الوقت- لا تسير الأوضاع في السودان على النحو الذي يرغب به الشعب السوداني وجموع المحتشدين أمام مقرّ القيادة العامة العسكرية، هذا الشعب الذي وصل ليله بنهاره بالتظاهر للحصول على أدنى حقوقه منذ ما يقارب الأربعة أشهر، لايزال يسعى لتحقيق أهدافه وتغيير وجه بلاده نحو الأفضل، إلا أن الخوف بدأ يخيم على البلاد بعد أن بدأ المجلس العسكري يخطو خطوات جديدة تشابه تلك التي اعتادت عليها البلاد إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير.
الشعب يخشى من سرقة أحلامه
لا يزال آلاف المتظاهرين يتوافدون إلى محيط مقر القيادة العامة العسكرية، مؤكدين أن خلع الجيش للرئيس البشير ووعود المجلس العسكري بتشكيل حكومة مدنية من دون تحديد أي جدول زمني لذلك، غير كاف.
بعد جهد طويل قام به الشعب السوداني للوصول إلى أدنى متطلباته بالعيش الكريم، بدأ يجد أن المجلس العسكري الانتقالي بدأ يتخذ قرارات مصيرية ستؤثر على مستقبل البلاد إلى عقود طويلة، وسبب هذا الأمر المباشر أن هذا المجلس العسكري بيده القرارات السيادية والتنفيذية الخاصة بمستقبل البلاد، وقد يكلّف أي قرار يخالف تطلعات الشعب السوداني الكثير ويجعل الأمور تتفاقم وتسير على نحو لا يحمد عقباه، ومن بين هذه القرارات التي أشعلت الشارع السوداني من جديد، إعلان المجلس العسكري موقفه من مشاركة القوات السودانية في الحرب على اليمن، مؤكداً إبقاء هذه القوات ضمن تحالف السعودية حتى تحقيق أهدافه.
هذا الكلام جاء على لسان الفريق أول محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس، والذي قال: "إننا متمسكون بالتزاماتنا تجاه التحالف، وستبقى قواتنا حتى يحقق التحالف أهدافه"، بحسب ما أفادت به وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا).
هذا الخبر قد يبدو صاعقاً للشارع السوداني الذي يذهب أبناؤه للمشاركة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وتكلف اقتصادهم ملايين الدولارات ويموت العشرات من شبابهم مقابل ماذا؟.
صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقول إن القوات السودانية التي تشارك في حرب اليمن، تتولى مهمة حراسة القواعد الإماراتية جنوب اليمن، كما يتخذها التحالف وقوداً لمدافعه في معركة الساحل الغربي.
لكن إذا بحثنا عن خلفية عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري السوداني، سنجد أن البرهان لديه علاقات متينة مع الإمارات وأبناء الشيخ زايد، وكذلك الأمر مع السعودية، خاصة وأن البرهان كان يشرف بصفته قائداً للقوات البرية السودانية على قوات بلاده المشاركة في الحرب التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية في اليمن، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع كبار المسؤولين العسكريين الخليجيين.
وبعد تعيين البرهان قائداً للمجلس العسكري سارعت الإمارات، العضو الرئيس في التحالف إلى الترحيب بتعيين البرهان، وقالت إنها ستبحث التعجيل بالمساعدات للسودان، وبعد قليل من تعيين البرهان، قالت السعودية إنها ستزود السودان بقمح ووقود وأدوية.
البرهان يرى أن السعودية هي من ستؤمن له البقاء في السلطة في المرحلة المقبلة، وتثبيته في الحكم سيكون عن طريقها على اعتبار أن لها نفوذاً كبيراً عبر المال والاستثمار في السودان لكن القاعدة الشعبية في الأخيرة لديها نفور كبير من السعودية بعد أن زجّت بشباب البلاد في أتون حرب اليمن واستخدمتهم كوقود لهذه الحرب.
اليوم هناك خشية كبيرة من أن تتدخل السعودية والإمارات في الشؤون الداخلية للبلاد وحرف مطالب الجماهير عن مسارها، وبهذا يكون السودان عاد إلى حقبة عمر البشير الذي استخدمته السعودية كورقة وقامت بتدمير علاقات السودان مع الدول التي كانت تربطها بها روابط ثقافية واقتصادية ودبلوماسية، وفي النهاية وجدت أن البشير لم يعد ينفعها بشيء ورأينا كيف صمتت هي والإمارات عندما تم خلعه من منصبه.
البرهان يمضي حالياً على خطا ما تبحث عنه السعودية وما تريده من النظام الحاكم الجديد، وقد نفذ لها ما تريد وليس ما يريده الشعب، الذي يقول بأعلى صوته أنه لن يسمح لحكم عسكري جديد بالاستمرارية ليعيد التجارب العسكرية السابقة.
وكالة السودان الرسمية للأنباء قالت: إن رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني التقى الثلاثاء بمكتبه بالقيادة العامة في الخرطوم، وفداً سعودياً إماراتياً مشتركاً رفيع المستوى، كما وصل مستشار الخارجية السعودية للشؤون الإفريقية طه الحسين -المدير السابق لمكتب الرئيس المخلوع عمر البشير- الخرطوم، اليوم الثلاثاء، ما أثار جدلاً كثيفاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان البشير قد أقال الحسين في حزيران 2017، على خلفية تقارير تحدثت عن اتهامه بالتخابر لمصلحة الرياض وأبو ظبي، وبعدها عيّن مستشاراً للخارجية السعودية.
السعودية ستدافع عن البرهان قدر المستطاع وستقدم له كل أوجه الدعم طالما أن هذا الرجل ينفذ سياستها وما تريده على وجه الدقة، ومن المرجّح أن يقوم الجيش بتفريق المحتجين مجدداً بالقوة، ليطبق السيطرة على زمام الأمور في البلاد، وهنا يبقى الأمر بيد الشعب الذي سيقرر مصير بلاده وما إذا كان سيرضى بتدخل السعودية والإمارات أو في بقاء العسكر في الحكم، كل هذه الملفات وغيرها ستكون حاسمة في مصير السودان في الأيام المقبلة.