الوقت- يبدو أن سياسة التفرد بالحكم التي انتهجها النظام المصري الجديد وعلى رأسه السيسي لا زالت تتوالى فصولا. فتحت مسميات مختلفة تسعى الحکومة المصرية الى تشديد القبضة الامنية على الواقع المصري، ومن هذه المسميات "مكافحة الارهاب" الذي يفتك بمصر منذ أشهر. فقد يعتقد البعض أن قانون "مكافحة الارهاب" الذي اقره السيسي مؤخرا يأتي في السياق الطبيعي للعمليات العسكرية والامنية التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية ضد مجموعات تكفيرية في سيناء. الا أن المتابع للشأن المصري يعلم أن هذا القانون وبما يختزله من حد للحريات لم يأت ضمن السياق الطبيعي المفترض له.
وبالعودة الى القانون الآنف الذكر فهو مشروع قديم كان يحاول نظام حسني مبارك التسويق له ولكن خوفا من معارضة داخلية ومواقف خارجية منددة به لم يصل المشروع الى خواتيمه. وبعيد استلام السيسي الحكم في مصر عاد المشروع الى الواجهة. ورغم التشكيك الذي كان يحيط بالمشروع حول امكانية اقراره والمصادقة عليه وسط رفض داخلي كبير لبنوده وعدم وجود برلمان يستطيع سن قوانين بهذا الحجم، الا أن النظام المصري وعلى رأسه السيسي (الذي يختزل السلطة التشريعية بشخصه) فاجأ الجميع مؤخرا بالمصادقة على القانون.
وقد تضمن القانون 54 مادة جاء في أهمها:
- انشاء محاكم بدلا من الدوائر للنظر في الجرائم الارهابية
- اقرار عقوبات تصل الى الاعدام لمن يتزعم أو يمول جماعة ارهابية
- فرض غرامات مالية كبيرة تصل الى 58 الف يورو على كل من ينشر او يروج لاخبار وبيانات حول اعمال ارهابية تخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع
- السجن لكل من استخدم او انشأ مواقع انترنت للتسويق للافكار الارهابية
- عدم مسائلة الجهات الامنية القيمة على تنفيذ القانون في حال استعمال القوة اثناء اداء واجباتهم وحماية للنفس او المال من التخريب.
- كما وقدم القانون تعاريف خاصة بالارهاب والارهابيين والجريمة الارهابية وما الى ذلك من مسميات.
- والملاحظات التي تسجل حول هذا القانون كثيرة، فالقانون لم يقدم معايير وأطراً واضحة لتعريف الارهاب والارهابيين واستخدم عبارات فضفاضة يمكن أن تفسر على أوجه كثيرة ومتعددة، مما يعطي صاحب القرار المصري والجهات الامنية هامشاً واسعاً لاستهداف افراد وجماعات قد لا تكون لها علاقة بالارهاب. بالاضافة الى أن هذا القانون يكرس القوى الامنية والعسكرية التي تنفذ هذا القانون كسلطة مطلقة الصلاحيات ومحصنة من أي ملاحقة قانونية او قضائية على قاعدة أن استخدام القوة مبرر دفاعا عن النفس والمال.
- كما ويقيد القانون حرية الرأي والتعبير ويضع قيودا وغرامات مالية على مهنة الصحافة (التي لم يسمها القانون بالاسم)، ويؤكد المتابعون للشأن الاعلامي المصري بأن هذا القانون أتى ليعيد الاعلام الى زمن الصوت الواحد الذي لا يطيق النظام سماع غيره. كما وأن الغرامات المالية الكبيرة ستكون الوسيلة التي يضغط من خلالها النظام لاسكات بعض الاصوات الصحفية والنشريات الصغيرة والتي لا تنعم برؤوس أموال كبيرة تسمح لها بالاستمرار.
- كما وقد تعرض القانون لانتقادات كثيرة من قبل سياسيين وحقوقيين مصريين على اعتبار أنه يكرس حالة طوارئ دائمة، ويحد من الحريات ويفتح الباب امام انتهاكات لحقوق الانسان من قبل القوى الامنية التي اعطيت كل الصلاحيات اللازمة والحصانة لانتهاك حقوق المواطنين تحت مسمى مكافحة الارهاب. وقد عارض مشروع القانون كل من نقابة الصحافة ومجلس القضاء الاعلى والمجلس القومي لحقوق الانسان ومنظمات حقوقية بالاضافة الى شرائح واسعة من المثقفين المصريين. ودوليا ايضا انتقدت منظمة العفو الدولية هذا القانون واصفة اياه بـ "شديد القسوة ويعمل على توسيع القبضة الحديدية للسلطات المصرية على الحريات الأساسية " .
واشنطن تندد بالقانون.. حقيقة الموقف الامريكي!
أتى على لسان المتحدث باسم الخارجية الامريكية "جون كيربي" بان امريكا تندد "بتشديد قانون مكافحة الارهاب" كما أعرب عن الخوف من تأثير القانون الجديد على حقوق الانسان والحريات الاساسية. وللوقوف على حقيقة الموقف الامريكي لا بد من التذكير بصفقات الاسلحة بين البلدين. حيث ومنذ أشهر قليلة أعلن أوباما عن نية واشنطن تسليم مصر طائرات F16 المقاتلة ودبابات ابرامز بالاضافة الى صواريخ البوينج هاربون المضادة للسفن. هذا بالاضافة الى المعونة العسكرية التي تقدمها امريكا سنويا لمصر والتي تتضمن اسلحة ثقيلة ومتوسطة ورشاشة وحسب ما ذكر أوباما فانه سيطلب من الكونغرس تزويد مصر بمعونة عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار. وهذا ما يؤكد أن واشنطن لا تخالف القرار المصري الاخير بشأن مكافحة الارهاب وانما وعلى عادتها ومن اجل الاستهلاك الاعلامي واستقطابا للرأي العام العالمي والعربي لا بد من التنديد بالقانون المصري الجديد. كيف لا؟ وامريكا هي حامية الديمقراطية والحرية في العالم.
وفي خلاصة المشهد يظهر أن هذا القانون سيكون المدخل للنظام المصري وتحت عنوان "مكافحة الارهاب" لممارسة ارهاب الدولة وسياسة كم الافواه وبغطاء دولي امريكي، مما ينذر بمرحلة جديدة من القبضة الامنية، اسوأ من سابقاتها تلوح امام أعين الشعب المصري.