الوقت- على خلفية العقوبات التي فرضتها أمريكا على تركيا بسبب اعتقال أنقرة للقس الأمريكي المثير للجدل اندرو برونسون وعدم تسليمه إلى واشنطن، والأزمة القائمة حالياً على صعيد العلاقات بين البلدين، فقد هدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيتخذ موقفاً عنيفاً وسيبحث عن أصدقاء وحلفاء جدد في حال أصرّت أمريكا على مواصلة سياساتها العدائية ضد بلاده.
هذه التطورات تعيد إلى الاذهان المواقف المعلنة في وقت سابق من جانب الساسة الأتراك تحت عنوان "التوجه نحو الشرق"، ومن شأنها أن تقوّي اندفاع تركيا نحو الشرق وخاصة روسيا عقب فشلها في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي والتوتر في العلاقات مع أمريكا.
وترتكز الأهداف التي تسعى وراءها تركيا من خلال توجهاتها الجديدة في الحفاظ على السيادة الوطنية وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية والالتفاف على العقوبات الأمريكية وإفشال سياسات ترامب العنيفة ضدها.
وفي هذا الإطار يرى المحللون أن تنامي العلاقات التركية - الروسية خلال الفترة الأخيرة يشكّل أحد معالم التغيير في سياسات "التوجه نحو الغرب" التقليدية التي وضعها "اتاتورك" بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الامبراطورية العثمانية.
السؤال الأساسي الذي يطرحه المراقبون للشأن التركي في ضوء التجاذبات السياسية والاقتصادية المتجددة بين أنقرة وواشنطن، وتداعيات سياسة "التوجه إلى الشرق" التركية هو أنه "هل سيكون بإمكان تركيا بناء تحالفات جديدة وترجمة مواقفها السياسية الجديدة على أرض الواقع، بما يؤدي إلى إعادة النظر في علاقاتها التقليدية ولا سيما التحالفات التي تجمعها بالغرب؟
يأتي ذلك فيما تشكل تركيا حليفاً استراتيجياً بالنسبة لأمريكا والدول الأوروبية من خلال عضويتها في الحلف الاطلسي (الناتو).
يرى المحللون أن الإجراءات الأمريكية الأخيرة والرامية إلى تضييق الخناق على تركيا انعكست اليوم سلباً على التوجهات التركية نحو الغرب، وأضيفت إلى تجاهل الاتحاد الأوروبي لمطالب تركيا على مدى العقود الماضية بالانضمام إلى الاتحاد، الأمر الذي يفسّر أسباب امتعاض أنقرة وانتهاجها لسياسات جديدة تجاه أمريكا وأوروبا أو بالأحرى حلفائها الغربيين.
ويجد البعض من هؤلاء المحللين، أن تركيا تواجه اليوم أزمة حقيقة على خلفية هذه التطورات وهي لن تكون قادرة على مواجهة أمريكا التي تفرض سيطرتها على المحيط الإقليمي لتركيا، كما توجد هناك توقعات بعدم استطاعة "الليرة التركية" التعافي التام والعودة إلى قوتها السابقة حتى في حال انتهاء هذه الأزمة.
لكن في المقابل هناك من يرى أن جهود الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وتوجهاته الجديدة والمتمثلة في رغبة أنقرة المعلنة لتعزيز علاقاتها مع كل من روسيا وإيران والصين، وأيضاً اعتماد العملات الوطنية المتبادلة مع تلك البلدان (بديلاً عن الدولار) في التعاون الاقتصادي معها، كل هذه المستجدات وضعت أمريكا والاتحاد الأوروبي أمام تحديات جادة للغاية.
وإن ما يعزز هذا الرأي، يكمن في مكانة تركيا الجيوسياسية التي تحظى بأهمية بالغة ومصيرية بالنسبة لأمريكا والبلدان الأوروبية، فالغرب لا يريد أن يخسر حليفته العسكرية.
كما أن أمريكا ستضطر على خلفية هذه التطورات والتغير الحاصل في سياسات تركيا لإعادة النظر في سياساتها حيال منطقة الشرق الأوسط وهو أمر مكلف بالنسبة لواشنطن ولا ترغب أن تتورط فيه.
فكلّ ما يرمي إليه ترامب من خلال تشديد الضغوط على تركيا لا يتعدّى تحقيق بعض النتائج بما فيها إلزام أنقرة بالإفراج عن القس الأمريكي برونسون، والتخلي عن استلام منظومة "اس 400 من روسيا"، والتغيير في جانب من سياساتها داخل سوريا، وغيرها من القضايا التي يسعى الرئيس الأمريكي للتوصل إلى اتفاق مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان دون أن يرغب في تدمير العلاقات التقليدية القائمة بين تركيا والحلف الغربي نهائياً.
الهاجس الأمريكي هذا، لم يكن خافياً على أردوغان الذي بات يقيّم تصرفات ترامب الدولية جيداً، وبذلك فقد كرّس الرئيس التركي جهوده لمواصلة استخدام آلياته الجديدة والمؤثرة ضد واشنطن سعياً منه لإيجاد توازن قوى بين أمريكا وحلفائه الأوروبيين وبالتالي حثّ هذه الدول على مواجهة ترامب ووضع حدّ لمواقفه العنيفة من بلاده.