الوقت- أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية في الأول من شهر أغسطس 2018، حزمة من العقوبات ضد وزير العدل ووزير الداخلية التركي بدعوى أنهما لعبا دوراً مهماً في اعتقال الكاهن الأمريكي "أندرو برانسون" ولقد اتهمت الحكومة التركية "برانسون" والمعتقلين الآخرين بالتجسس والقيام بأعمال إرهابية داخل الأراضي التركية وعقب فرض واشنطن حزمة العقوبات هذه، انخفضت قيمة العملة التركية مقابل الدولار الأمريكي بشكل كبير، وهذا الأمر أثار غضب السلطات في أنقرة، حيث أعرب الرئيس التركي بأن هذه الأزمة التي خلقتها أمريكا سوف تساعد تركيا على تحسين علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع جيرانها وأصدقائها في المنطقة وهنا يبدو أن تركيا وأمريكا على شفا حرب اقتصادية، ولمناقشة هذا الأمر أجری موقع الوقت مقابلة مع الأستاذ "سيد علي قائم مقامي"، الخبير في الشؤون التركية، لدراسة الآثار والنتائج المحتملة لهذه الحرب الاقتصادية على كلا البلدين.
المراسل: كيف كانت العلاقات بين البلدين خلال الفترة السابقة؟ وما هي التطورات التي حصلت بين البلدين والتي بموجبها قامت واشنطن بشكل مفاجئ بفرض عقوبات اقتصادية على حليفتها تركيا؟
الأستاذ قائم مقامي: في أوائل الخمسينات قامت تركيا وأمريكا بتوسيع علاقاتهما الاقتصادية والسياسية وفي عام 1952 أطلقت تركيا خطة "ترومان مارشال"، لتصبح بعد ذلك عضواً في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ومنذ ذلك الحين، أصبحت العلاقات بين أنقرة وواشنطن قوية جداً، بحيث قامت أمريكا ببناء قواعد عسكرية لها في عدد من المناطق داخل تركيا، ولكن قبل عدة سنوات ظهرت العديد من الاختلافات الأساسية بين أمريكا وتركيا، مثل قضية "فتح الله غولن"، وبنك الشعب التركي، والدعم الأمريكي للجماعات الإرهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني التركي، والسياسات الأمريكية تجاه العراق وسوريا وبعض دول المنطقة، وعلاقات تركيا مع روسيا، وكل هذه الاختلافات تسببت في خلق تناقضات بين واشنطن وأنقرة.
المراسل: ما هي أهداف أمريكا من فرضها لهذه العقوبات الاقتصادية على أنقرة؟
الأستاذ قائم مقامي: على الرغم من أن الأزمة التركية الأمريكية نشأت بعدما قامت السلطات التركية باعتقال كاهن أمريكي، إلا أن واشنطن لم تشترط على تركيا الإفراج عن هذا القس فقط، بل إنها وضعت شروطاً استفزازية أخرى لرفع عقوباتها الاقتصادية على أنقرة وهذا الأمر هو ما أدّى إلى حدوث أزمة بين البلدين وهنا يمكننا الإشارة إلى بعض من هذه الشروط الاستفزازية:
1. الإفراج عن القس "برانسون" و 20 جاسوساً آخر.
2. يجب على تركيا مراجعة علاقاتها السياسية مع روسيا.
3. يجب على أنقرة الاعتراف بمدينة "القدس" عاصمة للكيان الصهيوني.
4. يجب على الحكومة التركية وقف التنقيب عن موارد النفط والغاز بالقرب من جزيرة "قبرص".
5. يجب على الحكومة التركية تسليم حقوق التعدين في البلاد للشركات الأمريكية.
6. يجب على أنقرة إعلان الموافقة على عدم إصدار أحكام قضائية بحق النائب السابق لرئيس بنك الشعب التركي.
7. يجب على الحكومة التركية ألّا تطالب أمريكا بتسليم "فتح الله غولن"، المتهم بتدبير انقلاب عسكري في 15 يوليو 2016.
المراسل: كيف سيكون تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد التركي؟
الأستاذ قائم مقامي: في البداية سوف أقوم بتقديم سلسلة من القضايا والإحصاءات المتعلقة بالاقتصاد التركي:
القضية الأولى: لدى تركيا ما لا يقل عن 466 مليار دولار من الديون الخارجية للدول الغربية والدول الخليجية ودول أخرى.
القضية الثانية: تعاني تركيا من عجز في الميزانية العامة يصل إلى أكثر من 57 مليار دولار ولقد أعلن البنك المركزي التركي أنه من المتوقع أن يصل العجز إلى 50 مليار دولار بحلول نهاية هذا العام.
القضية الثالثة: يتأرجح معدل البطالة في تركيا ما بين حوالي 13٪ و15٪ ، منها حوالي 20٪ من الشباب العاطلين عن العمل الذين تصل أعمارهم بين 15 و 30 سنة.
القضية الرابعة: في وقتنا الحالي بلغ التضخم في تركيا حوالي 15 ٪.
وبالنظر إلى مثل هذا الوضع التي تعاني منه تركيا، فإن العقوبات الاقتصادية الأمريكية أيضاً ستجعل اقتصاد البلاد أكثر ضعفاً، وعلى الرغم من عدم وجود عقوبات شاملة في الوقت الحالي، إلا أن اقتصاد تركيا أصبح هشّاً وضعيفاً ومنذ فرض العقوبات الاقتصادية على أنقرة، انخفضت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار بشكل كبير جداً.
المراسل: تعتقد بعض المصادر الغربية أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على تركيا، سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، بنظركم ما هي هذه الآثار؟
الأستاذ قائم مقامي: صرّح كل من مسؤولي الاتحاد الأوروبي و"أنجيلا ميركل" بأن العقوبات الاقتصادية التركية سيكون لها تأثير سلبي على اقتصاد هذا الاتحاد وحتى على العالم كله وذلك لأن الاتحاد الأوروبي استثمر 165 مليار دولار في تركيا خلال السنوات الـ16 الماضية وهناك الآلاف من شركات الاتحاد الأوروبي تستثمر وتعمل في تركيا وفي الوقت الحالي، لدى تركيا الكثير من العلاقات التجارية مع الدول المجاورة لها وعلى سبيل المثال، تمتلك تركيا أكثر من 30 مليار دولار مع روسيا، وأكثر من 12 مليار دولار مع العراق، ولديها أكثر من 10 مليارات دولار مع إيران، ولديها علاقات تجارية كبيرة مع دول القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والدول الخليجية، وانهيار الاقتصاد التركي، سيكون له تأثير سلبي على اقتصادات هذه الدول والعالم كله.
المراسل: ما مدى مرونة تركيا في هذه الحرب الاقتصادية؟
الأستاذ قائم مقامي: إن مرونة الاقتصاد التركي يعتمد على الأسس الاقتصادية للبلاد وبسبب عدم توصل الجانبين إلى حلول مرضية، فإنه من الممكن للمرء أن يتوقع أن التوترات سوف تزداد في علاقات أنقرة مع واشنطن، وهذا الأمر سيزيد من الأضرار الاقتصادية التي سوف تلحق بالاقتصاد التركي ووفقاً لما ذُكر أعلاه، فإن الوضع الاقتصادي التركي هش وضعيف وقد يؤدي تشديد العقوبات إلى تأزم الوضع الاقتصادي في تركيا وذلك لأن عجز الميزانية للبلاد بلغ في العام الماضي 57 مليار دولار وهذه الأمور كلها لا تنذر بخير.