الوقت- أعرب "ديفيد أولبرايت" مدير المعهد الأمريكي الدولي للعلوم والأمن، عن مدى أسفه لأن أمريكا لم تستطع أن تتفق مع دول الاتحاد الأوروبي على استراتيجية " إصلاح الاتفاق النووي" والذي أدّى في نهاية المطاف إلى انسحاب واشنطن منه، حيث قال: "كان يجب على الطرفين عقب فرضهم للكثير من القيود الصارمة والإضافية على الاتفاق النووي الإيراني، أن يطالبوا طهران بالاستمرار في الالتزام بتنفيذ جميع البنود والقيود السابقة فيما يخص هذا الاتفاق النووي" وفي حديث له خلال مشاركته في المؤتمر الدولي الذي عقد في الـ"20 يوليو" الماضي في مركز سياسات الشرق الأوسط (MEPC) في مبنى الكونغرس الأمريكي في العاصمة الأمريكية واشنطن، والذي تم نشره مؤخراً في العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، قال "أولبرايت": "قبل أن ينسحب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي، كانت جميع الدول الأوروبية تقوم بعقد مفاوضات مكثفة مع واشنطن، حيث تم الاتفاق في تلك المفاوضات على قضايا مثل الحاجة إلى تفتيش المراكز العسكرية الإيرانية والحدّ من برنامج إيران الصاروخي والحفاظ على القيود التي كانت مفروضة على برنامج طهران النووي لفترة تستغرق 10 سنوات، ولكن للأسف الشديد لم تتمكن تلك الأطراف من الاتفاق على آلية لتنفيذ هذه الأهداف".
وفي سياق متصل لفت "أولبرايت" الذي لعب دوراً رئيسياً في تطوير خارطة طريق للمفاوضين الأمريكيين للدخول في محادثات دولية انتهت بالتوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران ومجموعة "5+1"، إلى أنه هو الذي ابتكر مفهوم "زمان الانسحاب من الاتفاق النووي" وحول هذا السياق قال: "في الحقيقة إن الاتحاد الأوروبي وبالأخص بريطانيا وألمانيا وفرنسا كانوا يقومون بالكثير من المفاوضات والمناقشات حول العديد من القضايا مع حكومة الرئيس الأمريكي "ترامب" ولقد اتفقوا بأن قيام طهران بالمزيد من عمليات التخصيب النووية، يُعدّ تهديداً كبيراً لهم ولقد كانوا قريبين جداً من التوصل إلى حل مشترك".
وعلى الرغم من أن "أولبرايت" رئيس المعهد الدولي للعلوم والأمن، كان يقدّم الكثير من المشورة لحكومة أمريكا السابقة، إلا أنه وبعد تولي "ترامب" زمام الأمور في البيت الأبيض، أصبح أحد منتقدي هذا الاتفاق النووي وأحد الأشخاص الذين يتفقون إلى حد كبير مع آراء أشخاص مثل "مارك دووبوفيتز"، مدير المعهد اليميني لـ "الدفاع من أجل الديمقراطيات" والذي يعدّ من أهم المؤيدين لاستراتيجية "الإجراءات التصحيحية للاتفاق النووي"، التي استندت إلى الحفاظ على الإطار العملي للاتفاق النووي وإضافة أحكام جديدة إليه.
وفي اجتماع عقده في شهر "يوليو" الماضي، وصف "أولبرايت" الخلاف بين أمريكا والاتحاد الأوروبي حول كيفية "إصلاح عيوب الاتفاق النووي"، بأنه "مأساة"، وقال إن القضية هي "أن هذه الحكومة، والرئيس "ترامب"، قرروا أن المواجهة يجب أن تحدث الآن، ويجب أن تفرض واشنطن العقوبات على إيران خلال الفترة الحالية" ووفقاً لما صرّح به "أولبرايت"، كان من المفترض أن تستخدم واشنطن استراتيجية "إصلاح عيوب الاتفاق النووي"، للاستمرار في ممارسة ضغوطاتها على إيران لمواصلة العقوبات عليها، بعد 6 إلى 8 سنوات عند انتهاء صلاحية تلك القيود المتعلقة بقضية التخصيب والصواريخ.
وحول هذا السياق، أعرب "أولبرايت" قائلاً: "يجب أن اعترف بأن استراتيجية "إصلاح عيوب الاتفاق النووي"، كانت تهدف إلى تنفيذ هذه الاتفاقية من خلال القيام بعمليات تفتيش أفضل ومعاينة برنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات لإيران ولكن لم تكن لديهم نية صادقة للقيام بهذه الأمور ولهذا فلقد ظلّ هذا "الاتفاق" كما كان، وكانوا يريدون إيصال رسالة لإيران مفادها أنها إذا أرادت زيادة عمليات التخصيب النووي في المستقبل، فإنها سوف تواجه العديد من الأمور السيئة ولهذا السبب، فإن الإيرانيين سيضطرون إما أن يجلسوا على طاولة المفاوضات ويتفاوضوا أو أنه لن يكون بمقدورهم القيام بزيادة قدرة التخصيب النووي الخاص بهم".
وخلال هذا الاجتماع، مضى "أولبرايت" إلى شرح الاستراتيجية الأمريكية بعد مغادرتها لهذا الاتفاق النووي، حيث قال: "إن واشنطن، رغم خروجها من هذا الاتفاق، إلا أنها لم تقم بإفشاله كلياً"، ولفت " إلى أن أحد الأحداث المثيرة للاهتمام هو أن أمريكا قررت عدم خرق هذا الاتفاق النووي أو القضاء عليه بشكل كامل".
ولقد أوضح "أولبرايت"، بأن نهج أمريكا قائم على المثل القائل "أريد الله وأريد التمر"، وقال إن الوضع الذي تعيش فيه إيران الآن، هو ذلك الوضع الذي كان يسعى "ترامب" وحكومة أمريكا على إيجاده، حيث لفت :" إلى أنهم فرضوا عقوبات تسببت لإيران بأضرار كثيرة، وفي الوقت نفسه أجبروا إيران على عدم انتهاك القيود المفروضة على ذلك الاتفاق النووي وإلا فإنهم سيطلبون من الاتحاد الأوروبي إنعاش عقوباته على طهران ولقد أعلن الأوروبيون موافقتهم الرسمية على هذا الأمر في اجتماع اللجنة المشتركة " وأضاف "أولبرايت" :" لقد أبلغت فرنسا ودولاً أخرى، إيران بأنها إذا انتهكت هذه القيود، فإنها سوف تواجه عودة عقوبات الاتحاد الأوروبي وستعود أيضاً عقوبات الأمم المتحدة التي كانت مفروضة عليها في الماضي".
وفي السياق ذاته، أشار "أولبرايت" أيضاً إلى أن أمريكا كانت تسعى إلى تحقيق هدفها وسياستها تجاه إيران والمتمثلة في إعادة عمليات "التخصيب المحدود" إلى "التخصيب الصفر"، حيث قال: " أنا على اعتقاد كامل بأن طهران لن تغادر هذا الاتفاق النووي، لكن من المستحيل التنبؤ بالمستقبل وربما نشهد في المستقبل الكثير من الفوضى والمشكلات فيما يخص علاقاتنا مع إيران" وهنا وصف "أولبرايت"، آلية التفتيش المتعلقة بالاتفاق النووي، بأنها لم تكن كافية وقال في جزء آخر من هذا الاجتماع، بأنه حتى إذا انسحبت إيران من هذا الاتفاق النووي، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستواصل عمليات التفتيش للمنشآت النووية الإيرانية وذلك بموجب بروتوكولات معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.