الوقت- في سلسلة من المجازر البشعة التي ترتكبها طائرات تحالف العدوان بحق المدنيين الأبرياء والوطن ومقدراته وبنيته التحتية، شنّت المقاتلات غارات جوية استهدفت منزل أحد المواطنين في مدينة صعدة واستشهد طفلاه وضاعت جثتهما بين الأنقاض، يأتي ذلك في سياق الجرائم والاعتداءات والانتهاكات اليومية التي يرتكبها التحالف السعودي الأمريكي بحق الشعب اليمني في مختلف المحافظات اليمنية، صورة المواطن وبجواره جثتا طفليه لاقت صدى واسعاً في معظم وسائل الإعلام وتصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بدا الأب مصدوماً متبلد الحواس شاخصاً ببصره في الأفق البعيد، وكأنه يعاتب الطيران لماذا أبقاه حيّاً ليعيش تفاصيل هذه اللحظات، ولماذا لم يأخذ أرواح كل الأسرة كما جرت عادة قصفه واستهدافه المتواصل، مشهد يختزل مظلومية اليمن في أبلغ تفاصيله على بعد ميل من البراءة المغلفة بالموت، حيث سقط نيزك من الحزن ليمسح دمعة أب بلدته الصدمة، ثم تابع صعوده إلى السماء ومعه روحا الطفلين، تاركاً خلفه روح الأب تراوح بين الحياة وضدها.
في مديرية الظاهر غرب مدينة صعدة تزايدت وتيرة القصف الجوي في استهداف المدنيين ومنازلهم وممتلكاتهم، الأمر الذي أجبر معظم السكان على النزوح منها باتجاه مناطق أخرى من المدينة هرباً من الموت الذي رأى فيه تحالف العدوان الكأس المناسب لسقاية اليمنيين الصامدين والثابتين رغم كل غطرسته الإجرامية وأهدافه المبيّتة لإبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم الصامت الذي أثقلت لسانه حزم المال المكدسة الممنوحة بسخاء.
"حسن"، هذا الرجل الثلاثيني الذي أنهكت ملامحه تجاعيد البؤس وترهلات الوجع غادر مع طفليه "نبيل" ذي الثلاث سنوات وشقيقته "صمود" الرضيعة من مديرية الظاهر تحت وطأة القصف والدمار، قاصداً منطقة مران في مديرية حيدان في مدينة صعدة، حيث أقام في أحد المنازل هناك متعشماً الأمان وحالماً بالسكينة والطمأنينة المؤقتة ليقينه بأن هذا العدوان لا يملك أخلاقاً ولا قيماً تظهره في قناع الإنسانية، ولإدراكه أن المدنيين باتوا هدفاً مشروعاً في قاموس التحالف المثقل بمفردات الموت والحصار وتشكيلات الدمار والخراب، لكنه مع ذلك سلّم مصيره للقدر، ولم يجد فرقاً بينه وبين أولئك الذين صمدوا في وجه الهلاك حتى لقوا مصيرهم شامخين عزيزي النفس رافعي الهامات التي لا تعرف للاستكانة منفذاً.
وعلى نفس الوتيرة مضت جرائم العدوان في استهداف المؤسسات المدنية والحيوية، حيث استهدفت مخازن الغذاء العالمي بالحديدة في مؤشر لتنفيذ خطة ممنهجة بجعل المخازن والصوامع والأحياء المكتظة بالسكان أهدافاً مشروعة لعملياتها الإرهابية، وهو ما علّله رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي بالقول بأن التسامح الدولي مع إرهاب هذا العدوان هو ما شجعه على ارتكاب الجرائم بتعمّد وتخطيط كما هو حاصل الآن.
ووسط شلالات الدماء ولهب التصعيد وصل المبعوث الأممي "مارتن غريفيث" إلى صنعاء والتقى وزير الخارجية المهندس هشام شرف، حيث قدم المبعوث الأممي ملخصاً عن مشاوراته التي عقدها مع وفد حكومة المرتزقة، معبّراً عن أسفه لعدم تمكّن الوفد الوطني من مغادرة صنعاء، لافتاً إلى أنه لا يزال يؤمن بإمكانية استمرار العمل من أجل الوصول إلى تسوية وبناء الثقة، وفي المقابل أكد وزير الخارجية أن تحالف العدوان هو من عرقل وصول الوفد الوطني للمشاورات مشيراً إلى أنه وبالرغم من ذلك لا تزال القيادة السياسية وحكومة الإنقاذ الوطني تدعمان كل الجهود والمساعي الحميدة نحو السلام العادل والمشرف للشعب اليمني وصولاً إلى تسوية سياسية، مشدداً على ضرورة اضطلاع الأمم المتحدة، بما في ذلك المبعوث الخاص بدورها بالضغط على دول تحالف العدوان والمرتزقة بأهمية الالتزام بقواعد الاشتباك المتعارف عليها في الحروب وفقاً للقانون الإنساني الدولي ووقف استهداف المدنيين وممتلكاتهم الخاصة من منازل ومزارع ومصانع وورش وقوارب صيد وثروة حيوانية وغيرها.
في هذه الأثناء وقعت في صنعاء مذكرة تفاهم لإنشاء جسر جوي طبي، وهو ما اعتبره وزير الخارجية حلّاً جزئياً لذوي الحالات الحرجة والمستعصية ولا تشكل إلا نسبة ضئيلة جداً من إجمالي الحالات المرضية التي هي بحاجة لتلقي العلاج في الخارج، مؤكداً على أن إعادة فتح مطار صنعاء حق سيادي إنساني للجمهورية اليمنية وسيتم عاجلاً أو آجلاً.
وبالرغم من وجود المبعوث الأممي في اليمن لبحث مساعي السلام إلا أن طائرات العدوان لم تلقِ بالاً لوجوده، وقام طيرانها باستهداف إذاعة الحديدة مخلفاً شهداء وجرحى في محاولة منه لإسكات الحقيقة التي كشفته في معركة الوعي وصهرت طبخاته الإعلامية المضللة.
بقلم: فؤاد الجنيد