الوقت- هي الرياح التي لا تترك أحداً.. والتي غالباً ما تأتي عكس ما يشتهيه البحّارة، ربما هذا هو التعبير الأدّق لإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، التي كانت وكما تؤكّد أسعار سوق العملات في طهران برداً وسلاماً على إيران، بل أكثر من ذلك إذ بدأ سعر الدولار في السوق الإيرانية يهوي إلى مستوياتٍ جديدة لم يكن يتوقعها حتى أكثر المُحللين تشاؤماً، وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، فسينافس الريال الإيراني الدولار الأمريكي في السوق العالمية، خصوصاً وأنّ عدداً كبيراً من بلدان العالم يرفض الانصياع للرغبات الأمريكية وهذا الرفض هو الرياح التي هبّت على السفن الأمريكية، والتي سيُغرقها سيد البيت الأبيض بطيشه وعنجهيته وغروره.
ووفقاً لتقرير صادر عن موقع (هيل) المرتبط بالكونغرس الأمريكي، أكد أنّ خروج أمريكا من خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي) والعمل بخطة ترامب لإعادة فرض العقوبات على إيران هو أمر محكوم عليه بالفشل مُسبقاً.
وحول ما إذا كانت العقوبات الأمريكية الجديدة ضد إيران ستلبّي أهداف واشنطن المنتظرة، يؤكد التقرير أنّ التحرك الأمريكي الجديد والخاص بفرض عقوبات إضافية على طهران من جهة، ومعاقبة المؤسسات والدول التي ستواصل تجارتها مع إيران من جهة أخرى، وعلى الرغم من شدّة هذه العقوبات إلا أنّها لن تُغيّر من الأمر شيئاً.
أما أسباب فشل العقوبات الأمريكية ضد إيران فهي "كما يؤكد التقرير":
أولاً: إنّ موضوع العقوبات من شأنه جذب الحلفاء كآلية لخدمة السياسة الخارجية مع استخدام وسائل دبلوماسية أخرى لتحقيق أهدافها، وعلى هذا الأساس فإن معاملة الحلفاء وتهديدهم بالعقوبات المتساوية بهدف إجبارهم على الانضمام إلى العقوبات ضد طهران والمرتبطة أساساً بأمريكا يتطلب أن تأخذ قضايا السياسيات الخارجية لتلك البلدان في الحسبان وبطريقة ذكية.
وعلى هذا الأساس فإنّ أيّ تقييمٍ صحيح يبين أن حكومة ترامب لا تمتلك سياسة خارجية متماسكة تؤدي إلى نجاح هذه العقوبات، وهنا لا يمكن إجراء هذه العقوبات وتهديد الحلفاء وإرسال رسائل متناقضة إلى البلدان المعادية لأن ذلك من شأنه أن يُقوّض الجهود الرامية إلى تشكيل ائتلاف فعّال.
ويشير التقرير إلى أن المعاملة الدبلوماسية غير الملائمة لأصدقاء واشنطن، بالإضافة إلى التهديد بفرض عقوبات ضدهم وذلك بعد فرض الرسوم جمركية الصارمة من قِبل إدارة ترامب في وقتٍ سابق، والتي اعتبرها الكاتب بأنّها "الأكثر تدميراً" من بين إجراءات الإدارة الأمريكية، وبالإضافة إلى ذلك يجب ألّا ننسى أن حلفاء واشنطن يرفضون وبشدة انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران، والذي يُعدُّ الأساس بفرض العقوبات الجديدة مؤكدين أنّ العقوبات ليست أفضل الطرق لتلبية المطالب الأمريكية.
أما النقطة الأخيرة فهي وبحسب التقرير أن العديد من الاقتصاديين يعتقدون أن هناك عدة عوامل كان من الواجب أخذها في الحُسبان، بما في ذلك النمو الكبير في الأعمال والموارد البشرية في إيران الأمر الذي يُمكّن طهران من مقاومة العقوبات الجديدة، حيث يأمل الشركاء التجاريون والمستثمرون الجدد مثل (تركيا والهند)، إلى جانب الشريكين التقليديين (الصين وروسيا) – بالحصول على حصة في السوق الإيرانية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الزيادة السريعة في أسعار النفط الخام بعد الإعلان عن العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد إيران تشير إلى أن عدم استقرار سوق النفط قد يؤدي إلى نتائج سلبية أكثر من تلك المتوقعة وعلى مستوى العالم، وبناءً عليه فإنّ طهران ستكون قادرة على السيطرة على جزء كبير من الضغط الاقتصادي الذي تواجهه.
وعلى الطرف المقابل أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أن طهران قد تجري محادثات مع أمريكا إذا أثبتت واشنطن أنها جديرة بالثقة بعد أن انسحبت من الاتفاق النووي وأعادت فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية.
وأضاف روحاني: "نفضل دائماً الدبلوماسية والمحادثات، لكن المحادثات تتطلب الأمانة، وأمريكا تعيد فرض العقوبات على طهران وتنسحب من الاتفاق النووي ثم تريد إجراء محادثات معنا"، وذهب روحاني إلى أنّ دعوة ترامب لإجراء محادثات مباشرة ما هي إلا للاستهلاك المحلي وتهدف إلى إثارة الانقسام والفوضى داخل إيران.
من جهته أكد وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف أن بلاده ليست معزولة في العالم، مشيراً إلى أن ترامب وأمريكا أصبحوا معزولين بسبب سياساتهم العدائية تجاه طهران، مؤكداً أن ترامب وحلفاءه أصبحوا رمز عدم الثقة في العالم، مؤكداً أنّ سياساتهم الظالمة وإجراءاتهم العنيفة عزلتهم، ونأى العالم بنفسه عن سياساتهم العدائية تجاه إيران، مشيراً إلى أنّ بلاده تخطّت مراحل حساسة خلال العقود الأربعة الماضية.
بدوره رئيس البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي أكد أنه سيسمح للصرَّافين بإدخال العملات الأجنبية والذهبية إلى إيران من دون أيِّ ضرائب، مشيراً إلى أنّه يعتمد سياسة تسعى إلى زيادة احتياطيات البنك المركزي.
وفي النهاية يؤكد التقرير الأمريكي أنّ فشل استراتيجية العقوبات الأمريكية الحالية لن يكون بسبب عدم وجود سلطة عقابية، ولكن لأن حكومة ترامب تسعى لتغيير النظام في إيران من خلال العقوبات، وهذه ليست أفضل استراتيجية لنجاح السياسة الخارجية الأمريكية.
إذن فإنّ واشنطن وكما يقول التقرير عملت على فرض العقوبات الإضافية في الوقت الذي يشتعل العداء التجاري مع الحلفاء، الأمر الذي بات يُشكّل فرصة كبيرة لأعداء واشنطن، وفي النتيجة فإنّ هذه العقوبات الأمريكية الإضافية على طهران سيكون لها تأثير محدود على الاقتصاد الإيراني.