الوقت- لم يعد خفياً على أحد أن الكيان الإسرائيلي أدرك مؤخراً أنه يحتاج للدعم الظرفي والإستراتيجي، من أجل تأمين استمراريته. فالصراعات الموجودة في المنطقة، أصبحت تهدِّد أمنه. ولعل التحول الأبرز كان بدايةً مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، والتي حركت التوجهات الشعبية في العالم العربي، من أجل الإهتمام بحقوق الفلسطينيين، وحددت القدس بوصلةً للأمة. ثم أتى بعد ذلك التحول الثاني في الصراع، والذي كان نتيجة للتحول الأول، وهو إنتصار حزب الله اللبناني، على الكيان الإسرائيلي عام 2000. ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم، تعيش تل أبيب صراعاً آخر مع نفسها أولاً، لأن حركات المقاومة في المنطقة كسرت هيبتها. وهو الأمر الذي جعل الكيان الإسرائيلي، يبحث عن تحالفاتٍ إستراتيجية، لا سيما مع من يعتبرهم "جيرانه العرب". ولأن الأنظمة العربية وللأسف كانت ولا تزال رهينة السياسة الأمريكية، تناغمت مصالحها مع مصالح هذا الكيان. فأصبح بنظر القيادات العربية هدف كسر التعاظم الإيراني ومحور المقاومة، أهم من حفظ القضية الفلسطينية. وهو القاسم المشترك الذي أصبح يجمع العرب مع الكيان الإسرائيلي. فما هي أسباب التعاون المشترك؟ وكيف يصب ذلك في خدمة الكيان الإسرائيلي؟
أسباب التعاون المشترك:
إن قيام الدول ببناء علاقاتها الدبلوماسية، أمرٌ يحتاج للتخطيط، ويدخل ضمن السياسة الإستراتيجية للدول. فعادةً ما تختار الدول حلفاءها، من منطلق معيار المخاطر المشتركة، مما يؤدي لخلق فرصٍ جديدة للتعاون. وهو الأمر الحاصل بين العرب والكيان الإسرائيلي منذ زمنٍ ليس بقصير. وما يجب الإلتفات له، هو أن تل أبيب نجحت في خلق التهديدات التي يمكن أن تجمعها بالأنظمة العربية، فيما فشل العرب في تحصين أنفسهم. وهنا نقول التالي:
- يؤمن الجميع اليوم في المنطقة لا سيما الأطراف الفاعلة سياسياً وعسكرياً، أن السياسة الأحادية الجانب، إن كان على الصعيد العسكري أو السياسي، هي من الأمور التي لا يمكن أن تنجح. وهو الأمر الذي لا مشكلة فيه على الإطلاق. لكن المعضلة تكمن في أن التحديات المعقدة، تفرض واقعاً جديداً يحتاج لفهمٍ عميقٍ وقدرةٍ عاليةٍ على وضع سياساتٍ تتناسب مع الأهداف وتحافظ على المبادئ. وهو الأمر الذي وللأسف، لم ولن تتقنه الأنظمة العربية. فعند إستعراض ما يجري اليوم، نجد أن بعض الدول تتعاون مع الكيان الإسرائيلي من منطلق مصلحة الأمن القومي الخاص بها. وهو أمرٌ يعبر عن سوء تقدير كبير، بل قد يمتد بنا الأمر لنقول، إنه يعبر عن أمرٍ أبعد من المصالح الظرفية المشتركة، وأقرب الى الأهداف الإستراتيجية المتناغمة.
- وهنا يمكن سرد بعض ما يجري لإثبات ذلك. فالتعاون الأمني الإسرائيلي مع الأردن من جهة ومع السلطة الفلسطينية من جهةٍ أخرى، هو من الأمور التي قد تساعد على فهم المقصد. فتحت حجة مكافحة الإرهاب ومنع تمدده من الداخل السوري الى الداخل الأردني، تعاون تل أبيب مع الأردن. وليس فقط على الصعيد الأمني أو العسكري بل إن للمصالح الإقتصادية أولوية للتعاون بين هذه الأطراف. فإتفاقية التعاون المائي الأخيرة بين الكيان الإسرائيلي من جهة والسلطة الفلسطينية والأردن من جهةٍ أخرى خير دليلٍ على ذلك. والهدف هو مكافحة مسألة الندرة المائية التي تعاني منها هذه البلاد.
- على صعيدٍ متصلٍ يدخل في نفس السياق، نجد أن القاهرة أصبحت تنسق مع تل أبيب من أجل مكافحة الخطر الإرهابي في سيناء. كما أن التنسيق الأخطر الواقع بين الكيان الإسرائيلي وضباط المخابرات الموفدين من الدول الخليجية بهدف مكافحة ما يسمونه "التهديد الإيراني"، هو من الأمور الأخرى التي تُظهر حجم التآمر العربي على القضية الفلسطينية.
الأهداف الإسرائيلية الخفية التي يحققها التعاون:
تسعى تل أبيب منذ فترةٍ طويلة للعمل على بناء واقعٍ جيوسياسي، يمكن أن يكون السبب الأساسي الذي يفرض على الأنظمة العربية التعاون معها. وهو الأمر الذي يؤدي الى إدخال الأطراف الأخرى في صراعها، تحت عنوان وحدة المصير. إذ أن جعل التهديدات واحدة بحسب المخطط الإسرائيلي، يعني جعل الأطراف الأخرى لا سيما الدول العربية، مُجبرة على التعاون ضمن الشروط الإسرائيلية. وهو الأمر الذي يساهم إستراتيجياً وبحسب ظن المُخطط الإسرائيلي، في ضرب الحقوق الفلسطينية، ومحو القضية الفلسطينية، وكسر محور المقاومة، الى جانب تهديد المصالح الإيرانية ونفوذ طهران.
بناءاً على ما تقدم:
إنه وبغض النظر عن المصالح والأهداف، الى جانب تواجد ما يمكن تسميته بتهديدات مشتركة، فإن الغاية السياسية لا تبرر الوسيلة. كما أن الإختلاف السياسي الواقع بين الأنظمة العربية وطهران، لا يُبرر قيام هؤلاء بالتعاون مع تل أبيب. وإذا كان العرب اختاروا ذلك، فعليهم أن يقرأوا التاريخ السياسي جيداً. ليدركوا أنه لا صديق للكيان الإسرائيلي، الذي يقوم بخلق المشكلات والتهديدات، من أجل إبتزاز الدول وإيقاعها في فخ التعاون المُجبر. لكن الحقيقة أبعد من ذلك. فالواضح أن الجامع بين الكيان الإسرائيلي والأنظمة العربية، أكبر من المبادئ التي يتمتع بها العرب. وبالتالي فإن قيام الأنظمة العربية بالتعاون مع تل أبيب ليس من منطلق المصالح فقط، بل من منطلق التناغم في العقيدة السياسية أيضاً. وهو الأمر الذي يُظهر حقيقة الأنظمة العربية، وتجاهلها لحقوق الشعب الفلسطيني، فيما تدفع القضية الفلسطينية الثمن.