الوقت-يوماً بعد يوم، تزداد الحرب التجارية بين أمريكا والصين احتداماً، حرب سيكون الخاسر الأكبر فيها واشنطن ولاسيما أن القرارات التي تتخذها الإدارة الأمريكية، ستؤدي إلى حدوث اضطرابات في الأسواق، وانخفاض معدلات النمو والاستثمار، ولن تحلّ المشكلات التي تعاني منها أمريكا، وفي حين كان من المقرر أن يجتمع المسؤولون الصينيون والأمريكيون خلال الأسبوع الحالي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث الخلافات فيما بينهم وإيجاد الحلول لها، أعلنت صحيفة وول ستريت جورنال يوم أمس الاثنين إلغاء محادثات بكين -واشنطن في أعقاب ازدياد الخلافات بين الجانبين، حيث قالت إن النائب الأول للرئيس الصيني، ليو هي، قد ألغى زيارته المقررة الأربعاء القادم إلى واشنطن.
الإلغاء بعد تكثيف الخلافات
في وقت سابق من هذا الأسبوع، دخل النزاع التجاري بين أمريكا والصين مرحلة جديدة، حيث بدأت أمريكا، يوم أمس الاثنين، بتطبيق رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة 200 مليار دولار، كانت أعلنتنها الأسبوع الماضي، وتبلغ نسبة الرسوم الجمركية على حزمة الواردات الصينية الجديدة، 10 في المئة، بهدف إجبار الصين على تغيير سلوكها في مجال الملكية الفكرية، والوصول إلى الأسواق، وسياسات الدعم الصناعي، وفي المقابل ردّت الصين بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 5 إلى 10% بقيمة 60 مليار دولار على بعض السلع الأمريكية. وتزامن ذلك مع فرض وزارة الخزانة الأمريكية الخميس الماضي عقوبات مالية على هيئة رئيسية في الجيش الصيني لشرائها مقاتلات سوخوي "سو 35" وصواريخ "أس-400" أرض جو روسية.
ونتيجة لتكثيف هذه الاختلافات، لم يكن إلغاء المحادثات بين السلطات الصينية والأمريكية أمراً غير متوقع، في الواقع، كانت واشنطن تعتزم فرض رسوم ثقيلة على السلع الصينية قبل بدء الجولة الجديدة من المحادثات التي لم تحقق أي نتائج منذ بدئها، وخلافاً لتوقعات واشنطن، ردّ قادة الصين على هذه الضغوطات بإلغاء المحادثات.
ويرى محللون أن الصين لم تعد تبدي اهتماماً كبيراً للإجراءات الأمريكية على عكس الأسابيع الأولى للحرب الاقتصادية بين الطرفين، حيث كان الرد الصيني في ذلك الوقت شديد اللهجة. وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر على اندلاع الحرب الاقتصادية، تراجعت المخاوف والحساسيات عند قادة الصين حول النهج الأمريكي المعادي تجاه الاقتصاد الصيني، حيث سعى المنتجون الصينيون إلى استبدال السوق الأمريكية بأسواق استهلاكية أخرى في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
الصين تسعى لتنبيه ترامب
من ناحية أخرى، أعلنت الصين رسمياً بأنها لا تتبع حرباً تجارية ضد أحد، وأن إجراءاتها المماثلة على السلع الأمريكية تأتي في إطار الرد على سياسات ترامب الهجومية، ويقول محللون اقتصاديون إن الصين فرضت رسومها بشكل ذكي على بعض السلع الأمريكية، بحيث أنها فرضتها على السلع المستوردة من "الولايات الحمراء" الأكثر تأييداً لسياسة ترامب بهدف تحقيق ضرر اقتصادي كبير على البيئة التي تؤيد ترامب في قراراته ما يزيد من الضغط الداخلي على الرئيس الأمريكي لدفعه للتراجع عن قراراته.
وعلى سبيل المثال، تتضمن القائمة الصينية للتعريفات الجمركية على السلع الأمريكية مجموعة من المواد الزراعية مثل فول الصويا والذرة والقطن، والتي تمثل ضربة محتملة للمواطن الأمريكي الريفي الذي دعم ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وعلى وجه التحديد، يعد اختيار الصويا بمثابة ضربة مباشرة لجماهير ترامب في منطقة أمريكا الوسطى، حيث يتم تصدير حوالي 60 ٪ من صادرات فول الصويا الأمريكية إلى الصين، ما أثار مخاوف لدى المزارعين الأمريكيين من توسع هذه الضرائب لتشمل الحمضيات أيضاً.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة الذكية ليست مفاجئة، الا أنها ستزيد من الضغط الداخلي على ترامب بهدف تعديل سياساته الاقتصادية، وفي هذا السياق، وصف السيناتور الجمهوري بن ساس من ولاية نبراسكا الرسوم الجمركية التي ينفذها ترامب بأنها "غبية" وحذّر من أن الرسوم الجمركية التي فرضت في عشرينات القرن الماضي أدّت إلى الكساد الكبير، وذكر في بيان أن "الحمائية الشاملة كانت جزءاً كبيراً من السبب وراء الكساد الكبير الذي تعرضت له أمريكا "فجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" لا ينبغي أن يعني "جعلها تعود إلى أمريكا عام 1929مرة أخرى"، في وقتٍ يقول فيه الخبير الاقتصادي المعروف "لاري هو" انه " يمكن للصين أن تمارس الكثير من الضغوط الاقتصادية على أمريكا، عبر السلع غير المادية كالسياحة وأموال التعليم الجامعي والصناعات التي يستخدمها الأمريكيون أكثر من الصينيين"، ويمكن لبكين أن تطرد الشركات الأمريكية من الصين على غرار الشركات والمتاجر الكورية الجنوبية التي أغلقتها السلطات الصينية العام الماضي، ويمكنها أن تلجأ أيضاً إلى بيع السندات الأمريكية في حال استمر التصعيد، وهذا بالطبع سيشكل خسارة كبيرة لأمريكا.
من ناحية أخرى أعلن اتحاد صناعات التجزئة في أمريكا عن رفضه للرسوم الأمريكية على الصناعات الصينية معربين في بيان لهم أن الشعب الأمريكي سيتحمّل وحده نتائج هذه الرسوم وليس الصينيون.
بالإضافة إلى ذلك، طالبت شركة آبل الأمريكية في 5 سبتمبر عبر رسالة إلى ممثل التجارة الأمريكي، الحكومة باستثنائها من الرسوم الجمركية التي تفرضها أمريكا على بعض السلع الصينية من أجل السماح لها بشراء سماعاتها الذكية التي يتم توفيرها من قبل الشركات الصينية. وفي وقت لاحق أيضاً، قامت شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، بما في ذلك Amazon وGoogle، ببذل جهود مماثلة بهدف ما تقوله وصول السلع الصينية بأقل تكاليف ممكنة لمختلف العائلات في أمريكا.
ختاماً وفي ظل هذه الظروف، يرى خبراء صينيون أن تكثيف ترامب لحربه التجارية على الصين سيزيد من الضغط والنقم الداخلي عليه خاصة أن الرسوم الصينية الأخيرة على السلع الأمريكية تستهدف منتجي الولايات الأكثر تأييداً لسياسة الرئيس دونالد ترامب، الأمر الذي يجعلها أكثر إيلاماً، ما يجعلها لا تستهدف فقط ترامب الذي يواجه انتقادات حادة داخلياً، وإنما تمتد إلى المنتجين والمستهلكين الأمريكيين أيضاً، وبالتالي ستكون نتيجة ذلك رفعهم الصوت ضد سياسات ترامب الاقتصادية.