الوقت- تتوالى المفاوضات الكورية الأمريكية فصولاً، فبعد أيام على وصف وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، بـ"الطاغية"، نقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية عن المسؤول الكبير في وزارة الخارجية كون جونغ غون، قوله: "أنّ بيونغ يانغ لم تعد راغبة في مشاركة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في المحادثات النووية"، وطالبت بشخصٍ يكون "أكثر حرصاً ونضجاً في التواصل".
لم يتوقّف التصعيد الكوري عند هذا الحد، وفي حين قال الدبلوماسي الكوري: "أخشى أنّه إذا شارك بومبيو في المحادثات، فإنّها ستتعثر مجدداً، بالتالي، في حال استئناف محتمل للحوار مع أمريكا، آمل ألّا يكون بومبيو نظيرنا فيه"، قالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية: "إنّ زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أشرف على تجربة نوع جديد من الأسلحة الموجهة التكتيكية، في حدثٍ وصفه الأخير بأنّه "بالغ الأهمية".
في المقابل، أظهرت الخارجيّة الأمريكية تراجعاً أمام التصعيد الكوري الذي يعدّ إهانةً واضحة للوزير بومبيو إذ أعلنت الوزارة أنها لا تزال مستعدة للتفاوض مع كوريا الشمالية بعد مطالبتها باستبعاد وزير الخارجية مايك بومبيو، عن المحادثات النووية في المستقبل.
لا شكّ أن الاعتراض الكوري على بومبيو لا يرتبط بأسباب شخصيّة مع الرجل الذي زار كوريا الشمالية أربع مرات العام الماضي، بل بالعقلية التي يتعاطى فيها المسؤول الأمريكي مع المفاوضات، ويعدّ هذا الإجراء إلى جانب التجربة الأخيرة رسالة واضحة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التهديدات المحيطة بالمفاوضات بين الجانبين، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: إن الموقف الكوري يؤكد أفول المفاوضات وخسارة الرهان على هذا الملف من قبل ترامب.
الزعيم كيم يدرك أهمية هذا الأمر بالنسبة للرئيس ترامب الطامح بالحصول على جائزة نوبل للسلام، لذلك عمد إلى رمي الكرة في الملعب الأمريكي.
ترامب يريد الحصول على انتصار في هذا الملف لاستخدامه في الانتخابات القادمة، ولكن الجانب الكوري وضع المشكلة عند بومبيو، فهل سيعمد ترامب إلى التخلي عن خدمات بومبيو في هذا الملف؟ هل سنكون أمام سيناريو مشابه لما حصل مع تيلرسون؟
ثانياً: وفي حال أراد ترامب التمسّك بوزير الخارجيّة الأمريكي القادم من الاستخبارات فهذا يعني توقّف المفاوضات، وبالتالي فإن القمم التي عقدها ترامب مع كيم باتت في مهبّ الريح، والمديح الذي كاله الرئيس الأمريكي للزعيم الكوري لم يجدِ نفعاً.
منذ قمّة هانوي في شباط، القمة الثانية بين الزعيم كيم والرئيس ترامب تقول كوريا الشمالية إنّها تدرس خيارات لدبلوماسيتها مع أمريكا، وهذا ما أكّد عليه كيم الأسبوع الماضي، عندما قال إنّه منفتح على محادثات مع ترامب، في حال جاءت واشنطن إلى طاولة المفاوضات "بموقف سليم"، وبالتالي سيكون خيار بيونغ يانغ إنهاء المفاوضات والعودة إلى التجارب النووية مجدّداً، وهنا نسأل: ماذا سيفعل ترامب بجائزة نوبل التي طالب بالحصول عليها؟ ماذا عن الآمال التي قدّمها للأمريكيين في هذا الملف؟
ثالثاً: ليست المرّة الأولى التي توجّه فيها كوريا انتقادها لبومبيو، فقد شجبت في الصيف الماضي "أساليب العصابات" التي يلجأ إليها بومبيو، مفضّلة بأن يكون التعاطي مباشرة مع ترامب الذي يصف كيم بأنه "صديقه".
في الحقيقة، لم يظهر الجانب الأمريكي واقعيةً في المفاوضات مع الجانب الكوري، والتي في الحقيقة لا تصحّ تسميتها بالمفاوضات كون بومبيو، ومن خلفه ترامب، يريدان استسلام الجانب الكوري دون أي مقابل أو تقديم هدايا لا ترقى لحجم التنازل الكوري.
هذا ما يفعله ترامب أيضاً في بقيّة الملفات، كالقضيّة الفلسطينية وما يسمى بصفقة القرن، الأمر الذي يؤكد حتميّة الفشل، إن التطورات الجديدة تؤكد زيف الادعاءات الأمريكية التي تحدّث بعد القمة بين ترامب وكيم عن ثمار وآفاق جديدة.
رابعاً: يأتي التطوّر الجديد الذي يعدّ أحدث مؤشر على عودة التوتر إلى العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ قبل أيّام من القمّة المرتقبة بين كيم وبوتين بعد إعلان الكرملين التحضير لقمة غير مسبوقة بين الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الروسي نهاية نيسان.
القمّة المرتقبة تؤكد رغبة موسكو بدور أكبر في هذا الملف الساخن، الأمر الذي سيؤثر على سير المفاوضات بما يخدم الجانب الكوري.
لا شكّ أنه ليس باستطاعة أحد التنبؤ بما سيحل في شبه الجزيرة الكورية، وهو الأمر الذي يرتبط إلى حدّ ما بمزاج زعيمي البلدين. وفي حين يريد الطرف الأمريكي تنازلاً كورياً دون أيّ مقابل، يسعى الجانب الكوري للمناورة والحدّ من العقوبات دون التنازل "نووياً"، ولكن ما يبدو جلياً أن الملف الكوري بات أكثر تعقيداً، ولا نتائج إيجابية في المدى المنظور، وأما بالنسبة لبومبيو فقد بدأت أوراقه الدبلوماسيّة بالاحتراق، فمن هو البديل الأنسب بالنسبة لترامب؟