الوقت- إن عودة الأخ الأصغر للملك "سلمان"، الأمير "أحمد بن عبد العزيز" من لندن إلى الرياض قبل عدة أيام، لم تتحقق إلا بعد حصوله على ضمانات أمنية من قبل أمريكا وبريطانيا بعدم تعرّض ولي العهد "محمد بن سلمان" له وهذا يُعدّ مؤشراً على أن هذا الأمير سيدخل في صراع طويل الأمد مع ابن أخيه الأمير "محمد بن سلمان"، خاصة بعدما تزعزعت صورة هذا الأخير عقب جريمة القتل التي قام بها بحق الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" والتي قد تتسبب في إعفائه من منصب ولاية العهد، ومن المؤكد أن تؤدي عودة هذا الأمير من المنفى إلى نشوب نزاعات ثنائية الأقطاب بينه وبين ولي العهد على السلطة والمُلك.
الجدير بالذكر هنا، بأنه على عكس تقاليد آل سعود، تم انتخاب الأمير "محمد بن سلمان" ليخلف والده في عملية غير عادية وخبيثة، وبهذا فإن الحكم في السعودية سوف ينتقل إلى أحفاد الملك "عبد العزيز" مؤسس السعودية، ولقد قامت العائلة المالكة في السعودي في بداية الأمر بتعيين الأمير "محمد بن نايف" في منصب ولاية العهد وذلك من أجل أن لا تُتهم بأنها قامت بخرق التقاليد، وبعد فترة وجيزة قام الملك "سلمان" بحيلة خبيثة أفضت بطرد الأمير "محمد بن نايف" من منصبه كولي للعهد واستبداله بالأمير "محمد بن سلمان" ابنه الأوسط.
وفور وصول الأمير "محمد بن سلمان" إلى منصب ولاية العهد عبر انقلاب قام به على ابن عمه، قام هذا الأمير المتهور، باعتقال العديد من الأمراء متهماً إياهم بالفساد، كالأمير "متعب بن عبدالله" والأمير "الوليد بن طلال" وغيرهما من الأمراء الذين اعتقد بأنهم يمكن أن يشكلوا له تهديداً في المستقبل وقام بإحاطة نفسه ببعض الأمراء الموالين له وقوات الأمن المدربة لحمايته من نار الانتقام التي تشتعل في صدور العديد من أمراء آل سعود وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الأمير المتهور على الرغم من مرور أربع سنوات على توليه السلطة في البلاد، إلا أنه لم يحقق أي إنجازات ملموسة على الساحة السياسية الخارجية وفي سياق آخر، إن هزيمته في غزوه العسكري على اليمن وقيامه بمذابح جماعية لآلاف المدنيين في هذا البلد، وفرضه لحصار اقتصادي على دولة قطر، أدّى إلى تدهور علاقات بلاده الطيبة مع الدول المجاورة ولهذا فلقد قام بدفع الكثير من الأموال لأمريكا والكيان الصهيوني ليقوما هما بدورهما بدعمه ودعم المواقف السعودية على الساحة الدولية ولكن الجريمة الأخيرة التي ارتكبها هذا الأمير المتهور بحق الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، قد وضعت الأمريكيين والدول الغربية في موقع لا يحسدون عليه أمام الرأي العام العالمي ولهذا تحدّث بعض قادة تلك الدول بضرورة عزل هذا الأمير المتهوّر من منصبه وذلك للحفاظ على مظهرهم العام أمام شعوبهم.
وفي مثل هذه الظروف، يسعى الأمير "أحمد بن عبد العزيز"، الذي عاد من المنفى قبل عدة أيام إلى السعودية لإعادة الأمور إلى نصابها وأن يُرجع حق ولاية العهد لأخيه الأمير "مقرن بن عبدالعزيز"، وهنا تذكر العديد من المصادر الإخبارية بأن الأمير "أحمد" كان أحد منتقدي الأمير "محمد بن سلمان" عقب قيام هذا الأخير بجريمة قتل الصحفي "خاشقجي"، وكان أحد أبرز المحتجين على جرائم السعودية في حرب اليمن، حيث قام خلال الفترة الماضية بتوجيه العديد من الاتهامات للأمير "محمد بن سلمان"، منها قيامه بالعديد من جرائم الحرب الوحشية في اليمن.
وبالطبع، لو لم يكن الأمير "محمد بن سلمان" متورطاً في قضية قتل الصحفي "جمال خاشقجي"، لقام باعتقال وسجن الأمير "أحمد عبد العزيز" فور وصوله إلى الرياض، ولكنه بدلاً عن ذلك قام بالترحيب به، وهذا الأمر يُظهر بأن "ابن سلمان" هو من خطط ودبّر لتلك الجريمة وأنه مستعد للتصالح مع أعدائه من أعضاء الأسرة الحاكمة ليُسكت أفواههم عن جرائمه.
وهذه الظروف المتأزمة أعطت الأمراء الساخطين فرصة لدعم الأمير "أحمد بن عبد العزيز" في صراعه مع ابن أخيه الأمير "محمد بن سلمان" وأعطتهم أيضاً الجرأة للتحدث حول إمكانية إقالة "ابن سلمان" من منصبه كولي للعهد، ما يعني نهاية عهد سلمان وأبنائه ومن المحتمل أن يقوم الجناح التقليدي في العائلة الحاكمة، كالأمير "مقرن بن عبد العزيز"، والأمير "متعب بن عبد الله" اللذين يتلقيان الدعم من بريطانيا ومن بعض الدول الأوروبية بممارسة بعض الضغوطات على الساسة الأمريكيين والتأثير على مسار الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي وإرغامهم على التوقف عن تقديم الدعم للأمير "محمد بن سلمان"، والمضي قدماً لإقالته من منصبه كولي للعهد.
والآن يجب علينا الانتظار لنرى ما تخفيه الأيام القادمة ونرى هل سيحدث هذا الأمر أم لا؟ والشيء الوحيد المثير هنا، هو أنه لو حدث هذا الامر أم لم يحدث، فإن السعودية ستدخل خلال الفترة المقبلة في فترة صراع على السلطة، خاصة بعد تزعزع مكانة ولي العهد "محمد بن سلمان" عقب قيامه بجريمة القتل بحق الصحفي "خاشقجي" ودخول لاعبين أجانب في هذه القضية التي اهتمت بها العديد من البلدان ووسائل الإعلام، وإذا وصل الأمير "أحمد بن عبد العزيز" إلى السلطة، فإن جزءاً من المجتمع السعودي الذي ينتظر الكثير من الإصلاحات لن يبقى صامتاً ومن المحتمل أن يثور على هذا الأمير الجديد.
وفي مثل هذه الظروف، يبدو أنه يجب علينا أن ننتظر ونرى الوجه الجديد الذي ستظهر به السعودية في المستقبل القريب، خاصة عقب مواجهة نظامها السياسي الكثير من التغييرات الهائلة، ولربما سنشهد نشوب صراعات ثنائية القطبية في العائلة الحاكمة ومشاركة لاعبين أجانب في تشكيل الهيكل السياسي والدستوري لهذا البلد.