الوقت- حاول رئيس إقليم كردستان العراق الإبتعاد عن الإصطفاف الدولي القائم حيال المواجهات الحالية بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني شمال العراق حيث دعا "كلاً من الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني إلى إنهاء المناوشات والتصعيد والعودة إلى مائدة المفاوضات وإحياء عملية السلام التي بدأت في السنوات الأخيرة".
لم ينزلق البارزاني الذي إكتفى بالقلق والدعوة إلى وقف المناوشات إلى الإصطفاف بجانب أي طرف من أطراف المواجهة، بل حاول إمساك العصا من الوسط بسبب التحديات السياسية تارة والعرقية تارة أخرى. اذ يختلف الوضع الكردي في الإقليم عن كافّة الدول الإقليمية التي أيّدت الهجوم التركي على مراكز حزب العمال سواءً أمريكا، قطر أم السعودية. وحاول البارزاني في الرسالة التي وجهها إلى الرأي العام معالجة المواجهة التركية-الكردية عبر الحديث عن الخطر المشترك أي تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، داعياً جميع الأطراف إلى العودة مجدداً لعملية السلام وعدم الخوض في حرب لا ضرورة لها.
يتّضح من خلال خطاب البارزاني الذي يتعارض مع ما قاله رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أنه "تحدث مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وأكد له أحقية تركيا بتنفيذ عملية ضد حزب العمال الكردستاني" ما يطرح العديد من التساؤلات حول هذا الإلتباس في الموقف، يتّضح قلقه من التداعيات الداخلية( داخل الإقليم) والإقليمية المترتبة على المواجهة بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني.
لا يمكن لبارزاني الذي سعى لإظهار نفسه كـ"حمامة سلام" أن يكون في مواجهة أبناء جلدته كون هذا الامر كفيل بالتأثير المباشر على رئاسته ومستقبله السياسي في الإقليم الكردي، كما أنه لا يمكن أن يتخذ موقفاً عدائياً من تركيا لأسباب سياسية تضع طموحه في كسب الرضا الإقليمي والدولي بإستقلال الإقليم عن الحكومة المركزية العراقية في مهب الريح.
وفي مراجعة أولية لخطاب البارزاني وعلاقاته الثنائية مع الأكراد من ناحية والحكومة التركية من ناحية أخرى يمكن ملاحظة التالي:
أولاً: لا يمكن للبارزاني حالياً إتخاذ أي مواقف متطرفة سواءً كردياً أم تركياً، بعبارة أخرى لا يمكن أن يدعم خياراته القومية (الكردية) على حساب خياراته(الكردية)، فالعلاقة مع الحزب الكردي هي إستراتيجية في سياق اللحمة الكردية التي تخدم طموحات البارزاني وكافّة الأكراد خاصةً إذاما تم الإستقلال، كما أن العلاقة مع تركيا هي مقدمة تكتيكية تخدم الإستراتيجية التي يتبناها البارزاني، أي إنه يريد الحفاظ على الود التركي ريثما يحصل على الإستقلال، عندها لن يكون موقفه مشابها تجاه أي عملية عسكرية تركية ضد الأكراد، وهذا ما يمكن إستشفافه من خلال موقف برلمان إقليم كردستان الذي أدان القصف الجوي التركي على حزب العمال الكردستاني حيث إعتبر في بيان له أنه "في الوقت الذي ندين بشدة هذه الهجمات نطالب بوقفها فورا ".
ثانياً: لا ريب في أن قلق البارزاني على الوضع الحالي بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني ينطوي على جوانب سياسية أكثر من كونها إنسانية. وفي الواقع يريد رئيس إقليم كردستان العراق أن يظهر نفسه كراعٍ رسمي للأكراد في المنطقة، أو قيّم عليهم لو صح التعبير.
ثالثاً: لعل الموقف الكردي الشعبي من الهجمات التركية على مقار حزب العمال من أهم الأسباب التي دعت البارزاني إلى إعادة التموضع من جديد. فمن ناحية يسعى البارزاني لكسب الرأي العام الكردي في ظل العديد من الإتهامات التي وجهت إليه في الفترة الأخيرة بعدم مبالاته للوضع الكردي في شمال سوريا والمواجهة مع تنظيم داعش الإرهابي. ومن ناحية أخرى يحاول معالجة وضعه الداخلي في الإقليم من خلال هذا الموقف، وبالتالي معالجة هذه الإتهامات.
رابعاً: يدرك البارزاني جيداً أن أي مواجهة بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني لن تكون بعيدةً عن مكاسب ومستقبل الأكراد في المنطقة عموماً وإقليم كردستان العراق على وجه الخصوص، بعبارة أخرى سوف تترك هذه المواجهة أثراً مباشراً على الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه البارزاني.
خامساً: نجح إقليم كردستان الذي يترأسه البارزاني في السنوات الماضية في إيجاد علاقات جيّدة مع القيادة التركية، واضعين نصب أعينهم تطوير الصلح بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية. إلا أن التطورات الأخيرة تزيد من خصومة الأكراد سواءً في العراق أو سوريا وحتى تركيا مع حكومة أنقرة، وبالتالي من المتوقع أن تدخل العلاقات الثنائية بين حكومة البارزاني وحكومة أردوغان في نفق المجهول مما يعني الحد من العلاقات الكردية لإقليم كردستان على مستوى المنطقة، وهذا ما يرفضه البارزاني بشكل قاطع.
يبدو أن رئيس الإقليم الكردي بات كـ"بالع الموس"، فلا يستطيع نصرة أبناء جلدته والوقوف إلى جانبهم بشكل مباشر في إطار الإستراتيجية التي يسعى من خلالها لتكريس نفسه كبطل قومي وأب روحي للأكراد، كذلك لا يستطيع أن يساند الحكومة التركية التي يرتبط معها بعلاقات نفطية وسياسية تخدمه في تكريس الإستقلال الكردي بشكل أو بآخر، باختصار يحتكم موقف البارزاني لرؤيته حيال أي خريطة جديدة.