الوقت- جرت العادة في كافّة الأنظمة الديمقراطية والدكتاتورية أن يُسلّم كرسي الحكم إلى الوكيل في حال غياب الأصيل، ففي الأنظمة الجمهورية يتسلّم نائب الرئيس زمام الأمور عند غياب الرئيس الشرعي، أما في الأنظمة الملكية يجلس ولي العهد على كرسي الملك في حال غيابة. لم يكن حال السعودية عن هذا الأمر ببعيد، فعندما أصيب الملك فهد بن عبد العزيز بمتاعب صحية وجلطات دماغية في العام 1995، إستلم الملك عبدالله إدارة شؤون الدولة وأصبح الملك الفعلي حتى تولية الحكم رسمياً في العام 2005، تاريخ وفاة الملك فهد.
بقيت السعودية على حالها حتى وفاة الملك عبدالله مطلع العام 2015، حيث إستلم ولي العهد الأمير (الملك) سلمان بن عبد العزيز الحكم في الرياض، في حين إنتقل الأمير مقرن بن عبد العزيز إلى منصب ولي العهد، وعيّن الملك الجديد محمد بن نايف ولي العهد الثاني في السعودية. بعد فترة وجيزة، عزل الملك سلمان الأمير مقرن من منصبه ليرتقي محمد بن نايف مكانه، ويجلس محمد بن سلمان على كرسي بن نايف، بالتزامن مع تصدّيه لرئاسة الوزراء ومناصب "إستراتيجية" أخرى في السعودية.
لكن الظروف الحاليّة تشير إلى تغيّر الأوضاع في هذا البلد حيث بات محمد بن سلمان الملك الفعلي، اذ يتصدّى لكافّة الأمور الداخلية والخارجية للسعودية في ظل غياب أو مرض أبيه، في حين يقبع بن نايف حالياً على الرف، ولا ينزل عنه إلا برتبة متحدّث أو ما شاكل.
وبعد أن كان ابن نايف الرجل الأقوى في السعودية خلال الفترة الماضية باتت تقتصر أعماله اليوم على تقديم المساعدات الإنسانية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، أو الأمر بإرسال طائرات عسكرية لنقل القتلى والجرحى السعوديين من جنوب السعودية إلى المستشفيات حيث لا يحق لـ بن نايف التدخل في الشؤون العسكرية للحرب باعتبار أن وزير الدفاع محمد بن سلمان هو المتصدي الفعلي لها. ولم يقتصر دور بن نايف على الأعمال آنفة الذكر بل بادر ولي العهد وزير الداخلية بتقديم تهنئة عيد الفطر للمواطنين عبر رسالة هاتف نصية بعث بها عبر بوابة وزارة الداخلية، كما أنه المتحدّث الرئيسي بعد كل تفجير يستهدف السعودية، إضافةً إلى كونه أول المصلين في مسجد قوات الطوارئ في مدينة أبها (جنوب السعودية) بعد حادثة التفجير الأخيرة.
الغريب أن قبل مغادرة الملك سلمان في إجازة خاصّة إلى الخارج أصدر أمراً أناب فيه ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز "في إدارة شؤون الدولة، ورعاية مصالح الشعب خلال فترة غيابنا عن المملكة"، بحسب نص الأمر الملكي، ولكن هل هذا بالفعل ما حصل؟ أم أن الإنابة شكلية كحال ولاية العهد؟
لم يكن حال نائب بن نايف، أي محمد بن سلمان مماثلاً، بل كان ولي ولي العهد برتبة ملك حيث تُظهر جولاته المكوكية على مختلف العواصم العالمية، وإدارته للملفات الحساسة في الرياض سواءً العدوان على اليمن، العلاقة مع مصر، الأزمة السورية، الملف الإقتصادي( يترأس مجلس الشؤون الإقتصادي)، إبرام صفقات السلاح، أنه الملك الفعلي حالياً في الرياض في حين يقبع ابن نايف "على الرف".
نعم، ما يحصل اليوم يؤكد أن ابن نايف بات على الرف، أو "متحدّث" في أحسن الأحوال، فلم يمنع أمر الملك سلمان بإنابة ابن نايف في إدارة شؤون الدولة، من توجّه محمد الإبن إلى مصر للمشاركة في إفتتاح قناة السويس مع العلم أنه لم يمض اسبوع واحد من زيارة ولي ولي العهد السعودي الى القاهرة والتي التقى خلالها السيسي، وسبقتها زيارة الى فرنسا وروسيا، فيما غادر العاصمة الاردنية عمان بعد لقائه الملك الاردني عبدالله الثاني .
لا نود الدخول في الحديث عن خشية ابن نايف من الإغتيال أو أن ابن سلمان ينتظر إنتهاء العدوان على اليمن لعزله، إلا أن ما يتجلّى حالياً في المشهد السعودي هو قفز محمد الإبن على التسلسل الهرمي في القيادة، ومحاولته تحييد الامير محمد بن نايف وعزله عن الاحتكاك بملفات المنطقة والتحالفات فيها، وبذلك يمكننا القول إن التسلسل الهرمي في القيادة السعودية يبدأ من الأسفل حالياً.
لم يظهر ابن نايف للإعلام أي ردّة فعل أو إستياء من وضعه على الرف، تماماً كما حصل مع سلفه الأمير مقرن بن عبد العزيز رغم أن الأول من الأمراء المحبَبين أمريكياً، ما يدفعنا لطرح الأسئلة التالية: هل سيلحق محمد بن نايف بالأمير مقرن بعد قرار ملكي مفاجئ يستبدله بمحمد الإبن ثم يتخلى سلمان في مرحلة لاحقة عن الحكم للإبن فيصبح ملكاً؟ أم أننا سنشهد تكراراً لسيناريو عبدالله- متعب، إذ لم تساعد الظروف الصحية الملك عبدالله على إستصدار قرار يقضي بتنحية الأمير (الملك) سلمان وتعيين إبنه متعب في منصب ولي العهد، وبالتالي يستلم ابن نايف كرسي الحكم فيعيّن من يشتهي ويعزل من يريد؟ لاندري ولكننا نقول "كما تكونوا يولّى عليكم".