الوقت- زار مايك بامبيو، وزير الخارجية الأمريكي، روسيا يوم أمس للقاء المسؤولين الروسيين في مدينة سوتشي الروسية، وهي تعدّ أول زيارة لوزير الخارجية الأمريكي لروسيا ما دفع بالقارئ العالمي لطرح أسئلة حول الدوافع والأهداف الحقيقة من هذه الزيارة والنتائج المحتملة عنها.
أهمية سفر بومبيو إلى موسكو
في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الروسية الأمريكية توترات كبيرة على جميع الأصعدة، ما دفع بالبعض لوصفها بأنها اتسمت بالبرودة أكثر مما كانت عليه بعد الحرب الباردة.
وباستثناء قمة هلسنكي، لم يجلس الروس والأمريكيون على طاولة واحدة وعلى مستوى رفيع وذلك بسبب الاتهامات الأمريكية لروسيا بالتدخل بالانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، وحتى قبل إعلان نتائج تحقيقات مولر حول تلاعب روسيا بالانتخابات اتسمت خطابات البيت الأبيض بالإبهام فيما يخص العلاقات الروسية الأمريكية، ففي بعض الأحيان كان ترامب يقوم بمدح بوتين وفي بعض الآخر كان يشنّ هجوماً على روسيا ويقوم بالانسحاب من معاهدات كانت أبرمت معها، ما دفعنا للتساؤل حول كون هذه التصريحات حقيقية أم للاستهلاك الداخلي فقط؟ ومع تبرئة ترامب عبر تحقيق مولر، فإن زيارة بومبيو لموسكو سوف توضّح السياسات الحقيقية لحكومة ترامب فيما يتعلق بموسكو.
أهم جوانب سفر بومبيو إلى موسكو
فيما يخصّ أهداف سفر بومبيو إلى روسيا، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أنها تأتي في وقت تعيش فيه أمريكا ضعفاً حقيقياً وتسعى عبر روسيا إلى استعادة ما خسرته في الآونة الأخيرة.
وبحسب المعطيات سيقوم بومبيو ببحث العديد من القضايا ومن بينها محادثات نزع السلاح النووي الكوري الشمالي والذي يعدّ واحداً من أبرز القضايا التي تهتم بها أمريكا.
وبسبب قرب الزعيم الكوري كيم جونغ إون من موسكو، الذي سعى طوال الفترة الماضية إلى إقامة علاقات وثيقة مع روسيا، تجلّى ذلك في الزيارة التي قام بها الزعيم الكوري إلى روسيا والتي التقى خلالها بوتين في وقت سابق من هذا الشهر.
وأعرب الزعيم الكوري في هذه الزيارة عن شكوكه حول النية الحقيقية لأمريكا في التوصل إلى اتفاق، هذه الزيارة حملت رسالة واضحة للأمريكيين بأن روسيا قد أصبحت واحدة من أهم الركائز في محادثات نزع السلاح في شبه الجزيرة.
كما أنه وبعد هذه الرحلة، وجّهت كوريا الشمالية رسالة أخرى للأمريكيين عبر اختبار ثلاثة صواريخ قصيرة المدى، عرف بعض هذه الصواريخ بأنها صواريخ روسية، ومن هنا يسعى بومبيو من خلال زيارته إلى روسيا لتحقيق أي نجاح على الساحة الكورية عبر البوابة الروسية.
ومن المواضيع الأخرى التي سيطرحها بومبيو خلال لقاءاته مع المسؤولين الروسيين، هو موضوع فنزويلا والرئيس مادورو، فقبل هذه الزيارة قام ترامب بالاتصال ببوتين لبحث الوضع في فنزويلا والبحث عن سبيل لحل الأزمة هناك، إلا أنّ حواره هذه المرة اتسم بالتروي حسب مصادر روسية، وهو ما يعكس تبدل الرأي الأمريكي حول ما يحدث في فنزويلا، ولكن بشكل عام وبالنظر إلى الصراع بين مصالح البلدين في هذا الشأن، يبدو أنه لا توجد إمكانية للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين.
