الوقت- حرب أبعد من كلاميّة يخوضها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو مع خصومه السياسيين الذين اتهمهم بالعمل على إبادة "إسرائيل"، نتنياهو الذي يعيش منذ أشهر هاجس المحاكمة من قبل الشرطة الإسرائيلية بسبب قضايا الفساد المتهم بها، بات يعيش اليوم هاجس السقوط أمام التحالفات القوّية التي تواجهه وأبرزها اتحاد 3 جنرالات إسرائيليين لهدم عرش "بيبي".
ما يزيد من طينة نتنياهو بلّة هو نتائج استطلاع الرأي العام الإسرائيلي الذي أظهر لأول مرّة هزيمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حال جرت الانتخابات الإسرائيلية اليوم. الاستطلاع الذي نشرت القناة الإسرائيلية 13 نتائجه أشار إلى قدرة تحالف "أزرق - أبيض" بين الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي بيني جانتس ووزير المالية الأسبق يائير لابيد من إلحاق هزيمة واضحة بحزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو، وحصوله على 36 مقعداً، مقابل 26 مقعداً لحزب الليكود.
النتائج بدت صادمة نوعاً ما، بسبب حجم الفارق لا هزيمة نتنياهو، فقد فشل الأخير في إيصال مرشحة إلى رئاسة بلدية القدس في الانتخابات الأخيرة، لكنّه راهن مؤخراً وبعد الاستعراضات الفارغة التي قدّمها في وراسو وحديثه كل يوم عن لقاءاته السريّة مع مسؤولين عرب، راهن على كسب هذه المعركة المرتقبة.
بالطبع فإن نتنياهو الذي حاول لسنوات إظهار نفسه أمام الإسرائيليين على أنه الوحيد القادر على تحقيق الأمن لهم، لن يقف مكتوف الأيدي، بل سارع للعمل على توحيد اليمين المتطرّف بغية الاحتفاظ بموقعه، متحالفاً مع حركة يمينية كانت تعتبر إرهابية حتى ثمانينيات القرن الماضي، فضلاً عن اعتبار المحكمة العليا الإسرائيليّة لهذه الحركة “كهانا حاي” خارجةً عن القانون.
وبين رهان نتنياهو ونتائج الاستطلاع التي قدّ تتبدّل خلال الفترة المتبقّية أو ترتفع نسبة فجوتها، لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط:
أولاً: لا يمكن لنتنياهو الفرار من اتهامات الفساد، فضلاً عن أزمات الليكود نفسه الأمر الذي يهدّد مستقبل نتنياهو السياسي أكثر من أي وقت مضى، يدرك حلفاء نتنياهو الجدد أن تجربة وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد تتكرّر معهم، وقد تتفاقم الأزمات في أي ائتلاف حاكم يقوده نتنياهو، لذلك فإن هذه التجربة ستؤثر على شكل التحالفات مع الأخير.
ثانياً: هناك تشابه كبير بين ما يحصل اليوم وما حصل في العام 1999. حيث تشير صحيفة هآرتس العبرية إلى أن نتنياهو كان في ذلك الوقت متورطاً في فضائح وتحقيقات، كما هو الحال الآن، ما جعله يُهزم في الانتخابات ويستقيل من رئاسة حزبه الليكود.
اليوم وفضلاً عن وجود مطالبات في الليكود باستقالة نتنياهو، فإن الداخل الإسرائيلي يستاء كثيراً من سياسة وأسلوب نتنياهو في الحكم.
ثالثاً: وفي أسباب الهزيمة، هناك تحالف قوي في وجه نتنياهو يوقده كل من جانتس ولابيد، وبالفعل نجح جانتس بعد أيام قليلة من إطلاق حملته الانتخابية في تضييق الفجوة بينه وبين اليهود، لكن تحالفاً مع لبيد جعل هذه الفجوة لمصلحة تحالفهم بدل أن تكون لمصلحة تحالف نتنياهو.
لم يظهر جانتس يسارياً كما اتهمه نتنياهو، بل حاول إظهار نفسه وسطياً، يتحدّث عن شروط شبه يمينية، فرغم إبداء استعداده مع الفلسطينيين فرض شروط مشابهة لتلك التي يطرحها نتنياهو سواءً بقاء القدس الموحدة، الغربية والشرقية، عاصمة للكيان الإسرائيلي والشعب اليهودي، أو بقاء الاحتلال الإسرائيلي في غور الأردن، فضلاً عن تعزيز الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية.
شعارات أخرى تعزّز من فرص جانتس وهو ما تضمنه حديثه في الخطاب الانتخابي عن تنظيم العلاقات التي تم تقويضها بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، في إشارة واضحة إلى نتنياهو.
رابعاً: لم ينجح نتنياهو في السنوات العشر الماضية في تحقيق مزاعمه التي أطلقها حول الحدّ من قدرات حزب الله وإيران.
نتائج الحرب السوريّة بدت مخيّبة لآماله، كما أنه لم يستطع معالجة التحدّي الإيراني في سوريا.
تشير العديد من التقارير الإسرائيلية إلى حجم القدرات الإيرانية، وقدرات حزب الله في سوريا، كما أن منافسي نتنياهو قد استخدموا هذا الأمر في الهجوم عليه مؤخراً.
خامساً: بدا الضعف واضحاً جداً في خطاب نتنياهو إثر نتائج استطلاع الهزيمة حيث دخل في حالة أشبه بالهستيريا مستخدماُ شماعة التصويب والتحريض ضدّ فلسطينيي الداخل، كما أن الكثير من مواقفه الانتهازيّة أثّرت على شعبية الليكود، فرغم مطالبته باستقالة سلفه أولمرت عندما بدأ التحقيق معه بالفساد تحت شعار "لا يمكن لرئيس الوزراء أن يدير أمور الدولة أثناء التحقيق معه"، لكنّه اليوم لا يكتفي بمحاضرات "العفّة"، بل يقدّم نفسه على أنّه المخلّص الوحيد للشعب اليهودي".
في الخلاصة.. هناك مؤشرات تؤكد ضعف نتنياهو، لاسيّما الأسلوب السياسي الذي يستخدمه اليوم في مواجهة خصومه سواء بالاتهام باليسارية مثل جانتس أم بالسخرية من لبيد، بالقول إن خبرته العسكرية تتلخص في أنه كان "مراسلاً صحفياً في مجلة مختصة بشؤون الجيش".
لكن تبقى هذه الأمور برسم التكهنات، فلا يمكن الحسم بنتيجة الانتخابات المزمع عقدها في التاسع من أبريل/نيسان المقبل، وتبقى الشعارات حبراً على ورق بين جنرال فاشي ملاحق جنائياً من قبل الفلسطينيين، وآخر فاسد وانتهازي لا يقلّ عنصريّة عن منافسه، ريثما تُفرغ صناديق الاقتراع ما في جعبتها.