس جهاز الاستخبارات العامة السودانية قد رافقوا "البرهان" و"حمدوك" في هذه الجولة.
وفي سياق متصل، ذكر "فيصل محمد صالح"، المتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية، إن رئيسي مجلسي السيادة والوزراء زارا يوم أمس الأحد السعودية، وسيتوجّهان اليوم الاثنين إلى الإمارات، في زيارة تستغرق يوماً واحداً في كلا البلدين، ويجريان خلالها مباحثات مشتركة مع قيادة البلدين.
وأضاف "صالح": إن الزيارة تأتي تلبية لدعوة مقدمة من الملك "سلمان بن عبد العزيز"، ودعوة وجهتها القيادة الإماراتية لرئيس الوزراء، عقب أدائه القسم رئيساً للحكومة الانتقالية في السودان.
وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس"، فقد كان في استقبال "البرهان" و"حمدوك" والوفد المرافق لهما بمطار الملك خالد الدولي، الأمير "فيصل بن بندر بن عبدالعزيز"، أمير منطقة الرياض، ووزير الدولة لشؤون الدول الإفريقية "أحمد بن عبدالعزيز قطان"، وأمين منطقة الرياض المهندس "طارق بن عبدالعزيز الفارس"، وسفير السعودية لدى السودان "علي بن حسن جعفر"، وسفير السودان لدى السعودية "عبدالعظيم محمد الصادق".
وفي هذا الصدد، ذكرت بعض المصادر الإخبارية السودانية بأن السعودية والإمارات بذلتا خلال الفترة الماضية الكثير من الجهود للتدخل في الشؤون الداخلية للسودان وبسط نفوذهما وتحويل مسار الثورة، خصوصاً بعد أن كانتا من أوائل الدول التي رحّبت بقرارات المجلس العسكري الانتقالي في هذا البلد الفقير.
ولهذا الأمر فإن هناك حالة من التململ السياسي والشعبي تسود بين أبناء الشعب السوداني، وفي وقتنا الحالي يشعر السودانيون بالقلق من مخططات السعودية والإمارات في بلادهم، من خلال دعم العسكر، وتجاهل المدنيين.
ولقد كشفت العديد من المصادر الإخبارية، بأنه سبق وأن زار "البرهان"، في مايو 2019، العاصمة الإماراتية أبوظبي، بعد زيارة لمصر، التي يحكمها العسكر بقيادة "عبد الفتاح السيسي"، الذي تدعمه الإمارات والسعودية.
تلك الزيارة اعتبرها نشطاء ومعارضون بالسودان بداية لثورة مضادة تخطط لها أبوظبي في بلادهم، حيث قال أحد المغردين على "تويتر": "رئيس المجلس العسكري السوداني يتوجّه إلى الإمارات في زيارة رسمية، وحميدتي بالسعودية، ثورة السودان تتحول سريعاً إلى ثورة مضادة للأسف الشديد".
ورأى البعض أنها محاولة من العسكر في السودان للاستقواء على الشعب الذي رفض أي تدخل خارجي، وتظاهر مرات في السودان رافعاً لافتات وشعارات تندد بالتدخل الإماراتي في السودان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض المحللين يعتقدون أن قادة الإمارات والسعودية ومصر يحاولون تعزيز نفوذهم في السودان بعد إزاحة "البشير" واعتقاله في 11 أبريل الماضي، بعد ثلاثة عقود من الحكم.
وحول هذا السياق، ذكر المحلل السياسي السوداني "مجدي الطيب"، أن التدخلات السعودية والإماراتية في بلاده، مستمرة منذ عهد "البشير" وحتى اليوم، مشيراً إلى أنه رغم رحيل "البشير"، إلا أنه جاء شخص آخر يُسعد "ابن سلمان" و"ابن زايد" ويحقق رغبتهما في التحكم بالسودان، واستدرك بالقول: "لكننا في السودان اكتسبنا دروساً من التجربة المصرية، خاصة فيما يتعلق بالتمسك بالسلمية منذ اللحظة الأولى، وصولاً إلى اختيار حكومة تمثل الشعب وتسحب الصلاحيات من يد العسكر".
وأوضح قائلاً: "نحن نختلف عن مصر، ونستطيع أن نقاوم بشكل مختلف ما تحيكه الإمارات أو السعودية لبلادنا، ونحن منظّمون تحت مظلّة قوى سياسية وتحالفات في مقدمتها الحرية والتغيير، في حين تلاشت الأحزاب الجديدة بمصر بسرعة، وأصبحت مصر اليوم تحت سيطرة الفرد الواحد، وهذا ما ساعد الإمارات على التحكم بالمشهد هناك".
يذكر أنه بدأت في السودان في 21 أغسطس/آب الماضي، مرحلة انتقالية تستمر 39 شهراً، وتنتهي بإجراء انتخابات، يتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري الانتقالي وقوى "إعلان الحرية والتغيير" قائدة الحراك الشعبي الذي أنهى حكم "عمر البشير".
وفي الختام يعتقد العديد من الخبراء السياسيين السودانيين بأن هذه الزيارة التي قام بها "البرهان" و"حمدوك" للسعودية والإمارات، ما هي إلا محاولة تبذلها الرياض وأبو ظبي لكسب وّد الخرطوم وإقناعها بالرضوخ لجميع مطامعهما وإجبارها على المضي قُدماً معهما وعدم معارضتها لهما فيما يتعلق بالقضايا السياسية في المنطقة وإلا فإن مصير "عمر البشير" سوف يكون في انتظارهما.