ومن القضايا الأخرى التي من المتوقع أن تناقش أيضاً هي قضية إيران، والتي سيتم تناولها من عدة جوانب أبرزها حضورها في سوريا، الاتفاق النووي، صفقة القرن وعقوبات النفط.
أما بالنسبة لوجود إيران في سوريا، فإن أمريكا تريد موافقة موسكو لسحب قوات إيران من هناك وذلك من أجل تعزيز أمن العدو الإسرائيلي.
لقد رفضت روسيا وسوريا هذه القضية مراراً وتكراراً، وأكد مسؤولو الكرملين شرعية الوجود الإيراني في سوريا، حيث إن موسكو ودمشق كلاهما يعترف بالدور المهم لطهران في تحقيق الاستقرار في سوريا.
وفي موضوع العقوبات الأمريكية النفطية على طهران، أيضاً هناك خلافات كبيرة بين الطرفين حيث ترى روسيا إيران كحليف استراتيجي لها في المستقبل ضد الكتلة الغربية، كما أنها تريد تقوية جبهة الدول المناهضة للعقوبات الأحادية من قبل أمريكا، وتعدّ إيران واحدة من أبرز الدول التي ترفض ذلك.
أما في القضية النووية، فقد قالت روسيا صراحة أن انسحاب أمريكا من تعهداتها وعدم التزامها بالاتفاق النووي دفع بالأوضاع إلى التوتر ودعتها أكثر من مرة إلى العودة للاتفاق النووي.
ومن المحتمل أيضاً أن يتم التباحث في هذه الزيارة حول كيفية الحدّ من التسلّح في العالم.
ومن هنا يرى الروس أنه يجب على أمريكا إعادة إمضاء معاهدة "ستارت الجديدة" وذلك تحت عنوان "ستارت 3" والتي وقّع عليها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلا أن الأمريكيين يفرضون شروطاً لإمضاء هذه المعاهدة من بينها وقف روسيا تصنيع الصواريخ العابرة للقارات والصواريخ التي بإمكانها حمل رؤوس نووية وهو الأمر الذي من الصعب أن يتحقق لأنه من وجهة نظر موسكو، إن عدد الرؤوس الحربية والمنشآت النووية التي يتم الاتفاق عليها في START 3، هي متوازنة بين الطرفين، لذلك ليس من المنطقي تقديم تنازلات في هذا الصدد.
في القضية الأفغانية ومحادثات السلام مع طالبان، يأمل بومبيو أن تلعب روسيا دوراً مهماً لإقناع طالبان بالسلام والتفاوض مع الحكومة المركزية، وبالرغم من المصالح المشتركة للطرفين في هذه القضية، إلا أن أمريكا عملت في الآونة الأخيرة على تعزيز وجودها في أفغانستان، إضافة إلى ضلوعها في نقل عناصر من داعش إلى أماكن في أفغانستان وهو ما سيضرّ بالمصالح الروسية في منطقة القوقاز.
من المؤكد أن القضية الأوكرانية وتوسيع وجود الناتو في الشرق سيكونان جزءاً آخر من المحادثات بين واشنطن ومسؤولي موسكو، فالروس متخوفون من توسع الناتو نحو الشرق حيث تعدّ أوكرانيا الحدّ الفاصل بين الناتو وروسيا لذلك فإنها لن تسمح لأحد بتهديد أمنها القومي عبر أوكرانيا بالرغم من إشارة ترامب في إحدى خطاباته من أن الأوكرانيين يتحدثون الروسية ولهذا السبب التحقوا بروسيا، الا أن حلفاء واشنطن الأوروبيين والمعادين لروسيا لن يسمحوا لترامب بتقديم تنازلات في هذه القضية أيضاً.