الوقت- ظهر إلى العلن مؤخرا وبشكل واضح الحديث عن خلاف قوي بين امراء العائلة الحاكمة في السعودية، هذا الخلاف والذي يعود إلى ما قبل سلمان ومنذ الأيام التي كان فيها عبدالله بن عبد العزيز متربعا على السلطة والتى رشح بعض اخبارها إلى العلن قبل موته لتأتي التعديلات التي أقدم عليها سلمان بن عبد العزيز بعد موت أخيه عاملا ليخرجها إلى العلن بشكلها الواضح والكامل، فقد شملت أبرز التعديلات إعفاء مقرن بن عبد العزيز كولي عهد لسلمان وتعيين محمد بن نايف بدلا عنه وابنه محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، إضافة إلى ذلك فقد نصب ابنه وزيراً للدفاع أيضا وسلّمه إدارة شركة آرامكو والتي تعد أكبر شركة طاقة في العالم إذ تنتج أكثر من 10 ملايين برميل نفط يوميا.
بوادر الخلاف هذا والذي سنتحدث عنه في هذا المقال يعود إلى تركيبة الحكم في السعودية والمبني على أسس ديكتاتورية مضافا إلى ذلك العوامل الخارجية التي قد تعصف بالسعودية كيفما عصفت رياح المصالح. البعض يتسائل، هل ستكون لهذه العوامل أثرها على زعزعة الحكم العائلي السعودي؟ والبعض الاخر يتسائل إذاما كان زمان الحرب بين أولياء العهد في السعودية قد بدأ؟ وآخرون يتسائلون متى ستبدأ الحرب بين أولياء العهد في السعودية؟
الخلاف بين السديريين وأبناء عبدالله بن عبد العزيز...مآل الأمور
على كل حال فالأسئلة اليوم وإن تعددت فإنها تصب في خانة واحدة، فالأمراء من أحفاد عبدالله بن عبد العزيز الذين يطمحون بالسيطرة على دفة الحكم كثيريون، إلا أن متعب بن عبد الله بن عبد العزيز ومحمد بن نايف بن عبد العزيز هما اكثرهم نفوذا وقوة داخل الاسرة الحاكمة، فالإثنان يمثلان جناحي الصراع اليوم جناح السديريين وجناح الملك عبد الله، فيما الإثنان اصحاب علاقات قوية مع واشنطن، فنايف متعاون ومنذ 15 عاما مع أمريكا في ملف التكفيريين ودعمهم اما متعب فأهم وزارة وهي وزارة الحرس الوطني بيده وله علاقات واسعة في القوات المسلحة السعودية وهو من خلال نفوذه والقوة التي يشكلها مع رئيس الديوان الملكي خالد التويجري دفع بالقول انه الكفة المرجح لدى امريكا لتوثيق علاقتها به، إلا أن محمد بن نايف يحظى داخليا بشعبية كبيرة بين أبناء السعودية.
وعودة إلى ما قبل استلام سلمان السلطة، فقد انتهج عبدالله بن عبد العزيز سياسة تقليص نفوذ السديريين وأبنائهم من خلال تعيين غير السديريين في المناصب الحساسة في الدفاع والحرس الوطني والإستخبارات لتكون القفزة الكبرى في ظهور شيء من الخلافات إلى العلن من خلال تعيين ابنه متعب رئيسا للحرس الوطني، وجعله وزارة بعد أن كان بيد ولي العهد فيما مضى، متعب يوصف على أنه منخرط أكثر في الشؤون العسكرية لا السياسية ولذلك لا يتمتع بشعبية بسبب القفزات الواسعة في مسيرته بفضل والده، إلا أن علاقته ومحمد التويجري قد سدت تلك الثغرات خلال الأعوام الأخيرة الماضية، إلا أن محمد بن نايف وبالإضافة إلى علاقاته مع واشنطن يحظى بأفضلية داخلية وفي اوساط القطاع الامني والحكومي يعد الاقوى بين الجناح السديري.
ما قام به سلمان بن عبد العزيز هو المسلك المعاكس لخلفه عبدالله بن عبد العزيز، فهو عزز مواقع السديريين في الحكم وأبعد ابناء اخيه عبدالله، ونصب ابنه وليا لولي العهد ووزيرا للدفاع في سعي لابرازه بخطوات متسارعة في الحكم كتلك التي قام بها عبدالله بالنسبة لمتعب، وبذلك يكون قد نصب ابنه بوجود رؤوس كبيرة رسخت قدمها في الحكم، فمتعب ومشعل وتركي ابناء عبدالله وخالد التويجري وخالد بن بندر وبندر بن سلطان يمثلون العصبة المناوئة للحكم، وهم قبل رحيل سلمان الذي يعاني من المرض ولم يثبّت قدم ابنه بعد، بدأوا بتحريك اجندتهم، وحتى أنهم اعلنوا مواقفهم بصراحة من المبايعة لسلمان وذهب البعض بهم لاعتبار ان لا طاعة لسلمان باعتباره خالف المتفق، والتصريحات والتغريدات والبوستات على وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام من قبل ما يسمى امراء العائلة الحاكمة تتحدث عن عمق الخلاف، هذا وقد ذهب البعض إلى اعتبار تخطي أحمد بن عبد العزيز ايضا وهو صاحب الشعبية الكبيرة والإحترام داخل العائلة الحاكمة خروجا عن المألوف.
