الوقت- تُعدّ منطقة إقليم كردستان العراق من أهم المناطق الحسّاسة بالنسبة للعراقيين وفي هذه المنطقة التي تمتاز بحكم ذاتي "فدرالي" منذ عام 2003، توجد نزعات انفصالية لدى جزء كبير من القوى السياسية النشطة ولا سيما الحزب الديمقراطي الذي يتزعّمه "مسعود بارزاني" وهذه النزعات الانفصالية خلقت الكثير من الشكوك عند الحكومة العراقية المركزية وعند الكثير من التيارات السياسية العراقية وحتى عند الرأي العام العراقي من النوايا التي تبيّتها تلك القوى السياسية المتزعّمة للإقليم الكردي.
ويذكر العديد من المسؤولين العراقيين بأن السلطات الكردية في "أربيل"، قامت خلال السنوات الماضية بإعطاء العديد من التراخيص التجارية للكثير من الشركات الأجنبية دون علم الحكومة المركزية العراقية ولفت مسؤولون عراقيون آخرون بأن هذا الإقليم زاد خلال الفترة الأخيرة من استفزازاته، حيث استضافت مدينة "أربيل" نهاية هذا الأسبوع وفداً سياسياً تجارياً من السعودية، ووفقاً لبيان صدر عن رئيس الوزراء الكردي "نيشرفان برزاني"، فإن الجانبان ناقشا فرص التعاون والاستثمار وتقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما في جميع المجالات بما في ذلك الصناعة والزراعة والسياحة.
وفي السياق ذاته قالت مصادر إخبارية أخرى، بما في ذلك قناة "النشرة" و"السومرية نيوز": إن اللقاء الذي جمع الجانب السعودي بنظيره الكردي في مدينة "أربيل"، خرج بعدة اتفاقيات أهمها إقامة خط طيران مباشر بين "أربيل" و"الرياض"، وعقد مؤتمر تجاري مشترك وفتح البنك السعودي في المنطقة الكردية، لكن على الرغم من كل هذه التصريحات، فإن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هنا هو، ما هي الأهداف التي تتطلع "الرياض" لتحقيقها من تطوير علاقاتها الاقتصادية مع إقليم كردستان العراق؟
"بغداد" قلقة من تحركات الرياض في "أربيل"
بعد أن استطاعت القوات العراقية مدعومة بقوات الحشد الشعبي من القضاء على فلول تنظيم "داعش" الإرهابي وبعد أن استقرّ الوضع الأمني في العراق، كانت قضية إعادة بناء ما دمّرته الحرب، وكذلك إدارة الوضع الاقتصادي وتعزيز البنية التحتية للتنمية من أهم المحاور التي ركّز عليها القادة العراقيون وبسبب ضعف الاقتصاد العراقي لتغطية جميع تكاليف إعادة الإعمار، فقد تقدّمت بغداد بطلبات للعديد من دول المنطقة للمساهمة في تعزيز التنمية الاقتصادية للعراق، وفعلاً كانت السعودية واحدة من الدول التي وافقت على هذا الطلب، حيث أعربت حكومة الرياض في فبراير 2018 عن استعدادها لتوفير مليار ونصف مليار دولار للعراق، لكن مع كل هذا السخاء السعودي إلا أن ردود الفعل الداخلية في العراق دّلت بأن حكومة بغداد يساورها الكثير القلق من التحركات المشبوهة التي تقوم بها الرياض في هذه الأيام في الإقليم الكردي.
فبعد يوم واحد من زيارة الوفد السعودي إلى "أربيل"، أعرب "أسكندرفيوفيت"، نائب الرئيس السابق للجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، والذي فاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى جانب "هادي العامري" و"ائتلاف الفتح" عن قلقه من تحركات الرياض في العراق وقال إن السعوديين يعملون دائماً على خلق الانقسامات وإيجاد الفجوات داخل الشارع العراقي.
التدخل السعودي المستمّر والمشبوه في الشؤون العراقية
هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها التصرفات والتحرّكات السعودية في العراق، شكوك وانزعاج الحكومة المركزية في بغداد ولقد أدّت تصرفات السعودية في العراق على مدى السنوات القليلة الماضية إلى خلق الكثير من التوترات بين الجانبين، بشكل عام لقد ظلت العلاقات السعودية مع العراق في أدنى مستوياتها بعد سقوط "صدام"، ومنذ عام 2012، وبعد مرور ما يقرب من 10 سنوات على تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، فتح السعوديون سفارتهم في بغداد ولكن منذ الأشهر الأولى لإعادة فتح السفارة السعودية في العراق، كان المسؤولون العراقيون ينتقدون دائماً تعليقات وتدخلات المسؤولين السعوديين في الشؤون العراقية.
وفي الوقت الحالي ووفقاً لتقارير إعلامية كردية، فإن زيارة الوفد السعودي إلى إقليم كردستان، وتهميش حكومة بغداد، تم تنفيذها بناء على أوامر من ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، وأشارت تلك التقارير أيضاً إلى أن هذه الزيارة تدل بما لا يدع مجالاً للشك بأن تدخل الرياض في الشؤون الداخلية للعراق مستمر.
تطابق أهداف التدخلات السعودية والإسرائيلية في العراق
إن التحركات الأخيرة التي تقوم بها حكومة الرياض من وراء الستار في إقليم كردستان، تدل بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه التحركات متساوية ومتوافقة مع أهداف وتحركات "تل أبيب" في منطقة كردستان العراق وبالنسبة للكيان الصهيوني، فإن وجود عراق ضعيف ومتقطع الأوصال، يعتبر أمراً مرغوباً فيه، خاصة وأن هذا البلد يُعدّ أهم حليف لإيران ويشكّل جزءاً أساسياً من محور المقاومة في المنطقة وفي هذا السياق ومع اقتراب الرياض من الصهاينة، فإنه من المؤكد بأن السعوديين يسعون إلى إنجاح المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى زيادة الفجوة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد لتقويض وتضعيف العراق أكثر وأكثر.
فتنة سعودية جديدة في العراق بعد هزيمة "داعش"
لقد تزايد عدد المسؤولين السعوديين في إقليم كردستان، خاصة بعد أن استطاعت الحكومة العراقية من هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي وتحرير العديد من مناطق المناطق العراقية، وهنا يبدو أن الرياض سعت لإطلاق فتنة جديدة في العراق من خلال خلق وإيجاد الانقسامات بين "أربيل" وبغداد.
ونظراً لكل هذه المؤامرات التي تحيكها السعودية إلا أن جيران العراق، إيران وتركيا لن يسمحا للسعودية بالقيام بمغامراتها بالقرب من حدودهما ولا شك في أنه بالنسبة لكلِ من إيران وتركيا، فإن الحفاظ على سلامة العراق وسلامة أراضيه أمر لا مفرّ منه، وستقوم هاتين الدولتين بتقديم المساعدات اللازمة للحكومة العراقية المركزية لكي تقف بحزم ضد أي عمل استفزازي أو تدخل أجنبي، ولكي تستطيع المحافظة على السلامة الإقليمية للعراق.