الوقت - وفقاً للقانون الدولي، يعتمد كيان "الدولة - الشعب" الشرعي على أربعة عناصر رئيسة: الأول: السكان والشعب، الثاني: الأرض والبلد، الثالث: الوجود وسيادة الدولة دون انقطاع، والرابع: الدولة وإدارتها لشؤون البلاد وإقامة العلاقة الشرعية مع الدول والأمم الأخرى.
والكيان الإسرائيلي محروم بشكل طبيعي من العناصر الأربعة كلها. لأن سكان هذا الكيان هم مهاجرون من بلدان أخرى، وليس لهم أي صلة إقليمية بفلسطين بحيث لم يعيشوا في هذه الأرض لفترة تاريخية طويلة، رغم ادّعاء قادة الصهاينة أنهم عادوا إلى هذه الأرض بعد توقف دام ألفي عام.
هذا في حين أن هذه الأرض كانت مأهولةً بالسكان، وكان الشعب الفلسطيني يعيش فيها منذ ألفي عام على الأقل.
كما لم تكن سيادة الدولة اليهودية موجودةً على هذه الأرض أيضاً رغم ادعاءات الكيان الإسرائيلي بهذا الشأن، وكان حكم الدولة وإدارتها أيضاً من مسؤولية الشعب الفلسطيني.
هذه المكونات نفسها هي أحد التهديدات الرئيسة للكيان الإسرائيلي، لأنه في حال حدوث أي مواجهة، فإن المهاجرين الذين جاؤوا إلى هذه الأرض ومعظمهم يحملون جنسيات مزدوجة، سوف يختارون الهجرة العكسية بسبب عدم وجود روابط إقليمية لديهم تجاه فلسطين.
بالإضافة إلى ذلك، تشكل العنصرية سمةً أخرى مهمة تهدد وجود هذا الكيان، وهذا الأمر لم يُلاحظ في العلاقات الصهيونية مع الفلسطينيين فحسب، بل هناك مثل هذه الفجوات بين الصهاينة أنفسهم أيضاً.
الصهيونية مرادفة للقومية المتطرفة والعنصرية اليهودية، حيث اعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 3379 والذي اعتمد في 10 نوفمبر 1975، حكومة جنوب إفريقيا الخاضعة لنظام الفصل العنصري و"إسرائيل" التي تحكمها الصهيونية، نظامين عنصريين.
كما أدان قرار قمة دول عدم الانحياز المنعقدة في ليما في 25-30 أغسطس 1975، الصهيونية باعتبارها أحد مصادر التهديد للسلم والأمن الدوليين، ودعا جميع الدول إلى معارضة هذه الإيديولوجية العنصرية.
كذلك اعتبر هذا البيان المشترك الصهيونية نوعاً من العنصرية والتمييز العنصري، لكن الأمم المتحدة قد ألغت العنصرية الصهيونية، بضغط من أمريكا وحلف شمال الأطلسي وحلفاء واشنطن الأوروبيين.
الصهيونية هي حركة سياسية قومية متطرفة، تهدف إلى جمع اليهود ونقلهم إلى أرض فلسطين، وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه الأصلية، وإقامة الدولة اليهودية كرمز للثقافة والدين اليهوديين من النيل إلى الفرات.
وتعتبر القومية الراديكالية للصهيونية الدينية أن البشر الآخرين عبيد لهم، ولا تقيم وزناً لحقوق الدول الأخرى.
الصهيونية الإسرائيلية وبالإضافة إلى نظرتها العنصرية إلى الدول الأخرى، تفرِّق بين الأقوام اليهودية داخل المجتمع اليهودي أيضاً، وتعاني من الصراع العنصري.
في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تسمى "إسرائيل"، اليهود "الأشكناز" لديهم أصول من أوروبا الشرقية والوسطى، واليهود "السفارديم" هم من أصل مغربي وأندلسي، واليهود السود الذين يطلق عليهم "الفلاشا" هم من اليهود الإثيوبيين والأفارقة، أما اليهود "المزراحيون" فتعود جذورهم إلى الجاليات اليهودية في الدول العربية والإسلامية والشرق الأوسط.
يعتبر الأشكنازيون أنفسهم متفوقين على اليهود الآخرين. والأشكنازيون والسفارديم أيضاً يعتبرون اليهود السود مواطنين من الدرجة الثانية.
اليهود ذوو النزعة الصهيونية الذين انتقلوا من دول أخرى إلى فلسطين، بالإضافة إلى معارضتهم للشعب الفلسطيني، هم على خلاف كذلك مع الجالية اليهودية من الناحية الاعتقادية والسياسة والاجتماعية والاقتصادية والطبقية، والكثير من اليهود لا يقبلون الهجرة إلى فلسطين ولا يؤمنون بالصهيونية.
