الوقت- نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالاً في افتتاحيتها يوم أمس، تناولت فيه الأنباء التي تحدثت عن نية الرياض إعدام خمسة من النشطاء، بأنها تصرُّف بربري، مؤكدةً أن أي معارضة بالسعودية صارت تودي بصاحبها إلى الموت، في ظل عهد الإصلاحات التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وفي مقدمة المقال قالت الصحفية إن "محمد بن سلمان تعهد في إطار ما يُعرف برؤية 2030، بالاستماع لكل وِجهات نظر المواطنين، وأنه يستمع إلى كل الرؤى والآراء، ويريد أن يمنح الجميع الفرصة ليقولوا كلمتهم".
وأضافت "لكن الحقيقة ليست جميلة فالحديث والمعارضة في السعودية يمكن أن يؤديا إلى الموت بقطع الرأس، ومثال على ذلك، إسراء الغمغام، وهي ناشطة حقوقية شيعية تبلغ من العمر 29 عاماً، أُلقي القبض عليها مع زوجها موسى الهاشم في ديسمبر 2015، وما زالت محتجزة احتياطياً منذ ذلك الحين دون تمثيل قانوني".
وفي سابقة فريدة، تلقّى الاقتصاد الخليجي، والسعودي على وجه الخصوص، ضربة موجعة متأثراً بحملة توقيفات مفاجئة ومكثفة نفذتها سلطات المملكة، السبت، طالت 11 أميراً و4 وزراء حاليين، وآخرين سابقين، "بتهم الفساد".
بداية الضربة كانت بسقوط حاد للبورصة السعودية صاحبة أقوى اقتصاد عربي، لتتبعها بقية البورصات الخليجية. وشنّت أجهزة الأمن السعودية حملة اعتقالات جديدة، طالت هذه المرة أمراء يشغلون مناصب حساسة بالدولة، في حين أشارت أنباء إلى اعتقال وزير الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبد الله، بعد وقت قصير من إعفائه من منصبه.
وجاءت القرارات بعد وقت قصير من إصدار العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، أمراً ملكياً يُعفي بموجبه وزير الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبد الله، من منصبه.
فموجة الاعتقالات أربكت المستثمرين، علاوة على أنها طالت رجال أعمال يملكون شركات توصف بأنها "عمالقة الاقتصاد العربي"، إضافة إلى امتلاك 6 منهم فقط، ثروات لا تقل عن 43.8 مليار دولار.
وصباح اليوم الأول بعد حملة التوقيفات، هبطت البورصة السعودية بنسبة 2.1%، قبل أن تتراجع تلك الخسائر في وقت متأخر مع اقتراب انتهاء التداول لتصل إلى نسبة 1.3%.
ومع هبوط البورصة السعودية، تبعتها بقية بورصات دول مجلس التعاون الخليجي بانزلاقات حادة وبنسب متفاوتة؛ فبورصة دبي انخفضت بمعدل 1.14%، في حين هبطت بورصة أبوظبي بوتيرة أقل؛ إذ بلغت نسبتها 0.37%.
الخسائر امتدت إلى بورصة الكويت، حيث تراجع مؤشرها بنسبة 1.33%، كما طال الهبوط البحرين، لكنها كانت الأقل تأثراً، فانخفض المؤشر العام لبورصتها بنسبة 0.15%. وفي قطر، هبط مؤشر بورصة الدوحة بنسبة 0.6%، في حين نجحت بورصة مسقط في تجاوز الخسائر التي تلقتها في بداية التداول، لتغلق على ارتفاع بنسبة 0.31%.
- هبوط البورصات سيتواصل
وفي تحليله لحركة البورصات هذه، قال الخبير المالي والمصرفي محمد البطلي: إن "حملة الاعتقالات التي شهدتها السعودية كانت بمثابة زلزال مفاجئ تسبب في إرباك الأوضاع السياسية والاقتصادية على حد سواء".
