الوقت- هل تعلم ماذا يعني أن تذهب إلى غرفة إنعاش سعودية - إماراتية لإنقاذ اقتصادك؟!؛ ملك الأردن عبدالله الثاني حمل معاناة بلاده وذهب إلى هذه الغرفة يوم أمس الاثنين على أمل أن يتعافى اقتصاد بلاده، ولو بشكل جزئي، هذا ما كان يتوقعه الملك، ونحن، في ظل تضخيم الحملة الإعلامية لاجتماع أمس المسمى اجتماع "مكة"، الجميع كان يراقب مُخرجات هذا الاجتماع الذي لم تكن نتائجه بحجم التوقعات المرجوة منه، ليعود الملك إلى بلاده وفي جعبته مليارين وخمسمئة مليون دولار "وهمية" حتى يثبت عكس ذلك.
أطبق الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قبضته على "أوكسجين" المملكة الأردنية لمنعها من أن تغرّد خارج السرب، فبنظر السعودية هذه المرحلة حساسة وتحتاج إلى مزيد من الاصطفاف في ظل ظهور محاور جديدة إقليمية وعربية من جهة، ولتمرير قرارات الرئيس الأمريكي من جهة أخرى، والتي تحتاج إلى الأردن كحليف لا كرافض لهذه القرارات، وبالتالي كان لا بدّ من معاقبة الأردن عبر (نقطة ضعف الأردن) "الاقتصاد"، وبالفعل حجبت السعودية المساعدات المالية عن الأردن لكي تجبرها على الموافقة على أي قرار حالي وقادم تريده السعودية.
هذا الأمر ظهر جلياً في كلام رئيس الوزراء الأردني المكلف عمر الرزاز، فقد صرّح الرزاز أنّ الأردن يتعرض لضغوط عالية لإعادة النظر في مواقفه، مضيفاً إن بلاده تحمي نفسها من الابتزاز، وخلال لقائه بممثلي الأحزاب الأردنية يوم أمس الاثنين قال الرزاز إن المشاورات بشأن تشكيل الحكومة لا تزال مستمرة، وإن توجيهات ملك الأردن عبد الله بن الحسين كانت تقضي بألّا يستعجل في تشكيلها كي لا يضطر لإجراء تعديل بعد فترة.
وأكد الرزاز أنه "لا يكفينا أن تكون الحكومة تكنوقراطية، بل يجب أن تعي التداعيات الاجتماعية والسياسية والمحلية"، كما شدّد على أن حكومته الجديدة ستسحب مشروع قانون ضريبة الدخل لإعادة النظر في مضمونه لأنه لم يدرس بالقدر الكافي قبل إقراره.
سحب قانون الضريبة في الحقيقة كان بمثابة تخدير عام للشعب الأردني الذي يسعى ليؤمّن لقمة معيشته بعيداً عن السياسة التي أرهقت كاهله، ولكي لا يتكرر نموذج سوريا والعراق في بلاده قرّر وقف الاحتجاجات على أن يتحسّن الاقتصاد، ولكن هذا الكلام لن يتحقق في المدى المنظور، لأن اقتصاد الأردن حقيقةً يعاني من مشكلات كبيرة لن تحلّها مساعدة السعودية والإمارات، لعدة أسباب:
أولاً: بحسب بيان اجتماع "مكة"، فإن المساعدات تتمثل في وديعة بالبنك المركزي الأردني، مع تقديم ضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن، وتقديم دعم سنوي للميزانية الأردنية لخمس سنوات، إضافة إلى تمويل صناديق التنمية لإقامة مشاريع إنمائية.
ولكن في الوقت نفسه من غير الواضح إن كان سيدخل الدعم المالي المقدّم للخزينة الأردنية من حزمة المساعدات بشكل مباشر أم لا، وحسب خبراء، فإن الوديعة - وهي تشبه تلك التي قدّمتها السعودية إلى اليمن- سوف تحفظ في البنك المركزي ولن تضخّ النقود في السوق لإنعاش الحركة الاقتصادية، وهذا ما لا يشي بتحسّن الأوضاع في المملكة الأردنية.
ثانياً: السعودية والإمارات تمارس ازدواجية غير مسبوقة في التعاطي مع الأردن، فهي لا تريدها أن تخرج من تحت عباءتها لعدم دفعها إلى الاندفاع نحو تركيا، أو إيران بشكل خاص، وأيضاً الاستدارة الكاملة نحو الدوحة، ولذلك تضغط عليها اقتصادياً لإجبارها على الرضوخ للقرارات الخليجية وفي نفس الوقت إعطاؤها بعض المساعدات الهزيلة لمنعها من الذهاب إلى مصادر أخرى هذا من جهة.
ومن جهة أخرى تخشى السعودية أن تمتد نار الاحتجاجات إليها لذلك كان لا بدّ من التدخل ووضع حدّ لما يجري هناك، ولكن على الطريقة السعودية بحيث لا تخرج الأردن من أزمتها بشكل كامل وبنفس الوقت لا تتأزم كثيراً.
ثالثاً: يخبرنا الخبير الاقتصادي، محمد البشير، أن المساعدات الخليجية ستحسّن فرصة الأردن للحصول على مزيد من القروض لسداد أقساط القروض الحالية أو لسداد فوائدها، أي إنها دوامة قروض جديدة من دون إيجاد إيراد حقيقي للسداد، لكن في الوقت نفسه لا تشكّل حلّاً بعيد المدى للأزمة الاقتصادية، وليس حلّاً مرحلياً لما تمرّ به المملكة؛ إذ إن الوديعة في البنك المركزي تمثل سيولة لدعم وضع الدينار الأردني مقابل العملات الأجنبية، وبذلك سترفع من احتياطي العملة الأجنبية في البلد، والذي يتم استخدامه لغايات الاستيراد (مع العلم أن هناك عجزاً كبيراً في الميزان التجاري).
والأهم من هذا أن مشكلة الأردن بحسب البشير تتمثل في انكماش الاقتصاد الذي لن تنعشه الوديعة، بل يحتاج إلى تخفيض ضريبة المبيعات، وإلى تنمية قطاعَي الصناعة والتجارة بشكل أساسي لزيادة إنتاجيتهما، وتوفير الوظائف، وبالتالي تقليل نسب البطالة والفقر المرتفعة.
وبهذا تبقى الأردن معلّقة في الريح لن تستطيع هذه المساعدات أن تحميها ما لم يقم الأردن من خلال حكومة الرزاز الجديدة "التي لديها سمعة جيدة من حسن حظها" بوضع خطة منهجية واستراتيجية بعيدة المدى نسبياً للحفاظ على توازن الاقتصاد داخل البلاد قدر المستطاع، وإلا سيكون الأردن عرضة للابتزاز بين الفينة والأخرى.