الوقت - "توسيع صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" مطلب بريطاني جديد سيجري التصويت عليه خلال جلسة خاصّة للمنظمة في الساعات المقبلة، ويعدّ طرح مشروع القرار هذا مثيراً للجدل من حيث التوقيت والأهداف، خاصةً أن هذه المنظمة تم استغلالها وتسييسها عدة مرات منذ تأسيسها في العام 1997 م وكان تسييسها قاتلاً لشعوب بأكملها؛ العراق أحد الأمثلة.
واليوم تريد بريطانيا أن تمنح هذه المنظمة المزيد من الصلاحيات عبر إعطائها سلطة تحديد الجهات المسؤولة عن شنّ هجمات بالأسلحة السامة، وسارعت كل من روسيا وإيران وسوريا لفرض مشروع القرار البريطاني، وحذّرت روسيا من تسييس المنظمة مؤكدةً أن الصلاحيات التي يمنحها المشروع تندرج في إطار صلاحيات مجلس الأمن، الهيئة الوحيدة التي تملك حق اتّخاذ مثل هذا القرار.
تعتقد بريطانيا أن مشروع القرار هذا في حال تم تطبيقه سيزيد من قوة المنظمة، ونحن نعتقد بأن بريطانيا تريد أن تزيد من قوتها لا من قوة المنظمة، ويعود اعتقادنا هذا إلى ضعف السياسة الخارجية البريطانية في الآونة الأخيرة وخروجها من معادلة الدول المؤثرة في معادلات السياسة العالمية وقد يكون لخروجها من البريكست أثر كبير في ذلك وانشغالها بتحسين عجلة اقتصادها المتوقفة، ولكنها اليوم تريد على غرار فرنسا العودة إلى المشهد السياسي العالمي عبر استغلال أحد شعوب هذا الشرق من جديد، ولكنها أتت متأخرة، خاصة أن معادلات الشرق بدأت تتبلور ولا يبدو أن لبريطانيا مكاناً فيها.
تسييس المنظمة
تاريخ تسييس هذه المنظمة قديم وربما يعود إلى السنوات الأولى من تأسيسها وتعد واشنطن أكثر المستغلين لهذه المنظمة، ومن منّا ينسى احتلال العراق وغزوها من قبل جحافل أمريكا بحجة امتلاكها أسلحة دمار شامل ليتبين فيما بعد أنه لا يوجد شيء من هذا الكلام وأن كل ما حدث كان عبارة عن سيناريو أمريكي محكم، كان يراد منه الدخول إلى الشرق الأوسط وتثبيت قواعد عسكرية فيه وإحداث شرخ في قلب الأمة لمنعها من التقدم والاستقرار وسرقة ثرواتها، وهذا الكلام تحدث عنه الأمريكيون قبل غيرهم.
وعلى سبيل المثال ومنذ نحو 15 عاماً، يصرّ الدبلوماسي البرازيلي خوسيه بستاني على اعتقاده بأنه كان يمكنه أن يساعد على تجنب ما يصفه بـ "الغزو عديم الجدوى للعراق وتداعياته الرهيبة"، وكان بستاني، البالغ من العمر 72 عاماً، أول مدير عام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وانتهت فترة ولايته الثانية بطريقة مثيرة للجدل، في مارس/ آذار عام 2002، بعد اقتراح تقدمت به أمريكا ووافق عليه 48 دولة عضواً في المنظمة، بينما رفض الاقتراح 7 دول وتحفّظت عليه 43 دولة.
ومن هنا من حق سوريا وإيران وروسيا أن يخشوا تسييس هذه المنظمة، خاصةً أن لبريطانيا أيادٍ قذرة في زعزعة استقرار سوريا عبر دعمها وتمويلها وحتى إنشائها لمنظمة تدعى "الخوذ البيضاء"، هذه المنظمة تم فضحها من قبل الصحافة البريطانية نفسها، ففي أيار 2016 نشرت صحيفة الغارديان مقالاً مثيراً عن كيفية شنّ السلطات البريطانية حرباً استراتيجية إعلامية من ابتكارِهِم عن الأحداث الحالية في سوريا، عبر القيام بحملة سرية لتضليل المجتمعِ الدولي، فمثلاً، يسيطرُ على عملِ المركزِ الصحافيِّ لـ "الجيشِ السوريِّ الحرّ" البْريطانيون بالكامل.
ولمن لا يعلم فإن "الخوّذ البيضاء" منظمة بريطانية الأصل أسّسها ضابط عسكري سابق في قوّات الأمن الخاصة يُدعى "جايمس لو موزورييه" عام 2013، موّلت تكاليف تأسيسها بلدان عدّة كانت تعارض سوريا آنذاك، لكن مصدر معظم تمويل هذه المنظمة وتدريبها هو بريطانيا التي مولّتها حتى يومنا هذا بمبلغ 65 مليون جنيه إسترليني.
ولو تمكنت أمريكا ومعها بريطانيا من غزو سوريا وإيران لفعلت تحت مظلّة هذه المنظمة، وقد شاهدنا محاولات حثيثة في هذا الاتجاه، خاصةً في سوريا، ومثال ذلك، الهجوم الثلاثي الذي شنّته بوارج أمريكية على قاعدة الشعيرات العسكرية، في 14 أبريل، بذريعة وقوع "هجوم كيميائي" مزعوم في بلدة دوما بضواحي دمشق، سبق توجّه مفتشين من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى هذه البلدة، وبحسب بيان لوزارة الخارجية الروسية حينها فإن لدى موسكو شبهات بأن الاعتداء الثلاثي كان يهدف إلى عرقلة عمل هؤلاء الخبراء في إجراء تحقيق موضوعي بالحادثة المفترضة.
أما بالنسبة لمحاولات الغرب الحثيثة الالتفاف على إيران ومحاصرتها لثنيها عن مواقفها الوطنية عبر بوابة النووي، فقد تبين أيضاً أنها مجرد افتراءات، اعترف بها وزير الخارجية الأمريكي الجديد مؤخراً عندما قال إنهم كانوا على علم أن لا أبعاد نووية للبرنامج النووي الإيراني إلا أنهم تعمّدوا هذا الأمر، وفي تغريدة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل شهرين تقريباً، كتب فيها أن بومبيو أكد يوم 12 إبريل/نيسان بأنه لا حاجة للقلق حول رفض الاتفاق النووي، لأن إيران "لم تسعَ للحصول على السلاح (النووي) قبل الاتفاق" وبعد ذلك أيضاً "لن تعود للمنافسة في الحصول على السلاح"، هو يقول الآن "حان الوقت لإعادة النظر في مسألة ما إذا كان يمكن الوثوق بإيران لتخصيب أي مادة نووية أو التحكم فيها"، إذن أي من تصريحاته كان صحيحاً؟!.
تفعيل مثل هذه المنظمات في أماكن على حساب أماكن أخرى يعدّ ضرباً من الجنون، واستغلالاً فاضحاً للمنظمات الدولية وحرفها عن مسارها لأغراض شخصية أصبحت واضحة للجميع، لذلك نعتقد بأن تجربة العراق لن تتكرر والأيام ستثبت ذلك.