فبعد كل جريمة كانت تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين كان يترك المجرمون علامةً فارقة مذيلةً بتوقيع "تدفيع الثمن".
فمن هي مجموعات " تدفيع الثمن" اليهودية ومن يدعهما؟ وما هو موقف الإسرائيليين منها؟ ولماذا لا يُعلنها الكيان الإسرائيلي منظمة إرهابية على الرغم من إدانته لجرائمها؟
إنّ نشأة عصابات "تدفيع الثمن" او "جباية الثمن" يعود إلى العام 1980، وهي وليدة الحركة الصهيونية اليمينية المتطرفة المتمثلة في حركة "غوش امونيم"، الحركة التي تنادي بالتطهير العرقي للعرب واقامة الهيكل المزعوم في موقع المسجد الاقصى وهي ترتكب يومياً عشرات الجرائم ضد الفلسطينيين حرقاً وسباً وإساءة للرسول والإسلام والقرآن والمسيح وتنتهك المساجد والكنائس وقد بدأت عملياتها منذ عام 2008.
وعبارة "جباية الثمن" هي اسم أطلقه المستوطنون الإسرائيليون وناشطو اليمين المتطرف الإسرائيلي على الإعتداءات التي يرتكبونها ضد الفلسطينيين وأملاكهم، والتي تشمل إلقاء حجارة على السيارات الفلسطينية التي تمر في الشوارع، ومهاجمة قرى فلسطينية، وإلحاق أضرار بأملاك الفلسطينيين وحقولهم، مثل قطع أشجار الزيتون وإحراق مزروعات وحتى إحراق مساجد وتكسير شواهد القبور. وفي معظم الأحيان يكون ذلك مقترناً بكتابة شعارات عنصرية ضد العرب والمسلمين إلى جانب عبارة "جباية الثمن".
ويُطلق المستوطنون هذا الإسم كذلك على الأضرار التي يلحقونها بأملاك تابعة للجيش والشرطة الإسرائيليين. ويبرر أعضاء هذه العصابات أنّ هذه الأعمال هي ردة فعل على هجمات فلسطينية، أو على هدم مبانٍ وإجلاء مستوطنين من بؤر استيطانية إسرائيلية غير قانونية على يد قوات الشرطة والجيش الإسرائيليين. ويقول مستوطنون إسرائيليون إن هدف اعتداءات "جباية الثمن" هو "منع حكومات إسرائيل من إخلاء بؤر استيطانية، ومن هدم مبانٍ أقيمت من دون تصاريح بناء، إضافةً إلى ردع الفلسطينيين عن تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية." وهم يعتبرون أن هذه الإعتداءات من شأنها أن تردع الفلسطينيين، وأن توجد نوعاً من "توازن الرعب " .
أمّا الخلفية الأيديولوجية التي تستند إليها هذه الجماعة الإرهابية الصهيونية هي تعود للآراء التي نشرها الحاخام "يتسحاق جينزبورج"، الذي يتركز غالبية تلاميذه في مستوطنة "يتسهار". وينتسب لجينزبورج فكرة الانتقام من الفلسطينيين، مثل ارتكاب المجازر على طريقة باروخ جولدشتاين منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي، باعتبار هذه الجرائم هي التجسيد العميق للفعل اليهودي الخالص، ويعمل ناشطو "تدفيع الثمن" المركزيون بموجب أفكاره.
وعن نشأة هذه العصابات كشف تحقيق صحافي كانت قد نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن جانب مهم من حقيقة اعتداءات "جباية الثمن"، والتنظيمات اليهودية الإستيطانية التي تقف وراءها، بالإضافة إلى كشفه أن تمويل هذه التنظيمات يأتي من خزينة الدولة . فقد بين هذا التحقيق أن اعتداءات "جباية الثمن" ليست وليدة ردود فعل فردية من قبل المستوطنين، أو بمبادرة "أعشاب سامة" بين المستوطنين، كما يصفها كبار المسؤولين ووسائل الإعلام في الکيان الإسرائيلي، وإنما هي نتاج فكرة منظمة، ابتكرتها هيئة كان رئيس "المجلس الإقليمي شومرون" الذي يضم عدة مستعمرات من مدينة نابلس، "غرشون ميسيكا"، هو المبادر إلى تشكيلها وتمويلها من أموال المجلس الإقليمي الذي يرأسه. وأكّد التحقيق إن "مجلس شومرون" يحصل على ميزانيته كلها من الحكومة، وإنها تصل إلى عشرات ملايين الشيكلات سنوياً.
واعترف رئيس الشاباك الأسبق "كارمي جيلون"، أنه بإمكان الجهاز وضع حد في غضون فترة وجيزة للممارسات التي تقوم بها عصابات ما تسمى "تدفيع الثمن"، مشيراً إلى أنها تحمل طابعاً إرهابياً، لكنه اتهم نواباً وأحزاباً ومسؤولين كبار في الداخل بإعطاء الضوء الأخضر لاستمرار مثل هذه الاعتداءات ضد المقدسات الإسلامية والممتلكات الخاصة، قائلًا إن "جماعة تدفيع الثمن تحظى بدعم كبير في الداخل من مسؤولين وصفهم بالكبار". كما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير أخير لها أن جرائم عصابة "تدفيع الثمن" التي تستهدف العرب وممتلكاتهم والمقدسات الإسلامية والمسيحية ارتفعت إلى 200% وأن "مرتكبي غالبية هذه الجرائم لا يزالون يتجولون بحرية".
ويقول الفلسطينيون إن نتنياهو وحكومته يدعمون ويغطون هذه المجموعات، خاصة وأن الحكومة الحالية فيها قادة إسرائيليون يعتبرهم أفراد هذه المجموعة الصهيونية قادتهم الحقيقيين. وقد اتهم الرئيس الفلسطيني الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي بتوفير الحماية للمستوطنين قائلًا: "لو أرادت الحكومة الإسرائيلية منع الجرائم لاستطاعت، لا تقولوا إنهم المستوطنون يخرجون عن مسؤوليتهم وهواهم، لو أرادت إسرائيل منعهم لاستطاعت".
وقد وصف الأديب الإسرائيلي "عاموس عوز" هذه العصابات بـ"النازيين الجدد"، وقال:" إن اليهود الذين ينفذون عمليات الكراهية والعداء ضد العرب الذين يسمون أنفسهم جماعة تدفيع الثمن هم النازيون الجدد"، وقال "إن الفارق الوحيد بين منفذي جرائم الكراهية ضد العرب في إسرائيل والجماعات المتطرفة في أوروبا يكمن في أن جماعات النازيين الجدد بإسرائيل يتمتعون بتأييد عدد كبير من المشرعين المتعصبين قومياً والعنصريين وبعض الحاخامات الذين يوفرون لهم الذرائع بأن أفعالهم خدمة للدين"! .