الوقت- لا تزال الرؤية السعودية غير واضحة من ناحية التعامل مع الملف القطري، لا شك بأن السعودية أخطأت في حصار قطر، خاصةً وأن الأخيرة مضت في مسيرتها الاقتصادية وعلاقاتها السياسية والدبلوماسية دون أن يلاحظ أحد أي فرق على هذه المستويات بل على العكس تماماً ازدهرت قطر أكثر من السابق وها هي تمضي حالياً بقوة نحو استقبال أكبر حدث رياضي في العالم والذي يعطي الدوحة فرصة ذهبية للدخول في مرحلة جديدة من العلاقات الدولية.
هذه الأسباب وغيرها جعلت المسؤولين السعوديين ينقلبون على أنفسهم عدة مرات عند الحديث عن قطر، ورغم محاولات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تلطيف الأجواء مع قطر خلال مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي يوصف بـ" دافوس الصحراء"، إلا أن قطر لم تنجرّ إلى فخ الأمير الشاب، واليوم عادت اللهجة العدائية تجاه قطر بعد مضي عدة شهور على الصمت عن هذا الملف، حيث هاجم وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، دولة قطر من جديد وقال: "إن قطر دولة من مجلس التعاون الخليجي، ولكنها أساءت لدول مجلس التعاون الخليجي.
وتابع الجبير، في مؤتمر صحفي بمقرّ وزارة الخارجية، "لن نسمح لقطر بدعم التطرّف والإرهاب والتدخل في شؤوننا الداخلية".
وأضاف وزير الشؤون الخارجية السعودي، "على قطر أن تدرك أنه ليس بإمكانها مواصلة ذات السياسات التي انتهجتها خلال 20 عاماً".
وحاول الجبير خلق شرخ بين الحكومة القطرية والشعب بعد أن عجزت السعودية عن إعادة العلاقة مع قطر إلى تسعينيات القرن الماضي عندما كان القرار القطري يتخذ في الرياض ومنذ عام 1995 اختلفت لغة قطر الدبلوماسية، واستطاعت أن تتخذ القرارات بصورة مستقلة، ما جعلها تقف إلى جانب البلدان الكبرى في المجالات المختلفة، وهذا بحدّ ذاته يغضب الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية.
يقول الجبير: "نريد الخير للشعب القطري، لا نريد من قطر دعم الإرهاب ونريد منها العيش بجوارنا في سلام".
موضوع دعم الإرهاب أصبح شماعة للوزير الجبير يعود إليه في كل مرة، لكن لماذا يتناسى الجبير الإرهاب الذي تمارسه السعودية بحق الشعب اليمني لا نعلم، هل من حق السعودية أن تجوّع وتقتل شعباً بأكمله حتى دون أي سبب واضح لذلك.
الجبير حذّر قطر من دعم التطرف والإرهاب، ولكن ماذا عن ترؤس الملك سلمان هيئة لاستقبال التبرعات للمقاتلين في أفغانستان وهي تبرعات لشخصيات كانت مصنّفة على أنها إرهابية.
وماذا عن تورّط 15 سعودياً من أصل 19 نفذوا هجوم 11 أيلول/سبتمبر في أمريكا، وماذا عن أن أكثر قيادات "داعش" والقاعدة يحملون الجنسية السعودية بشهادة الشيوخ السعوديين والإعلام السعودي.
إذا كان الجبير يحبّ الشعب القطري لهذه الدرجة لماذا لا تزال بلاده تحاصر هذا الشعب، ولما تضع العراقيل بوجه الحجاج والمعتمرين القطريين، بينما تنفي السعودية تلك الادعاءات وتضعها في خانة الافتراء والتجني.
الدوحة لم تقف عن المطالبة بإزالة جميع الحواجز الموضوعة أمام مواطنيها الراغبين في زيارةِ البقاع المقدسة، وعلى رأس تلك المطالب فتح المنافذ البرية والجوية أمام القطريين المتوجّهين لبيت الله الحرام.
قابل ذلك قيام السعودية بفتح منصة الكترونية خاصة بالحجاج القطريين وهو ما اعتبرته قطر غير كافٍ أو غير مناسب، وهو ما يفسّر عدم جدية الجانب السعودي في استقبال الحجاج والمعتمرين، داعية إلى عدم إقحام الخلاف السياسي في المسائل العبادية.
من حق أي دولة أن يكون لها خاصية لتنظيم أمور حجاجها فلم تستبعد قطر التي ترى أن الإجراء السليم هو إعادة افتتاح بعثتها في الديار المقدسة ليستطيع القطريون ممارسة حجّهم وعمرتهم دون إجراءات مشددة أو غير محببة، ولاسيما أن العديد من الحجاج قد تعرّضوا للمضايقات من السلطات السعودية.
ماذا عن كأس العالم؟
من أحد الأمور التي تؤرّق الجانب السعودي هو استضافة قطر لكأس العالم في العام 2022، حيث تسعى السعودية حالياً لمشاركة قطر في هذه الاستضافة عن طريق صديق السعودية رئيس الفيفا جياني إنفانتينو الذي قد يضغط على قطر ويساهم في منح السعودية شرف استضافة بعض مباريات كأس العالم.
وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية، إن العامل المُتغيِّر لموازين اللعبة - والشيء الذي يجعل طموح السعوديين أمراً معقولاً- هو أنَّ صديقهم، رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، يرغب في توسيع كأس العالم المقبل ليضم 48 فريقاً بدلاً من 32، وقالت دراسة الجدوى التي أعدَّها الفيفا إنَّ هذا سيتطلَّب على الأقل ملعبين إضافيين في بلدٍ آخر.
العرض المقدّم لقطر من الجانب السعودي يتمثّل في موافقة السعوديين على رفع الحصار (الذي لم يضرّ بقطر كثيراً على أي حال)، وفي المقابل يشاركون هم (وربما جيران آخرون كذلك) في تنظيم كأس العالم.
ويمكن أن يفتخر إنفانتينو آنذاك بنفسه باعتباره صانعاً للسلام في الخليج، ويحلم بالحصول على جائزة نوبل للسلام، وقد يُصوِّر كأس العالم باعتبارها خطته الماكرة لجعل السعودية دولة متحرّرة من خلال كرة القدم.
قطر لا تريد مشاركة السعودية في كأس العالم وتحضيراتها لاستقبال هذا الحدث الرياضي المهم تجري على قدم وساق، وقبل أيام قليلة افتتح أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني استاد الجنوب المونديالي الذي يُعدّ أول ملاعب مونديال قطر التي يتم تشييدها بالكامل، وثاني الملاعب المونديالية الجاهزة بعد استاد خليفة الدولي.
لا نستبعد أن تنسحب قطر من مجلس التعاون الخليجي الذي فقد قيمته بالنسبة لها، بعد أن حاصرت دوله دولة شريكة فيه، وما يؤكد موقف الدوحة هذا هو رغبتها بالانسحاب من منظمة أوبك.