الوقت- العلاقة بين أمريكا والكيان الإسرائيلي متجذّرة ولا يمكن التشكيك بها نظراً للدعم غير المحدود الذي تقدّمه واشنطن لكيان الاحتلال، لكون الأخير يقدم لها بالمقابل خدمات "مدفوعة الأجر" في الشرق الأوسط ويساهم إلى حد كبير في تنفيذ مشاريعها التقسيمية وعلى هذا كان لا بدّ من تقديم كل سبل الدعم لهذا الكيان المحتل ليبقى قاعدة متقدمة لتنفيذ خطط واشنطن في هذه المنطقة.
ورغم الدعم الكبير الذي تقدّمه واشنطن لـ"تل أبيب" إلا أن الأخيرة تظلّ تبحث عن دعم أكبر وتبقى تتذمر بشكل مستمر من قلّة الدعم، وبرز هذا الكلام بشكل كبير خلال دورة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وهذا الأمر دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للتوجّه إلى الكونغرس في شهر مارس 2015 في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وهنا أشار أستاذ علم اللغة والفيلسوف والكاتب والناشط السياسي المعروف بمواقفه اليسارية المنددة بالسياسات الخارجية للإدارة الأمريكية نعوم تشومسكي إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية توجّه مباشرة ودون إبلاغ الرئيس للكونغرس حيث استُقبل بالتصفيق الحار، وذلك "في محاولة لنسف السياسات الرئاسية".
أما اليوم فالأمر مختلف في عهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، فالعلاقة اليوم مع واشنطن تشهد عصراً ذهبياً ودعماً لم يُقدم للكيان الاسرائيلي منذ تأسيسه، وما فعله ترامب خلال العامين الماضيين لم يفعله أحد من الرؤساء السابقين كموضوع نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة "إسرائيل" وصولاً إلى الدعم المالي الأخير والذي قدر بـ 38 مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية، وهذا ما جعل نتنياهو يسارع لشكر الإدارة الأمريكية على هذا الدعم وكتب نتنياهو في تويتر: "أشكر الإدارة الأمريكية والكونغرس على التزامهما بدعم إسرائيل وعلى أموال الدعم الأمريكية التي ستحوّل إلى إسرائيل خلال العقد المقبل أيضاً".
والسؤال لماذا كل هذا الدعم اليوم وهل يخشى ترامب من اللوبيات الصهيونية في أمريكا أو أن يكون بحوزة "اسرائيل" أوراق معينة ضد ترامب؟!
في الحقيقة وعلى خلفية الفضائح المتتالية حول التدخل الخارجي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة كان اسم "إسرائيل" بارزاً في هذه القضية منذ أول يوم من التحقيقات وهناك معلومات تفيد بأن فريق ترامب تواطأ مع "إسرائيل" ولقد كان هناك الكثير من النقاش حول الاجتماعات السرية خلال حملة 2016، التي عُقدت في برج ترامب، مع مختلف أعضاء الدائرة الداخلية وأفراد عائلة ترامب والتي كان لإسرائيل نصيب منها.
اليوم صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تكشف معلومات جديدة حول هذه القضية وتقول إن ريك غيتس، مستشار الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، طلب من شركة استخبارات إسرائيلية عام 2016 المساعدة في هزيمة المرشحين الجمهوريين المنافسين لترامب والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون من خلال حملة تضليل إلكترونية.
وأضافت الصحيفة إنه لا يوجد دليل على أن حملة ترامب اتبعت مقترحات الشركة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لممارسة التضليل الإعلامي وجمع البيانات، وشركة الاستخبارات الإسرائيلية المذكورة هي "Psy-Group"، يعمل فيها عملاء سابقون في الاستخبارات الإسرائيلية، اقترحت خطة لمساعدة ترامب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الانقسامات بين خصومه.
وتؤكد الصحيفة أن المحقق الخاص روبرت مولر الذي يدير التحقيقات حول التدخل الخارجي في الانتخابات الأمريكية يجري تحقيقاً في تورط الشركة الإسرائيلية للتجسس لمصلحة ترامب.
وبحسب التقرير، جرى التواصل بين ريك غيتس والشركة المذكورة لإنشاء الحسابات الوهمية على شبكات التواصل الاجتماعي وحصل فريق مولر على نسخ من المقترحات واستجوب الشركة وفق صحيفة نيويورك تايمز، التي قالت إنه لم يتضح بعد إن كانت المقترحات تنتهك القوانين.
من ناحية أخرى وفي مقالة لـ "ذا إنترسبت"، أكدت الصحيفة تورّط دول أخرى غير روسيا في التلاعب بالانتخابات الأمريكية عام 2016، منها دولتان خليجيتان، وقالت الصحيفة نحن نعلم أن فريق "ترامب" تواطأ مع إسرائيل، ونعرف أنه تواطأ مع السعودية، ونعرف أنه تواطأ مع الإمارات.
لنصل إلى العالم والفيلسوف والناشط السياسي الأمريكي البارز نعوم تشومسكي الذي وجه انتقادات كبيرة للحملة الموجهة ضد روسيا بسبب تدخلها المزعوم في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، ولفت تشومسكي إلى الجهود المبذولة "بشكل واضح ووقح" من قبل إسرائيل من أجل التأثير على سياسات أمريكا، قائلا: "التدخل الإسرائيلي في الانتخابات الأمريكية أكبر بكثير مما كان بوسع روسيا فعله في هذا المجال".
وقال متسائلاً: "هل بعث بوتين برسالة إلى غرفتي الكونغرس دون إبلاغ الرئيس داعياً إياهما إلى تغيير سياسة أمريكا جذرياً؟ وذلك مجرد جزء صغير من هذه التدخلات المفرطة لإسرائيل".
هذا يوضح لنا بشكل لا ريب فيه بأن "اسرائيل" وعبر لوبياتها قد ساهمت عبر الإعلام الأمريكي بإلقاء اللوم على روسيا وتحميلها موضوع التدخل في الانتخابات الأمريكية لإبعاد الشبهات عنها قدر المستطاع، ففي ظل وجود متهم كبير كالروسي لا تتركز الأضواء على الجانب الإسرائيلي، ومع ذلك هناك امتعاض شعبي كبير في الداخل الأمريكي من الكيان الإسرائيلي على خلفية التدخل الكبير لهذا الكيان عبر اللوبيات بالحياة السياسية الأمريكية وتقديم الدعم المادي غير المحدود على حساب المواطن الأمريكي وهذا قد يكون له تبعات سنلاحظها بشكل أكبر بعد انتهاء التحقيقات.