الوقت-على مدى اليومين الماضيين جلس القادة الأوروبيون إلى جانب القادة العرب على طاولة واحدة من أجل مناقشة التحديات التي تواجه الطرفين، وفي مقدمتها الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وكما كان متوقعاً، أظهر هذا الاجتماع الذي يعقد ولأول مرة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية في مدينة شرم الشيخ السياحية في مصر، المسافة البعيدة بين الجهتين على الصعيد السياسي، فكل واحد منهم كان يبحث عن مصالحه التي كانت في أغلبها تصطدم مع مصالح الطرف الآخر.
اجتماع مشترك من دون قرارات استراتيجية
منذ بداية القمة العربية الأوروبية المشتركة، توقّع العديد من الخبراء أنه لا يمكن اتخاذ أي قرار استراتيجي في الاجتماع بسبب وجود العديد من الاختلافات بين الجهتين.
وبحسب البيان الختامي للقمة فإن توقّع الخبراء كان في محله، كما ظهر هذا جلياً في الجلسة الافتتاحية للقمة، حين أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط إلى الدور السلبي الذي لعبه الاتحاد الأوروبي في التحولات العربية منذ عام 2011، متهماً إياه بالسماح لآلاف المتطرفين والإرهابيين بالمجيء إلى الدول العربية ومحاربة أنظمتها الوطنية.
ومن هنا، وبسبب تضارب المصالح بين الطرفين، ركّزت الجلسة الافتتاحية على مسائل غير مهمة مثل تغيّر المناخ والهجرة والتجارة والاستثمار وغيرها من الأمور، لأن الأمور السياسية كانت ستؤثر بشكل كبير على القمة، ومن هنا كانت مواضيع فلسطين واليمن وسوريا قد نوقشت في اليوم الثاني من القمة إلا أنه لم يتخذ أي قرارات استراتيجية في سبيل حلّها.
على ماذا يختلف العرب والأوروبيون؟
إن عدم اتخاذ أي قرار استراتيجي في القمة العربية الأوروبية أظهر حجم الاختلاف الكبير بين الطرفين، كما أظهر أيضاً أن هذه الاجتماعات المشتركة لن تكون قادرة على حلّ الصراعات التي تراكمت على مدى العصور بين الجانبين.
ومما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية كانت أهم قضية سياسية في القمة العربية - الأوروبية، لكن الجانبين لم يكونا قادرين أبداً على اتخاذ نهج مشترك في هذا الصدد، فهناك خلاف جوهري بين القادة العرب أنفسهم وبين القادة الأوروبيين أنفسهم أيضاً، بحيث إن دولاً عربية كـ "لبنان وقطر والأردن"، ودولاً أوروبية كـ "ألمانيا وبريطانيا وفرنسا" يؤيدون تطبيق قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1967 بشأن فلسطين، إلا أن السعودية والإمارات إلى جانب المجر وبولندا يؤيدون خطة ترامب المعروفة باسم صفقة القرن بالنسبة لفلسطين، وهو ما يعني نقض قرار الأمم المتحدة حيث تصبح كل الأراضي الفلسطينية المستولى عليها منذ عام 67 إسرائيلية والقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، تختلف وجهات النظر العربية حول القضية السورية والتطورات في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتبر بعض الدول العربية التدخل الأوروبي في الأزمة السورية عامل في تصعيدها، بينما يطالب آخرون، بما في ذلك الإمارات والسعودية والبحرين، بمواصلة هذا التدخل من أجل إسقاط "النظام السوري". هذه الخلافات موجودة أيضاً على الجانب الأوروبي، بحيث تتهم كل من إيطاليا وفرنسا الآخر بزعزعة الاستقرار في ليبيا.
كما أن هذه الخلافات ظهرت أيضاً في البيان الختامي للقمة حين اعترضت السعودية والإمارات والبحرين، وكذلك لبنان، على البيان الختامي للقمة العربية ـــ الأوروبية، ما كاد يعطّل إصداره، بعدما أبدت تحفّظاً على نقاط تخصّ الوضع في اليمن وسوريا، ما استدعى تدخلاً من الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، الذي جنّب القمة إحراج الانتهاء بلا بيان ختامي، وذلك بإخراج البيان المتفق عليه سلفاً، على أن ترسَل التعديلات من الجانب العربي لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وكذلك باقي العواصم العربية.
كلام الرئيس المصري أيضاً أظهر حقيقة الخلافات بين الطرفين، حين توجّه إلى الأوروبيين بالقول "أنتم تتكلمون عن عقوبة الإعدام، لكن أرجو ألّا تفرضوا علينا رأيكم في هذا الخصوص، فلدينا ثقافتنا وإنسانيتنا وأخلاقياتنا، كما أن لكم ثقافتكم"، مضيفاً: "في ثقافتنا، أهل ضحية الإرهاب يطالبوننا بأخذ حقه، وهو ما يحصل بالقانون".
نتيجة لذلك، فإن 50 دولة عربية و28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، لا يمكنهم اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن القضايا الحساسة، ومن هنا يمكن القول إن القمة الأخيرة في شرم الشيخ تبدو أكثر رمزية من أي شيء آخر.
مصالح أوروبية أكثر من عربية
في الوقت نفسه، ورغم الاختلافات العميقة والمتنوعة بين العرب والأوروبيين حول قضايا مختلفة وعدم وجود قرارات استراتيجية، لا يمكن تجاهل القيمة الرمزية للقمة بالنسبة للأوروبيين، خاصة في هذه الأيام حيث يكافح الاتحاد الأوروبي داخل حدوده مع الاتجاه المتنامي للاتجاهات القومية الشعوبية واليمينية، ووفقاً للكثيرين، فإن نمو الحركات القومية في الاتحاد الأوروبي في شكله المتطرف قد يضع الاتحاد الأوروبي أمام تحدٍّ خطير.
وبالتالي، فإن عقد قمة أوروبية عربية مشتركة يمكن أن يؤدي إلى تشكيل اتحاد كبير على الساحة الدولية، يلعب دوراً مهماً في استقرار المنطقة كما ويمكن أن يلعب دوراً أيضاً في مواجهة التحديات التي تواجهها أوروبا على الصعيد الداخلي.
مثال آخر لعقد مثل هذه الاجتماعات من قبل الأوروبيين كان تشكيل مجموعة الاتصال الفنزويلية من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي عقدت في أمريكا اللاتينية.
كما ويسعى الاتحاد الأوروبي من خلال هذه الاجتماعات الدولية إلى إرضاء جميع الدول الأعضاء، وذلك بهدف عدم تكرار السيناريو البريطاني والانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لذلك لم تعد الاجتماعات الدولية تقتصر فقط على فرنسا وألمانيا بل على جميع الأعضاء.
من ناحية أخرى، لا تزال قضية الهجرة تمثل تحدياً كبيراً لأوروبا، خاصة أن مصدرها بشكل كبير الدول العربية في المنطقة، ومن هنا قد تكون هذه المحادثات وسيلة لحل هذه المشكلة، إلا أنه وبحسب محللين أوروبيين فإن أزمة الهجرة لا تحتاج اجتماعات وقمم من أجل أن تحلّ، بل يكفي عدم التدخل في شؤون تلك الدول ودعم طرف مقابل طرف آخر ما يدفع إلى الاستقرار وانتهاء أزمة الهجرة وهذا ما لم يحدث في اليمن وسوريا وليبيا.