الوقت - أجرت بكين خلال الأيام القليلة الماضية مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، فيما أرسلت أمريكا حاملة الطائرات "تيودور روزفلت" وقامت 20 طائرة أمريكية من طراز "اف 18" بالتحليق فوق مياه المنطقة.
وشاركت في المناورات الصينية 48 بارجة و76 طائرة وأكثر من عشرة آلاف من عناصر البحرية، بحسب بيان للجيش الصيني.
الأهمية الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي
بحر الصين الجنوبي متجزئ من المحيط الهادي ويشمل المنطقة الممتدة من سنغافورة ومضيق ملقة إلى مضيق تايوان، ومساحته تقارب 3.5 ملايين كيلو متر مربع، وعبر مياه هذا البحر تمرّ طرق التجارة المهمة لعموم منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا.
ويضم بحر الصين الجنوبي المئات من الجزر التي تتنازع العديد من دول المنطقة على حقوق السيادة بشأنها، ويظهر أثر هذا النزاع على وجود العديد من المسميات لتلك الجزر.
وتأتي أهمية هذه المنطقة نتيجة عبور ثلث الشحنات البحرية العالمية بمياهها، ويُعتقد أنها تحتوي على احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي تحت رمال قاعها، ويعد بحر الصين الجنوبي أكبر بحر في العالم (هو والبحر المتوسط) بعد المحيطات الخمسة، كما أنه من أهم مناطق صيد الأسماك في العالم.
وتؤكد الصين سيادتها على الكثير من الجزر في المنطقة في مواجهة دول أخرى بينها فيتنام والفيليبين وماليزيا وبروناي حيث تطالب بالسيادة على بعض هذه الجزر التي تشكّل قواعد ممتازة لمراقبة الأسطول البحري الأمريكي خصوصاً جزيرتي "سبراتلي" و"باراسل".
وتجري الصين واليابان ودول أخرى دوريات في جنوب شرق آسيا ما يزيد من التوترات في بحر الصين الجنوبي الذي يعدّ منطقة تنازع نفوذ بين بكين وواشنطن لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية منها أنها تزخر بالنفط والغاز وتشكّل ممراً للتجارة البحرية تقدّر بخمسة تريليونات دولار.
وتؤكد الصين أحقيتها بكامل منطقة بحرها الجنوبي لكن الأمر موضع خلاف مع الدول الأخرى الشاطئية مثل فيتنام والفيليبين وماليزيا وبروناي وتايوان. لكن هذا لم يمنع بكين من بناء جزر اصطناعية لأغراض مدنية أو عسكرية في ارخبيلي "باراسل" و"سبراتلي".
وترسل حاملة الطائرات الأمريكية بانتظام سفناً حربية لتجوب المناطق المحاذية للجزر التي تديرها الصين بذريعة "حماية حرية الملاحة"، الأمر الذي ترفضه بكين وتعدّه مساساً بسيادتها واستفزازاً لها.
الحرب التجارية بين أمريكا والصين
تأزمت الحرب التجارية بين أمريكا والصين بشكل خطير بالسنوات الأخيرة في ظل إجراءات تصعيدية من كلا الطرفين بفرض رسوم جمركية إضافية على بعض السلع التي يتبادلان استيرادها وتصديرها. وتصل صادرات الصين إلى أمريكا حوالي 506 مليارات دولار، فيما تصل صادرات أمريكا إلى الصين 130 مليار دولار.
وبدأت أمريكا منذ سنوات بحشد نحو 60% من قواتها البحرية بالقرب من بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى سياسة التطويق التي انتهجتها لإشغال بكين بقضايا في مجالها الإقليمي لتبعدها عن منافستها عالمياً.
وازدادت مؤخراً حدة التصريحات المتبادلة بين أمريكا والصين وسط تزايد التوتر بشأن عمليات البناء التي تقوم بها الصين في جزر أرخبيل "سبراتلي". وأظهرت بكين استياءها الشديد بعد تحليق طائرات تجسس أمريكية فوق مناطق قريبة من تلك الجزر، وتبادل الطرفان الاتهامات بالتسبب بزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وتعمل أمريكا على بناء تحالفات مع الدول المجاورة للصين وقد بدأ ذلك منذ أكثر من عقد من الزمان عندما رأت واشنطن أنها لا تستطيع أن تحتوي بكين أكثر مما احتوتها، فلم تصبح الصين في فلك أمريكا، ولا حليفة لها، ولم تستطع أن تحدّ من نفوذها في المنطقة والعالم.
وبقيت الصين دولة تحافظ على كيانها وتماسكها واستقلاليتها كدولة كبرى تعمل على تعزيز قوتها بحيث بدأت تستغل قوتها الاقتصادية للتأثير السياسي وليس فقط لجني الأرباح، ما يتعارض مع السياسة الأمريكية ويعرّض النفوذ الأمريكي للخطر.
فالصين ترفض تدخل أمريكا وتطلب منها الابتعاد عن المنطقة لأنها تعتقد بأن حوالي 80% من بحر الصين الجنوبي هو ملك لها، وبالتالي فلها الحق في بسط سيطرتها على عموم المنطقة.
ورغم ذلك يبدو أنه ليس من المتوقع على المدى المنظور أن يصل الخلاف بين الجانبين إلى حالة التصادم العسكري، ولاسيّما أن أمريكا قد جربت الحرب مع الصين في حرب كوريا في بداية الخمسينات من القرن الماضي، فلم تنتصر فيها، وكانت قدرات الصين أقل بكثير مما هي عليه حالياً، حيث ازدادت قدراتها العسكرية بشكل هائل، ولديها قدرات مالية واقتصادية كبيرة، وكذلك بسبب الظروف الدولية حيث لم تعد أمريكا تميل لخوض حرب مباشرة، خاصة أنها لم تنجح في تحقيق ما تريد بسبب أزماتها المالية وازدياد التحدي لها الذي تسبب في اهتزاز مكانتها كقوة تسعى للتفرد في السياسة الدولية.
ومن المتوقع أن تواصل أمريكا سياستها الحالية ضد الصين لكنها تبحث عن أساليب جديدة لزيادة الضغط عليها لتجعلها في حالة توتر دائم، وتبقيها في حالة توجس من اندلاع حرب لا تريدها، فتجعلها في حالة اللا حرب واللا سلم.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن تصاعد النفوذ الصيني بات يخيف الكثير من قادة أوروبا، ومع ارتفاع الاستثمارات الصينية بشكل حاد يزداد تخوّف الأوروبيين من أن الرئيس الصيني "تشي جي بينج" يعمل على تحويل الثقل الاقتصادي الصيني إلى قوة سياسية وذلك من خلال التوسّع في قطاعات حساسة في الاقتصاد الأوروبي من بينها الموانئ والطاقة والتكنولوجيا الحديثة.