على سبيل المثال، هنالك خلافات عميقة بين الجالية اليهودية الأمريكية، من حيث المعتقدات الدينية والسياسية والاجتماعية.
ينقسم اليهود الأمريكيون إلى الإصلاحيين والمحافظين والأرثوذكس، والخلافات بين الجالية اليهودية الأمريكية تهدد وجودها.
صحيفة "شالوم" الأسبوعية التابعة للجالية اليهودية التركية التي تصدر في اسطنبول، نشرت مؤخراً تقريراً عن اليهود الذين يعيشون في أمريكا، جاء في هذا التقرير التحليلي: لقد تطور اليهود الأمريكيون على مدار الـ 150 سنة الماضية.
في القرن التاسع عشر، تسللت الحركة اليهودية المحافظة والإصلاحية إلى أمريكا، واستمرت المجتمعات اليهودية في الوجود والنشاط بشكل مستقل عن بعضها البعض.
ازداد عدد اليهود الأرثوذكس الأمريكيين في السنوات الأخيرة، حسب استطلاعات الرأي، والسبب هو أن حوالي نصف اليهود الأمريكيين متزوجون من غير اليهود.
ومعظم هؤلاء اليهود إما لا يربّون أطفالهم وفقاً لمبادئ الديانة اليهودية أو يتم تربيتهم على أسس الديانات المتعددة.
يركّز معظم اليهود الليبراليين على أهداف تحقيق "العدالة الاجتماعية" والأهداف السياسية بدلاً من التعليم الديني أو التقليدي. وهذا هو السبب في استبعاد اليهود الإصلاحيين من قبل اليهود الأرثوذكس واليهود المحافظين، من حيث تفسير التوراة والقضايا القانونية.
اليهود الذين يريدون أن يصبحوا متدينين، يجعلون العضوية في المجموعة اليهودية الأرثوذكسية خيارهم الأفضل، كما أن وجهات نظر اليهود الأمريكيين ومعلوماتهم الدينية مختلفة أيضاً.
المجموعات الرئيسة الثلاث لليهود الأمريكيين لا تريد التحدث مع بعضها البعض وتبادل وجهات النظر، حيث ينظر اليهود الأرثوذكس لليهود الإصلاحيين على أنهم يهود منحرفون، ويعتبرون مبادئهم الدينية غير شرعية.
وهنالك اختلافات في العادات والقوانين اليهودية بين حاخامات اليهود الأرثوذكس واليهود الإصلاحيين، والفوارق والتناقضات تزداد بين الجماعات اليهودية الأمريكية يوماً بعد يوم.
وإذا استمر هذا الاتجاه، فسيتحوّل المجتمع اليهودي الأمريكي إلى مجموعتين رئيسيتين، هما: المتدينون المتطرفون الذين يشملون اليهود الأرثوذكس والمجموعة المحافظة الأكثر تطرفاً، واليهود الليبراليون والإصلاحيون الذين هم ليبراليون من الناحية الدينية ويهوديون من الناحية الثقافية فقط.
الخلافات بين اليهود الأمريكيين بالإضافة إلى المجالات الدينية، انسحبت إلى السياسة والاجتماع أيضاً، فاليهود الأرثوذكس محافظون سياسياً واجتماعياً، إنهم لا يحترمون معتقدات اليهود الآخرين، ويعتبرون أن قبول الدين اليهودي من قبل غير اليهود (عنصرياً) أمر غير شرعي.
كما أن اليهود الإصلاحيين الأمريكيين غير مهتمين بقوانين الديانة اليهودية، وفي المجموع أدّت هذه الاختلافات إلى أن يصبح وجود الجالية اليهودية الأمريكية عرضةً للزوال والتدمير.
وفي ضوء هذه الحقائق، نلاحظ نفس الحالة في المجتمع اليهودي في الكيان الإسرائيلي، حيث إن هذا الكيان وبسبب كونه غير شرعي ومزيّف، يكون بمثابة جزيرة في محيط العالم العربي والإسلامي، ولديه شعور قوي بانعدام الأمن.
أما الأنظمة العربية فهي تخضع للابتزاز الإسرائيلي خوفاً من أمريكا، لكن الرأي العام في العالم العربي والإسلامي ينظر إلى هذا الكيان على أنه احتلال، ومهدد لسلام وأمن شعوب المنطقة وحتى اليهود.
لذلك، فإن انهيار "إسرائيل" من الداخل، في حال زيادة الضغط من الخارج، أمر لا مفر منه، تماماً كما زوال نظام الفصل العنصري.