سلمان بن عبد العزيز تمكن من تثبيت حكمه انطلاقا من موقعه بالرغم من المتربصين، إلا أن الرؤوس الكبيرة داخل العائلة والتي على ما يبدو تعمل وتحضر لسناريو قد يكون متوقعا لدى البعض ليذهب بهم القول إلى أن ما تشهده العائلة الحاكمة وبوجود تورط وفشل في الملف اليمني قد يسهل حدوث إنشقاق وإنقلاب أيضا، إلى السناريو الاخر الذي قد يفرض نفسه بموت سلمان قبل تثبيت ابنه، فمن غير المؤكد ان يعيّن نايف ابن سلمان خلفا له إلا إذا مات نايف قبل ان يطيح بإبن سلمان، فهل سيتمكن ابن سلمان من مواجهة التحديات؟؟
الديمقراطية والبطالة والشعور بعدم الرضا مؤشرات حقيقية
يقول الرئيس الامريكي الحالي اوباما في رد على القلق السعودي وبعض الدول الخليجية من الملف النووي الإيراني، ان اكبر التهديدات التي تواجهونها لا تأتي من ايران وإنما من مشاعر عدم الرضا الشعبي في بلدانكم، وإن كانت الادارة الامريكية تعد الداعم الأول والأساس للنظام العائلي الحاكم في السعودية، فإنها لم تستطع فعل شيء لحكومات سبقت ولقيت منها دعما كحسني مبارك وبن علي التونسي والقذافي وغيرهم كثر، عبارات اوباما تعكس في حقيقة الامر واقعا صحيحا تعاني منه السعودية، سياسة آل سعود والتي ارتكزت على مدى الأعوام الماضية بدفع المال إلى رؤساء العشائر لإرضائهم قد لا تجد طريقها في السنوات القادمة بسبب الرغبة الشعبية السعودية وخاصة الشبابية للمشاركة في صنع القرار كما يحدث في بلدان الجوار، والطلبة الموفدون من قبل آل سعود إلى دول اجنبية لإكمال تحصيلهم قد لا يرضون في المستقبل بواقعهم الحالي.
قد تُعتمد سياسة اصلاحية في السنوات القليلة القادمة من قبل العائلة الحاكمة لإمتصاص الوضع الموجود، فنسبة البطالة بين الشباب تشهد ارتفاعا واضحا، إلى الهدر المالي والذي سبب في السنوات الاخيرة عجزا في السعودية، فالرسالة الغاضبة والنادرة التي بعث بها الوليد بن طلال مؤخرا إلى وزير المالية منتقدا السياسات المالية التي تسببت بعجز في البلد لا يمكن التغاضي عنها. لكن البعض يذهب بالقول إلى اعتبار أن أي اصلاحات قد تشهدها السعودية لا يمكن أن تؤدي إلى أي نتيجة ملموسة، فالنظام وبسبب تركيبته العائلية الإستئثارية في الحكم غير قابلة للإصلاح.
العلاقة بأمريكا والفكر التكفيري...المؤشران الأهم
كما اغلب الأنظمة العربية التي سقطت في الآونة الأخيرة وبالرغم من فساد منشأها واسسها، وعلى الرغم من مؤشر شعور عدم الرضا الشعبي بسبب الأوضاع الإقتصادية التي كانت مرافقة لكل سنوات الحكم لهذه الأنظمة، وعلى الرغم من وجود صراع على السلطة ومعارضين لها، إلا أنها كانت متماسكة ومسيطرة على مقاليد الحكم، ولم تشهد أي تزعزع واضطراب بسبب عمدتين أساسيتين ألا وهما الرضا الامريكي الغربي الداعم لها وبقوة وجماعات تكفيرية إرهابية نائمة وغير مأذون لها، وما إن سقطت إحدى هاتين العمدتين أو كلاهما سقط النظام وحل الخراب والتقسيم.
الرضا الامريكي لا إشكال فيه مادام النظام الذي يدعمه مؤديا للوظيفة التي تريدها منه، وما إن يفقد دوره حتى يرفع الغطاء والدعم، اما جماعات التكفير والإرهاب فهي صنيعة دول الغرب واعوانهم في المنطقة وعلى رأسهم آل سعود، ونظام العائلة الحاكمة في السعودية غذت الشباب السعودي بالفكر التكفيري الوهابي وعلى رفض الاخر، واليوم، وأمام الحملة العدوانية التي يقوم بها آل سعود على الشعب اليمني بأمر امريكي فشلوا فشلا ذريعا أثبتته وقائع الأرض، وهي في ملفات سوريا والعراق وغيرها الكثير لم تقم بالدور الامريكي على احسن وجه، هذا إلى العلاقات الامريكية التي تشهد شبه قطيعة بين الحين والاخر بسبب الإختلاف في وجهات النظر على بعض القضايا، وبالتالي قد تندلع الثورة من هنا. ويبقى كل ذلك مقرونا بالضوء الأخضر الامريكي، فصحيح أن الإدارة الأمريكية لا تبدي توجها واندفاعا نحو تخريب البيت السعودي الحاكم والذي ظهر من خلال زيارات متتالية لأوباما قبل موت عبدالله ومن ثم بعد موته، ما يؤكد أن الرضا الأمريكي لا زال موجودا، وأن لا مصلحة لها بإحداث خلل داخل البيت السعودي، إلا أن السياسة الامريكية وكما عهدناها تعمل على تحضير المقدمات لمشروعها قبل الأوان، وما إن حل الأوان فيكفي أن تعطي الضوء الأخضر لذلك.