الوقت- تزداد التحديات والصعوبات يوماً بعد يوم على الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي يسعى جاهداً لإثبات جميع ادعاءاته الباطلة التي أطلقها قبل عدة أسابيع والتي عبّر فيها بأنه سوف يتمكّن من الحفاظ على المصالح الأمريكية في سوريا بعد انسحاب قوات بلاده من الأخيرة، ومن أبرز الخلافات التي نشبت بين السياسيين الأمريكيين، هي قضية تعليق الدعم العسكري الأمريكي للأكراد في شمال سوريا، الذين تدّعي "أنقرة" بأنهم جماعة إرهابية يجب القضاء عليها، وحول هذا السياق، أعرب الرئيس "ترامب"، بأنه لن يكون هناك أي تهديد للجماعات الكردية السورية الموالية لواشنطن عقب انسحاب قوات بلاده من سوريا، ولفت إلى أن تركيا ستواصل هجماتها العسكرية على تنظيم "داعش" الإرهابي، إلا أن هذا التفاؤل لم يستمر طويلاً، فلقد قامت القوات العسكرية التركية بالانتشار على الحدود الجنوبية، وأصبح من الواضح أن "أنقرة" تعتبر الجماعات الكردية القاطنة بالقرب من الحدود الشرقية تهديداً على مصالحها أكثر من تنظيم "داعش" الإرهابي ولهذا فلقد أرسلت واشنطن خلال الأسبوع الماضي مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض "جون بولتون" إلى "أنقرة" للتفاوض مع السلطات التركية للاتفاق على آلية لإزالة المخاوف التركية ومنعها من تنفيذ هجوم عسكري على مناطق شرق الفرات.
ومن جهته، قال "بومبيو"، وزير الخارجية الأمريكي، الذي قام بزيارة سريعة للمنطقة مطلع الأسبوع الماضي، لقناة "العربية": "لدينا ثقة بأننا نستطيع التوصل إلى اتفاق يحمي الأكراد السوريين ويساعد تركيا على الحفاظ على حدودها"، للأسف الشديد لم تنجح تلك المفاوضات، ولم يقم "أردوغان" بلقاء "بولتون"، ولهذا فلقد كتب الرئيس "ترامب" على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": إن الجانب التركي إذا ما قام بتهديد الجماعات الكردية السورية الموالية لبلاده، فإن واشنطن لن تظل مكتوفة الأيدي وستقوم بفرض عقوبات اقتصادية ثقيلة على "أنقرة".
وبعد رسالة التهديد هذه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو هل ستجبر تهديدات "ترامب"، أنقرة على تعديل مواقفها والقبول باتفاق يصبّ في مصلحة واشنطن؟ وإذا ما اتفق الجانبان فعلى أي أساس سوف يستند هذا الاتفاق؟ أم إن تركيا سوف تتجاهل هذه التهديدات التي أطلقها "ترامب" وتمضي قدماً لكبح جماح القوات الكردية في سوريا؟
إنشاء منطقة عازلة، ضمانات واشنطن ومصالح تركيا
إن خطة إنشاء منطقة عازلة ليست قضية جديدة، فمنذ بداية الأزمة السورية، قام الجانب التركي بتقديم العديد من الطلبات لإنشاء تلك المنطقة العازلة، إلا أن هذه الطلبات تم رفضها من قبل جميع الجهات الفاعلة في الأزمة السورية، ولا سيما أمريكا، وبناء على ذلك، قام الرئيس "أردوغان" بإبلاغ الأمم المتحدة أن الجيش التركي مستعد للمشاركة في عمليات بناء ملاجئ وأماكن آمنة للاجئين والفارين من هجمات الجماعات الإرهابية، إلا أن "أنقرة" لم توفّق في إقناع جميع الأطراف للقبول والمشاركة في عمليات البناء هذه، وبعد مرور عدة سنوات ومع بدء المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية التركية، أُجبرت أمريكا على الرضوخ للمطالب التركية والموافقة على إنشاء منطقة عازلة ومنح "أردوغان" كل الضمانات اللازمة بأن الأكراد لن يشكلوا أي تهديد على أمن الحدود التركية.
وفي هذا الصدد، قال "جيمس ستافريديس"، الأدميرال المتقاعد والقائد السابق في قوات حلف "الناتو" يوم الجمعة الماضي في مقابلة إذاعية له: "إن ما نحتاجه في وقتنا الحالي هو إنشاء نوع جديد من الحواجز بين تركيا وسوريا، بحيث تتمكن قوات تابعة للأمم المتحدة بالقيام بدوريات في تلك المنطقة، أو أن تكون تلك المنطقة تحت مراقبة أمريكا وروسيا، ويمكن للأتراك أن يكونوا في جهة والأكراد السوريين في الجهة الأخرى، ولهذا فإننا في النهاية سنحتاج إلى إنشاء منطقة عازلة".
وبالنظر إلى جميع كل تلك الحقائق، فإنه يمكن القول هنا أن الاتفاق التركي الأمريكي بشأن إنشاء منطقة عازلة لن يكون قادراً على إزالة مخاوف تركيا، وذلك لأن "أنقرة" تعتبر تصريحات الرئيس "ترامب" تهديداً لسيادتها وحقّها في تأمين حدودها مع سوريا، وفيما يتعلق بالسؤال القائل، هل ستأخذ تركيا تهديدات الرئيس "ترامب" على محمل الجد؟، فإنه يمكن القول هنا بأن تركيا تمكّنت خلال الفترة السابقة من استغلال التنافس الروسي الأمريكي في المنطقة السورية لمصلحتها، بحيث إن هاتين القوتين لم تعارضا الوجود العسكري التركي شمال سوريا خلال السنوات الماضية، لكن المعارضة الحالية لـ"ترامب" تبدو مختلفة عن عامي 2016 و 2018، وذلك لأن مصالح حلفاء واشنطن، ولا سيما الكيان الصهيوني تستدعي هذه المعارضة ومن جهة أخرى، إن الهجوم التركي على مناطق شرق الفرات سوف يؤثر سلباً على مصداقية ومواقف الرئيس "ترامب" وقد تتسبب في هزيمته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها عام 2020.