أضاف البطلي: "الهبوط الحاد الذي أصاب البورصات، كان سببه موجة البيع الكبيرة التي نتجت عن حالة خوف وإرباك وصدمة أصابت المستثمرين المحليين والأجانب، إثر حملة الاعتقالات".
وتوقَّع أن تتواصل موجة هبوط البورصات الخليجية، لكن بصورة أقل حدَّة عما كانت عليه في أول يوم بعد قرارات التوقيف؛ وذلك بسبب التراجع المتوقع في حركة البيع مع بدء تداولات يوم الاثنين، كنتيجة لاستيعاب المستثمرين الصدمة وتطمينات السعودية.
لكن المتخصص المالي لا يستبعد أن يستمر تراجع الاقتصاد الخليجي خلال الفترة المقبلة، حال استمرت التوترات السياسية والعسكرية (في إشارة إلى عمليات التحالف ضد الحوثيين والرد عليها) تخيم على المنطقة.
- لا أفق إيجابياً
المستشار الاقتصادي عبد التواب بركات، لم يختلف في تحليله عن سابقه، فرأى أن ما حدث بالسعودية هز ثقة المستثمرين، سواء كانوا أجانب أو سعوديين، على المدى القصير؛ ما أدى إلى تهاوي البورصة السعودية.
وقال بركات إن "أخبار اعتقال الأمير الوليد بن طلال، صاحب مجموعة المملكة القابضة، هوت بأسهم شركته لتخسر نحو 900 مليون دولار، وهذه المجموعة من أهم الشركات السعودية".
وأضاف: "في ظل استمرار السياسات الجديدة التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، لا أرى أفقاً إيجابياً للأوضاع الاقتصادية والاستثمار طويل الأجل بالمملكة".
واستدرك بركات بالقول: "بل العكس، سوف تتخارج الأموال من البورصة السعودية على المديَين المتوسط والمستقبلي، ما لم تتغير السياسات والأوضاع السياسية بالسعودية أو تستقر".
وعن تأثر بقية البورصات الخليجية بالأوضاع في السعودية، أوضح بركات أن البيئة الاقتصادية الخليجية متداخلة، "فالشركة الواحدة لها مستثمرون ومشاركون من الدول المختلفة؛ لذلك تأثرت بورصات دول مجلس التعاون".
المستشار الاقتصادي أكد ضرورة سعي السعودية وعملها من أجل استقرار الأوضاع بالمنطقة، وأن تحاول حل المسائل العالقة بين دول المجلس؛ حتى يعود الاستقرار لاقتصاد أعضائه.
وإضافة إلى ما ذكره المتخصصان الاقتصاديان عن أسباب الخسائر الهائلة بالبورصات، فإن عدداً كبيراً ممن طالتهم الاعتقالات لا تخلو قوائم أثرياء العالم من أسمائهم، وستة منهم فقط يملكون ثروات تقدَّر بـ43.8 مليار دولار أمريكي. ولعل تعرُّض هذا الرقم لأي خطر كفيل بإرباك اقتصاد دول الخليج بأكمله.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن اعتقال الملياردير السعودي الوليد بن طلال على خلفية تهم بالفساد، حدثٌ بدأ صداه يتردد في الشركات العالمية وأسواق المال؛ لما للرجل من مكانة كبيرة في عالم المال والأعمال، فهو يملك العشرات من الشركات الكبرى في العالم ولديه استثمارات تمتد على خارطة الأرض. وتوضح الصحيفة أن الوليد يعد أحد جبابرة المال، بالإضافة إلى بيل غيتس وروبرت مردوخ، كما أن اعتقاله سيهز ثقة المستثمرين بالسعودية. وكان الوليد بن طلال قد اعتُقل مع عدد آخر من الأمراء السعوديين والوزراء، في خطوة غير متوقعة بعد ساعات من إنشاء الملك سلمان هيئة تُعنى بمكافحة الفساد وأسند مهمتها إلى ابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.