الوقت - بعد التحسّن الملحوظ بأسعار النفط في الأسواق العالمية والذي عاد بالنفع على الدول المصدّرة في داخل منظمة "أوبك" توعّد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالتحرك لخفض الأسعار مجدداً لتحقيق غايتين أساسيتين:
الأولى: زيادة الضغوط على إيران التي تتعرّض لحظر اقتصادي منذ سنوات طويلة على خلفية الأزمة النووية مع الغرب، والثانية: زيادة صادرات النفط الأمريكية التي يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في تخفيف الضغوط الاقتصادية التي يواجهها ترامب في الداخل الأمريكي ولاسيّما أزمة تفشي البطالة.
ومن المعروف أن سياسة ترامب الخارجية تعتمد بالدرجة الأساس على كيفية استقطاب الأموال بغضّ النظر عن القيم التجارية السائدة في العالم ومنها ضرورة احترام الاتفاقيات الدولية في هذا المضمار خصوصاً قرارات منظمة التجارة العالمية التي تنظم التبادل التجاري بين الدول المختلفة.
وعمدت الإدارة الأمريكية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2017 إلى زيادة استخراج وتصدير النفط من الحقول النفطية داخل أمريكا لغرض منافسة الدول المصدّرة للخام في منظمة "أوبك" وخارجها، الأمر الذي تسبّب بتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية قبل أن تعود إلى الصعود قبل بضعة أشهر نتيجة الاتفاق الذي حصل بين أعضاء المنظمة على ضرورة خفض الإنتاج لدعم الأسعار.
وواجهت تحركات ترامب في مجال النفط انتقادات واسعة من قبل دول اقتصادية عظمى في مقدمتها الصين والكثير من الدول الأوروبية خصوصاً وأنها جاءت بعد قرار واشنطن بزيادة نسبة الضرائب المفروضة على البضائع الصينية والأوروبية الداخلة إلى أمريكا.
ومن الأمور التي مهّدت الطريق لترامب للضغط على أوبك لغرض زيادة إنتاجها من النفط وبالتالي خفض الأسعار هو إعلان السعودية ودول أخرى في مجلس التعاون عن استعدادهم لزيادة الإنتاج لتوجيه ضربة اقتصادية إلى إيران التي كانت تأمل بزيادة إنتاجها وفق ما ورد في الاتفاق النووي المبرم بينها وبين الدول الكبرى في صيف عام 2015 والذي أكد على حق طهران في الاستفادة السلمية من التقنية النووية ورفع الحظر المفروض عليها، إلّا أن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي بحجة أنه لا ينسجم مع مصالحها الاستراتيجية وفرضها المزيد من الضغوط الاقتصادية على طهران قد تسبب في عرقلة تنفيذ بنود الاتفاق النووي وأدّى بالتالي إلى حرمان إيران من حقّها في زيادة حصتها من الصادرات النفطية داخل "أوبك" بنسبة 20 بالمئة.
ويعتقد المراقبون بأن سياسة ترامب النفطية ستواجه الفشل لأن العديد من دول "أوبك" ترفض تدخل أمريكا في شؤونها خصوصاً فيما يتعلق بتحديد سقف الإنتاج، حيث من المقرر أن يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن خلال الاجتماع المقبل للمنظمة في 22 من الشهر الحالي في العاصمة النمساوية "فيينا".
وكانت أوبك قد خفّضت إنتاجها منذ كانون الثاني/ يناير 2017 إلى جانب منتجين آخرين من بينهم روسيا، ما ساهم في رفع مستوى الأسعار بشكل ملحوظ.
في هذا السياق أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك "محمد بوركيندو" أن منظمة أوبك لا تسعى إلى التحكم بأسعار النفط، وإنما تعمل على استعادة الاستقرار في الأسواق بشكل مستدام.
وقال بوركيندو إن الاتفاق المبرم بين المنظمة ومنتجين من خارجها بشأن خفض الإنتاج قد حالَ دون انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية التي باتت الآن على مسار استعادة الاستقرار على أساس مستدام يصبّ في مصلحة المنتجين والمستهلكين والاقتصاد العالمي على حدّ سواء.
من جانبه أشار وزير النفط العراقي "جبار اللعيبي" إلى أن إنتاج الخام قد ساهم بشكل كبير في إنقاذ السوق النفطية العالمية من تدهور الأسعار، معرباً عن أمله بأن يتم التوصل إلى قرارات خلال الاجتماع القادم لأوبك تساعد في التعامل بجدية مع تحديات المرحلة القادمة.
إلى جانب رفض أوبك التدخل في شؤونها، ترفض أيضاً الكثير من الدول من خارج المنظمة تقليص وفرة الخام في العالم حتى في حال ارتفاع أسعاره باعتباره يمثل عاملاً أساسياً وحيوياً في تحريك عجلة الاقتصاد الدولي خصوصاً لدى البلدان الصناعية الكبرى وفي مقدمتها الصين والعديد من الدول الأوروبية.
ولا يمكن لأمريكا التأثير على النفط سوى من خلال السحب من الاحتياطي الاستراتيجي لديها، وهو ما كانت تفعله بين الحين والآخر.
وينظر بعض المحللين في قطاع الطاقة إلى استراتيجية الرئيس الأمريكي "ترامب" بالكثير من التشاؤم، الأمر الذي من شأنه تبديد آمال منتجي النفط في تعافي الأسعار.
ويرى هؤلاء المحللون بأن النتيجة الأولى لمثل هذه السياسة ستكون زيادة العرض العالمي للنفط المسؤول عن انهيار الأسعار منذ منتصف 2014. ومن هنا يمكن النظر إلى سياسة ترامب المعلنة في مجال الطاقة والتي تميل إلى تعزيز إنتاج النفط والغاز الأمريكيين بأنها قد تدفع الأسعار إلى مزيد من التراجع، لكنه يبقى احتمالاً ضعيفاً بحسب العديد من المراقبين.