الوقت- إنها أمريكا أم الإرهاب والعدو الأول للأمة فلا تنخدعوا بعروضها المسمومة ولا يتوهمَنّ أحدٌ أن عدو الإسلام والمسلمين قد أصبح الصديق الحريص، فنطمئنّ له ونعيش نشوة الإنتصار وننسى أنّ عدونا ينتظر أول فرصة للإنقضاض علينا. بل يجب علينا الحذر دائماً ولا نعطي الثقة لمن طالما أراد ولا يزال يريد ذبح الإسلام والقضاء على محور المقاومة والهيمنة على بلادنا. فالإمام الخامنئي قالها صراحةً إنّ "بعض أطراف "5+1" لا يمكن الوثوق بها بأي شكل من الأشكال".
فمن خلال موقف واضح الدلالات ردّ قائد الجمهورية الإيرانية، السيّد علي خامنئي، على رسالة كان قد وجهها له الرئيس حسن روحاني، برسالةٍ جاء فيها: "جناب السيد رئيس الجمهورية بعد التحية والسلام والشكر لكم على مساعيكم الحثيثة. في البداية أرى من الواجب علي أن أوجه جزيل الشكر وأثني على مساعي الفريق المفاوض الحثيثة والجبارة، أسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء، ثم إن اختتام هذه المفاوضات يعد خطوة مهمة، لكن مع ذلك فلتتم متابعة النص الناتج من المفاوضات بدقة ولتسر الأمور وفق النهج القانوني الملحوظ، ومتى ما تم التوقيع يجب الحذر من أي نقض محتمل لبنود الاتفاق يقوم به الطرف المقابل والسعي إلى سد الطريق أمام أي تلاعب. وأضاف: تعلمون جيداً أنه لا يمكن الوثوق ببعض الأطراف الستة في الطرف المقابل بأي شكل من الأشكال، خاتماً الرسالة بالقول: أملي بالشعب هو أن يبقي على وحدته وتلاحمه وتكاتفه كي يتسنى تحقيق المصالح الوطنية في جو تسوده الحكمة ويعمه الهدوء والاستقرار."
فالموقف التحذيري للإمام الخامنئي وسط أجواء الفرح والإنتصار في إيران ينبع من معرفةٍ عميقةٍ بالغرب وخاصة أمريكا وهو الذي يسير على طريق مفجر الثورة الإسلامية الإمام الخميني (قدس سره). وهذا الموقف ليس موقفاً في وجه الإتفاق أو عدم الموافقة عليه بل قول حقٍ للحفاظ على منجزات وحقوق الشعب الإيراني الذي يتطلع إلى رفع العقوبات والقيود بكل أشكالها دون قيد أو شرط. فمن غير الإنصاف أن تُحاكم وتُساءل إيران على برنامجٍ نوويٍ سلمي والكيان الإسرائيلي وأمريكا ودول أخرى تعيش دون حسيب ولا رقيب على ترسانةٍ نوويةٍ ضاربةً بعرض الحائط مجلس الأمن وقراراته.
فهنا بيت القصيد. ورسالة الإمام الخامنئي جاءت لتضع النقاط على الحروف وتنبّه الشعب الإيراني والمسؤولين أنّ مرحلةً جديدةً بدأت بعد توقيع الإتفاق وأنّ على طاولة المفاوضات من سعى جاهداً في السنوات الماضية وما زال إلى إضعاف إيران ودفن القضية الفلسطينية وزرع الفتنة بين شعوب المنطقة وضرب محور المقاومة ليبقى الكيان الإسرائيلي وتبقى مصالحه. والذي دفع أمريكا والغرب لتوقيع الإتفاق هو صمود الشعب الإيراني وتمسكه بحقوقه وانتصار محور المقاومة في وجه العواصف الإرهابية التي صنعتها أمريكا وأدواتها في المنطقة.
فقد كان الامام السيد علي الخامنئي يشدد دائماً على عدم توقف المواجهة مع الاستكبار بعد المفاوضات النووية، معتبراً أمريكا من أكمل مصاديق الاستكبار . وكان يطالب المسؤولين ان لا يثقوا بالطرف الاخر ويقول " ليعلم المسؤولون هذا الامر، لا تغركم ضحكاتهم ووعودهم النقدية وعندما يصلون الى مبتغاهم سيضحكون عليكم"، كما كان يؤكد أن "العقوبات يجب ان ترفع كليا و في آن واحد " . وأن ايران لن تقبل بتدرج رفع العقوبات و"اذا قدر التوصل لاتفاق يجب ان ترفع العقوبات فور توقيع الاتفاق"، كما كان يشدد على انه "تحت اي عنوان لا يمكن ان يسمح بأن يدخل الطرف الاخر الى قدراتنا الدفاعية ".
وتوجه الإمام الخامنئي في خطابه الأخير إلى الإيرانيين بالقول إنه عند المصادقة على الاتفاق "يجب الانتباه لنقض الطرف الاخر المحتمل لتعهداته وإغلاق الابواب في وجهها ". وأكد المرشد الأعلى أن على الشعب الايراني "الحفاظ على وحدته لتحقيق المصالح القومية من خلال جو هادئ ". فوحدة الشعب الإيراني هي الأساس. بذلك أراد الإمام الخامنئي أن يكون حاضراً لدى الشعب الإيراني أنّ وحدته هي الأساس في هذا الإستحقاق وفي أي إستحقاق آخر قاطعاً بذلك الطريق على المغرضين والمفتنين الذين كانوا يراهنون على شق وحدة الشعب الإيراني من خلال المفاوضات وتصوير أنّ قسماً منه هو ضد الإتفاق. بل وقع الخلاف في أمريكا والكيان الإسرائيلي حول الإتفاق حيث تدور مواجهات سياسية بين مختلف الأحزاب والتيارات ويتبادل الأطراف فيها الإتهامات بينما بقيت إيران الإسلامية موحدة حول قادتها مقدمةً بذلك نموذجاً حضارياً لشعب كافح سنوات عديدة للحفاظ على مكتسبات الثورة.
هكذا، فإنّ القيادة الإيرانية التي راكمت خلال ثلاثة عقود ونيف تجربة دبلوماسية خلال مواجهات عديدة، أكدت أنّ الخطوط الحمر التي أطّرت مضامين الاتفاق الأخير مكّنت من إنجاز "خطوة مهمة" جديدة، والعبرة في التطبيق. كذلك إنّ سياسة احتواء "انتصار نووي" قد تتحوّل في أي وقت إلى ما يشبه كرة الثلج، تصيب برسالة الإمام الخامنئي في مقتل المخططات الخارجية والرهانات الفتنوية .
فالشعب الإيراني سار خلف قائده معلناً للعالم أجمع أن الجمهورية الإسلامية في إيران أصبحت نووية بشهادة العالم وما زالت على عهد مؤسسها، والبوصلة واضحةٌ وضوح الشمس ولن يحرف إتجاهها لا إنتصار نووي ولا تسويات ولا تهديدات، بل إنّ كل إنتصار جديد سيعزز من حضور إيران في المنطقة والعالم بصمود حاملةً راية مواجهة الإستكبار العالمي.