الوقت- مرّة جديدة تعود نظرية الأمن القومي التي يروّج لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الواجهة.
النظرية التي عكف نتنياهو على صياغتها تحت عنوان "المفهوم الأمني 2030"، تعدّ المحاولة الثانيّة التي يعمل فيها الكيان الإسرائيلي على تقديم "المفهوم الأمني القومي" للدولة، باعتبار أن مؤسس الدولة، وأول رئيس وزراء دافيد بن غوريون، هو أوّل من صاغ هذه النظرية.
طرح نتنياهو خطة "مفهوم الأمن 2030" (تفيسات هابيطاحون 2030) لأول مرّة في 15 أغسطس/ آب 2018، لتغيب هذه الرؤية عن الواجهة لغايات انتخابية، لاسيّما أنها تزعج الاقتصاديين والشارع بسبب تعزيز ميزانيّة الجيش على حساب المستوطنين.
اليوم، وبعد فوز نتنياهو في الانتخابات، عادت الخطّة إلى الواجهة من جديد، ومن المتوقع أن يطرحها على مجلس الوزراء السياسي الأمني فور تشكيل حكومته الجديدة.
نظرية الأمن
ترتبط نظرية الأمن الإسرائيلي، بالأساليب التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي لضمان أمنه، تذكر الصحف الإسرائيلية جملة من المعلومات حول خطة "مفهوم الأمن 2030" في ظل غياب أي نص رسمي، نذكر منها:
أوّلاً: تمثل تغييراً جذرياً في المفهوم الأمني لـ"إسرائيل"، وتعتبر انعكاساً كاملاً للسياسة الدولية، وخاصة الأمريكية تجاه تل أبيب.
ثانياً: تحتوي تصوراً واضحاً لبناء القوة، حيث يعتزم نتنياهو استثمار أموال إضافية في الإنترنت، وتحويل "إسرائيل" إلى "قوة عظمى" في المنطقة.
ثالثاً: تمثل تغييراً جذرياً في السياسة إزاء الفلسطينيين، إذ يتجاهل فيها نتنياهو مفهوم حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام.
رابعاً: تشمل مجالات الاستثمار الإضافية بالوثيقة، الاستثمار في أنظمة اعتراض الصواريخ المتعددة الطبقات، واقتناء عدد كبير من صواريخ الاعتراض، وحماية الجبهة الداخلية من الهجمات الصاروخية أو الزلازل، وذخيرة القوات الجوية المتطورة، والصواريخ على نطاق واسع.
المفهوم الأمني 2030
رغم أن البعض ينظر إلى "المفهوم الأمني 2030" الذي قدّمه نتنياهو على أنّه تحوّل نوعي، إلا أنه في الحقيقة لا يبدو كذلك، بل يبدو بمثابة خطوة سياسيّة أكثر منها أمنية، ولعل نتنياهو يرى نفسه رئيساً للوزراء على الأقل حتى ذلك الوقت، وهنا تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: وبخلاف نظرية بن غوروين، لا تزال معظم تفاصيل خطّة نتنياهو التي كتبها بالتشاور مع كبار مسؤولي الدفاع والأمن الحاليين والسابقين غير معلنة، وتخضع للمناقشة السرية في الكنيست بين لجنتي الأمن والخارجيّة، وكذلك الأمر بين اللجنة المشتركة للموساد والشاباك، لكن هناك جملة من الإشارات أوضحت معالم هذه الرؤية.
يبدو واضحاً أن مفهوم نتنياهو يصبّ في الإطار ذاته لقانون القومية الإسرائيلي، وهو القانون الذي اعتبره نتنياهو " لحظة فارقة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة (إسرائيل) يكرّس لغتنا ونشيدنا وعلمنا".
وبالتالي، ستعزّز الرؤية من ظاهرة الأبرتهايد التي ظهرت في قانون القوميّة، سواءً لناحية التفوّق العرقي لليهود، أو قوننة التمييز ضد العرب.
سيكون الفلسطينيون على موعد مع عنصرية جديد تستهدف وجودهم التاريخي وحقّهم في الأرض والدولة والعودة.
ثانياً: لا يمكن إلغاء البعد الشخصي عن رؤية نتنياهو الجديدة وهو الذي يريد تقديم نفسه كزعيم تاريخي على غرار "بن غوريون" ، لاسيّما أنه على مسافة قريبة من انتزاع لقب صاحب أطول فترة في منصب رئيس الوزراء الذي كان من نصيب بن غوريون نفسه.
يعلّق خبراء على نظرية نتنياهو الجديدة بالقول: إن هدف نتنياهو ليس تعزيز أمن "إسرائيل"، بقدر ما هو سعي منه لتقديم نفسه حامي حمى "إسرائيل" وراعياً لأمنها.
يعلّق أحد منافسي نتنياهو بالقول: "على هذا النحو ربما ينوي البقاء هنا حتى عام 2030 على الأقل، وليس هناك من يعرف ما إذا كان هذا يدعو إلى الضحك أم يستدعي بكاء الإسرائيليين والعرب أجمعين".
ثالثاً: رغم ارتياح نتنياهو السياسي بعد الانتخابات، إلا أن العوائق الاقتصاديّة قد تعرقل "مفهوم الأمن2030".
إن الاستثمار الإسرائيلي بالأمن (نسبة إلى الناتج) أعلى من كل الدول الغربيّة قبل نظرية نتنياهو، الأمر الذي سيعزّز هذا الفارق في ظل وجود عجز في الميزانيّة الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية في نوفمبر الماضي عن وجود عجز بقيمة 9 مليارات شيقل (2.4 مليار دولار) في ميزانية الدولة، أي ما يقارب 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى معدل منذ سنوات، ونحو 1% أكثر من العجز التراكمي 2.5% في سبتمبر.
وبالتالي، إن هذه الخطّة ستزيد من نسبة العجز الاقتصادي لدى الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي قد يعرقل تنفيذها على أرض الواقع.
رابعاً: ينتقد بعض الخبراء نتنياهو نظراً لعدم امتلاكه خطّة متكاملة، بل يعمد إلى تخويف الجمهور الإسرائيلي من المخاطر عبر نظرية المؤامرة لتمرير هذه الخطّة التي تحمل مكاسب سياسيّة، وتجعل الإسرائيليين في خدمة الجيش، رغم أنّه من المفترض أن يكون الجيش في خدمة الشعب وليس العكس. يُوصف الجيش الإسرائيلي بـ"الجيش الذي له دولة"، بمعنى أن الدولة ومواردها مُسخرة لموافاة احتياجات جيش الاحتلال، كما يلعب الجيش بشكل كبير على وتر التحدّيات بغية الحصول على ميزانيّة أكبر.
خامساً: هناك بعض المستجدّات التي يعوّل عليها نتنياهو اليوم والتي ترتبط بصفقة القرن والعلاقة مع الأنظمة العربيّة، وبالتالي يرى أن نظرية بن غوروين عاجزة عن التعامل مع المستجدات، وبالتالي لا بدّ من نظرية أمن جديدة تلحظ الواقع الإسرائيلي الجديد.