الوقت- لم يُقدم زعيم الحركة الإسلامية في نيجيريا، الشيخ إبراهيم الزكزاكي، على أي فعل يستوجب إدخاله إلى السجن، ولنفترض أن من اعتقله كان يقوم بذلك بناءً على توجيهات من جهات خارجية معينة، إلا أن القضاء النيجيري أصدر حكماً في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2016 بالإفراج الفوري عن الشيخ ابراهيم الزكزاكي وتغريم الأجهزة الأمنية 150 ألف دولار أمريكي تعويضاً لأسرته، بعد أن تقدّم الشيخ زكزاكي بشكوى إلى المحكمة لاعتقاله من دون إبلاغه تهمته خلال الهجوم الذي شنّه الجيش على المركز الإسلاميّ النيجيريّ.
هذا ولم تستجب قوات الأمن لحكم القضاء بإطلاق سراح الشيخ زكزاكي وواصلت اعتقال العديد من ناشطي الحركة الإسلامية، ولم يتم محاسبة الذين تسبّبوا بقتل المئات من الأبرياء في مجزرة زاريا.
وعلى الرغم من أن المحكمة العليا وجّهت تحذيرين إلى كل من رئيس قيادة الاستخبارات، وقيادة الشرطة، ورئيس السلطة القضائية، بالإسراع في تنفيذ حكم المحكمة القاضي بإطلاق سراح الشيخ زكزاكي، ومع ذلك لم يتم الإفراج عنه.
هذا الأمر دفع آلاف الأحرار داخل نيجيريا وفي جميع أنحاء العالم لتنظيم احتجاجات وتجمّعات شعبية في لندن وإيران وأمام السفارات النيجيرية في مختلف أنحاء العالم للمطالبة بالإفراج عن الشيخ زكزاكي ومعالجته بعد أن تدهورت صحته.
وفي إيران طالب المدعي العام الإيراني حجة الإسلام محمد جعفر منتظري، مسؤولي القضاء في نيجيريا، بنقل الشيخ زكزاكي إلى إيران لعلاجه.
وكانت هذه التجمعات الشعبية بمثابة إطلاق صرخة في وجه الظلم ومرتكبيه، ووقفة حق إلى جانب أحرار العالم، وخاصة الشيخ الزكزاكي، وتصرّف السلطات معه على هذا النحو يرقى لمستوى الجريمة ويجب محاسبة مرتكبيها.
وفي حال بقي الشيخ زكزاكي يعيش ضمن هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها، علينا أن نترحّم على المنظمات الدولية، التي بدأت تفقد هويتها، ولا نبالغ إذا قلنا إنها فقدتها، وكان واضحاً هذا الأمر في اليمن وسوريا والكثير من المناطق الأخرى التي لم تكن فيها هذه المنظمات فاعلة أو مؤثرة أو لمصلحة الأحرار بل كانت دائماً تتبنّى موقفاً مسيّساً لا يليق بمكانتها والأهداف السامية التي تتبناها.
من يقف وراء إبقاء الشيخ الزكزاكي خلف القضبان؟.
قبل عدة أسابيع تحدّث أحد قادة الحركة الإسلامية في نيجيريا الدكتور "ابراهيم سليمان"، عن وجود أيادٍ خارجية تقف خلف هذا الموضوع، وعلى رأسها السعودية، وقال سليمان: لقد صدر حكم إطلاق سراح الشيخ زكزاكي من السجل منذ ثلاث سنوات لكن بخاري (الرئيس النيجيري) رفض تنفيذ الحكم رغم دعوات لتنفيذه من جهات شتى، وذلك يثبت ضلوع أيادٍ أجنبية تحرّض بخاري على عرقلة أمر الشيخ زكزاكي.
لا ننسى إقرار ابن سلمان بأن السعودية هي من موّلت مجزرة زاريا حتى تتمكّن من كسر ما سمّاه بالإرهاب في إفريقيا ولم تردّ الحكومة عن هذا الإقرار، وأيضاً سكوت كبار الدول على إراقة دم الشيعة في نيجيريا دليل واضح على قولنا.
الغريب في الأمر أن الرئيس النيجيري تحدّث عن وجود "مصلحة" بعد إطلاق سراح الشيخ زكزاكي، والسؤال ما هذه المصلحة ولمن، هل يمكن أن يبرّئ القضاء النيجيري شخصاً ما ثبتت عليه تهمة ما؟، تصرّف الرئيس على هذا النحو ألا يعتبر طعنة في الظهر للقضاء ونزاهته في البلاد؟.
لا نستبعد أن تكون مصلحة السعودية تقف خلف هذا الاعتقال، والأدلة كثيرة في هذا الإطار، جميعنا يعلم أن السعودية تلهث للتطبيع مع "إسرائيل" ولا تدّخر جهداً للتقدّم في هذا الموضوع، وبرز هذا في ورشة المنامة وقصة قاعدة الأمير سلطان والقطار الإسرائيلي الذي سيمرّ من السعودية وغيرها من الأمور، وفي الأمس جميعنا شاهد مقطع الفيديو الذي انتشر لمواطن سعودي زار الكنيست الإسرائيلي ومن ثم زار القدس والمسجد الاقصى وهناك سمع كلاماً مؤثراً من الفلسطينيين الذين رفضوا وجوده على أرض فلسطين.
المهم "إسرائيل" هذه والتي تقترب من النجاح في التطبيع مع السعودية، تخطط لاستهداف الحركة الإسلامية في نيجيريا، وهذا كفيل بأن نفهم سبب الاندفاع السعودي للضغط على صديقتها نيجيريا ومنعها من إطلاق سراح الشيخ الزكزاكي.
ثم إن مواصلة اعتقال الشيخ الزكزاكي تعدّ مخالفة للقانون والدستور النيجيري وفق قرار قاضي المحكمة العليا غابريل كولافولا الذي رفض ادعاءات الأجهزة الأمنيّة قائلاً: لم ترد أي تقارير أو شكاوى من أنه (الشيخ الزكزاكي) يشكّل ضرراً للمنطقة التي يعيش فيها".
أي إن حكم المحكمة ملزم لجميع الأجهزة في نيجيريا، بخلاف الدعوات، لناحية الإلزام القانوني، التي أطلقتها العديد من الدول والجهات الحقوقيّة من بينها منظّمة العفو الدوليّة التي دعت للإفراج عن زعيم الحركة الإسلامية بعدما اعتبر توقيفه مخالفا للقانون.
هذه الدعوات ورغم أهميّتها لم تكن ملزمة حتى تاريخ 2 كانون الأَول سـنة 2016، إلا أن الوضع بعد هذا التاريخ قدّ تبدّل دستوريّاً.