الوقت- ذكرت صحيفة الشرق الأوسط للأنباء أن "أيمن الظواهري"، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، ظهر في رسالة فيديو جديدة، ووفقاً للصحيفة فلقد دعا "الظواهري" مقاتلي التنظيم الإرهابي إلى محاربة الأعمال العدوانية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، حيث قال: "رسالتي إلى الشعب الفلسطيني الذي مزقته آلة الحرب الإسرائيلية، وقام الصهاينة بطردهم من المسجد الأقصى، يجب الاستعداد لمواجهة أولئك الصهاينة"، وهنا يتبادر هذا السؤال إلى أذهاننا، ما هو الغرض من هذه التصريحات، وما هي الأهداف الرئيسة لإطلاق تنظيم القاعدة الإرهابي مثل هذا الفيديو في الوقت الحالي؟
1. التوافق غير المباشر مع المصالح الأمريكية والصهيونية ضد إيران
إن هذه التصريحات التي أطلقها زعيم تنظيم القاعدة لن تُثير استياء الصهاينة والسلطات الأمريكية، وإنما سوف تتوافق مع مصالحهم بشكل غير مباشر في منطقة الشرق الأوسط.
لقد أظهر تاريخ هذه الجماعة الإرهابية أنه منذ تشكيلها في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، كانت تعمل لخدمة المصالح الأمريكية، ففي تلك الفترة الزمنية استعانت بهم واشنطن لمقاتلة الجيش الأحمر في أفغانستان الذي كان بمثابة الخصم الأيديولوجي للعالم الرأسمالي، وبعد هجمات 11 سبتمبر قاد تلك الجماعة الإرهابية قادة البيت الأبيض للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتوطيد هيمنتهم على العديد من البلدان العربية.
وخلال الصحوة الإسلامية التي وقعت في المنطقة العربية، كانت تقوم تلك الجماعة الإرهابية بالكثير من الأنشطة من أجل تشتيت الثورات الشعبية والقضاء عليها، بما يتماشى مع مصالح أمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة.
ومع ذلك، خلال الأزمة السورية، لم تتخذ هذه الجماعة الإرهابية أدنى خطوة ضد مصالح وأمن نظام الاحتلال الإسرائيلي، بل إن بعض التقارير الإخبارية كشفت قيام "إسرائيل" بمعالجة بعض العناصر الإرهابية الجريحة في مستشفيات الأراضي المحتلة.
وفي وقتنا الحالي نرى بأن تصريحات الظواهري ضد الكيان الصهيوني جاءت في الوقت الذي نشرت فيه أمريكا فيلماً وثائقياً لإثبات التعاون والتواصل بين إيران وجماعة تنظيم القاعدة الإرهابي، وذلك من أجل تلفيق الاتهامات لطهران بأنها تقوم بتقديم الكثير من الدعم لتلك الجماعات الإرهابية من أجل القيام بعمليات إرهابية في عدد من دول المنطقة، وهذا الأمر بالتأكيد سوف يصبّ في نهاية المطاف في مصلحة واشنطن ومخططتها وأهدافها الإيديولوجية المتعلقة بالقضاء على المقاومة الإسلامية في المنطقة. ولذا فإنه يمكن القول هنا إن حديث زعيم تنظيم القاعدة عن أولوية تهديد الكيان الصهيوني حتى ولو كان في المجال الفكري والاعتقادي ليس له أي قيمة تذكر وذلك لأنه قال في 20 مايو 1996، منتقداً الحركة الإسلامية في مصر: "المعركة مع العدو هي الأقرب إلى الأولوية".
2. التنافس والصراع مع تنظيم داعش الإرهابي
إن إطلاق شريط فيديو جديد لـ"لظواهري" بعد مرور شهر واحد على ظهور زعيم تنظيم داعش الإرهابي "أبو بكر البغدادي" في فيديو مسجل دعا فيه عناصر داعش المنتشرين في أجزاء مختلفة من مناطق العالم الإسلامي إلى الجهاد ضد الأعداء، أثار الكثير من التكهنات بأن زعيم القاعدة يحاول الدخول في منافسة مع البغدادي من أجل الحصول على الكثير من الأموال والمقاتلين الجدد.
إن الصراع بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش اليوم هو نتاج خلافات قديمة لم تكن ظاهرة، لكنها كانت موجودة منذ بيعة "الزرقاوي"، واستمرت مع قائد التنظيم بعد مقتل الزرقاوي "حمزة المهاجر" الذي أصبح أحد مكونات "الدولة الإسلامية في العراق" التي أُعلن قيامها في العراق عام 2006 بزعامة "البغدادي".
وحول هذا السياق، أفادت العديد من المصادر الإخبارية بوجود اختلافات في التصورات والأهداف الاستراتيجية وتحديد الأولويات بين القاعدة وداعش، ففي حين كان "بن لادن" يتحفظ عن إطلاق مسمى الدولة، كان زعماء داعش يفضلون هذا المسمى.
استراتيجياً، قام تنظيم القاعدة منذ نشأته على قتال واستهداف مصالح الغرب، ولا سيما أمريكا وحلفائها في كل مكان، بينما كانت أولوية داعش تقوم على محاربة الشعب العراقي والسوري التوسع في الداخل العراقي والسوري وتصفية كل من يخالفهم.
ويوجه تنظيم القاعدة تهماً كالمبالغة في التكفير لقادة داعش وبعدم الأهلية لتنزيل الأحكام الشرعية موضعها، وبأنه يكفّر مخالفيه من التنظيمات الجهادية، وكأنه هو جماعة المسلمين دون غيرهم، وأنه يستهين بالدماء ويبالغ في قتل كل من خالفه من المسلمين.
وترى القاعدة أن البغدادي قد أعلن الخلافة دون تمكين، وأنه اقتصر على بيعة أصدقائه من تنظيمه في العراق من غير شورى المسلمين مع ما تحمله كتب الفقه من نواقض تنتقص من خلافة البغدادي لعدم توافر الشروط به، وإعلان القاعدة أن كل بيعة للبغدادي حتى من بعض التيارات الجهادية هي باطلة.
وفي سياق متصل اتهمت داعش الظواهري بالكفر العلني لقبوله الديمقراطية عملياً وإقراره الثورات العربية ونهجها السلمي في التغيير، وهو نهج الإخوان الذي استنكره داعش.
إن كل هذا الصراع وتبادل الاتهامات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذين التنظيمين الإرهابيين يتنافسان من أجل كسب الكثير من الموارد المالية واستقطاب المقاتلين الجدد.
3. تحسين صورة تنظيم القاعدة في العالم الإسلامي
والسبب الآخر وراء دعوة زعيم القاعدة لضرورة الدخول في قتال مع الكيان الصهيوني، يأتي بالتأكيد كمحاولة من هذه الجماعة الإرهابية للركوب على موجة السخط في العالم الاسلامي من خطة "ترامب" حول فلسطين والمسماة بـ"صفقة القرن"، وذلك من أجل تحسين صورة هذا التنظيم الإرهابي في العالم الإسلامي، ولقد وجّه زعيم تنظيم القاعدة كلامه إلى الفلسطينيين وذلك من أجل خلق حالة من الاستياء بين أبناء الشعب الفلسطيني جراء التخاذل العربي وتشجيعهم على الانضمام إلى هذا التنظيم الإرهابي.