الوقت- من خلال قراءة متأنية لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" الأخيرة التي طرح فيها مجموعة من الشروط للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران، بدلاً من الاتفاق الذي أبرمته إدارة البيت الأبيض السابقة، والدول الكبرى مع إيران في العام 2015 يتبيّن بوضوح أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" فقد جميع أوراقه ولم يعد أمامه أي خيار لإرغام طهران على التسليم بالشروط الأمريكية.
وزعم بومبيو أن بلاده لن تسمح لإيران بالسيطرة على الشرق الأوسط، ما يشي بأن الإدارة الأمريكية بدأت تدرك بأن وجودها في المنطقة أصبح في مهبّ الريح بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها طهران من خلال دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدّى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.
ويعتقد المراقبون بأن محاولات ترامب لإخضاع إيران قد أخفقت جميعها في تحقيق أهداف، وسياسات واشنطن، والتي كان آخرها إعلان الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم بين طهران ومجموعة (5+1) والتهديد بفرض عقوبات جديدة على إيران ما لم توافق على وقف برنامجها النووي وإيقاف دعمها لمحور المقاومة وسحب قواتها من سوريا.
هذه التهديدات تذكرنا بما كان يطرحه الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" الذي كان يصنف إيران ضمن ما يسمّيه "محور الشر" الذي يسعى لتقويض الوجود الأمريكي في عموم المنطقة.
وعلى الرغم من انحسار قوة أمريكا العسكرية في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة خصوصاً بعد خروجها من العراق عام 2011 وتمكّن إيران من تعزيز قوتها في عموم المنطقة بفضل الانتصارات التي حققتها على الجماعات الإرهابية في العراق، وسوريا من خلال دعمها لمحور المقاومة، مازالت واشنطن تمنّي نفسها بإمكانية فرض شروط على طهران متوهمة بأن الجمهورية الإسلامية في إيران ستضعف أمام التهديدات ناسية، أو متناسية أن هذه التهديدات لم ولن تثني إيران عن مواصلة استراتيجيتها المتمثلة بنصرة الشعوب المظلومة، وحقها المشروع في امتلاك التقنية النووية السلمية، ولاسيّما أنها تمكّنت من إقناع العالم بضرورة الاستجابة لهذا الحق في إطار الاتفاق النووي مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا الذي خرقته واشنطن بإعلان ترامب الانسحاب منه من جانب واحد قبل أسبوعين.
ويعلم ترامب وحلفاؤه الغربيون بأن إيران قادرة على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة، لكنها لم تفعل ذلك حتى الآن لتؤكد التزامها بما تعهدت به في الاتفاق النووي مقابل رفع الحظر المفروض عليها، ما يعني أن التهديدات الأمريكية الجديدة ضد طهران لن تجدي نفعاً في إرغامها على التنازل عن حقها، ليس هذا فحسب؛ بل على العكس تجد إيران نفسها في موقع قوة أكثر من ذي قبل، سواء على المستوى الدبلوماسي بفضل وقوف دول مهمة مثل روسيا والصين إلى جانبها ليؤكدوا ضرورة تطبيق بنود الاتفاق النووي خصوصاً فيما يتعلق برفع الحظر المفروض عليها، أم على المستوى العسكري حيث تمكّنت إيران من تطوير قدراتها الصاروخية البالستية التي تستطيع ردع أمريكا أو أي جهة أخرى تفكّر بشنّ هجوم عسكري عليها.
والانتصارات التي حققتها إيران من خلال دعمها لسوريا في حربها ضد الجماعات الإرهابية، وتمكّنها من إرسال رسائل مهمة من خلال هذه الانتصارات، وفي مقدمتها قدرة طهران على توجيه ضربات مهلكة للكيان الصهيوني في حال فكّر الأخير في مواجهة إيران عسكرياً، وهذا الأمر تدركه الإدارة الأمريكية جيداً، ما يعني أن تهديدات واشنطن الأخيرة ضدّ طهران والتي جاءت على لسان وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" ما هي إلّا زوبعة في فنجان ولن تتمكن من زحزحة مواقف إيران القائمة على أساس الاحتكام للقوانين الدولية، وإصرارها على استيفاء حقوقها في إطار هذه القوانين، وفي مقدمتها حيازة التقنية النووية للأغراض السلمية.
وتجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب تتوهم كذلك بأنها قد تتمكن من إحداث شرخ بين الشعب الإيراني وحكومته إلى درجة تهدد نظام الجمهورية الإسلامية بالبقاء، الأمر الذي ثبت فشله أيضاً لأن الشعب الإيراني الذي يطمح للمزيد من التطوّر الذي حققته بلاده في جميع المجالات يعتقد جازماً بأن الاستقلال الذي تتمتع به الجمهورية الإسلامية لا يمكن التنازل عنه بأي ثمن لأنه يمثّل الأساس الذي يحفظ عزة وكرامة البلاد، بالإضافة إلى ذلك يعتقد الشعب الإيراني بأن الضغوط الأمريكية على بلاده، والتي تسببت في خلق متاعب تضرّرت منها مختلف شرائح المجتمع الإيراني لا يمكن أن تكون مدعاة للاعتراض على السياسة التي تنتهجها طهران فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع القوى الكبرى لأن هذه السياسة قائمة على أسس منطقية وحائزة على تأييد مجلس الأمن الدولي في إطار قراره المرقم 2231، ولهذا يبدي الشعب الإيراني تأييداً واضحاً لحكومته، وإصراراً واضحاً على تحدّي الصعاب، ويفضّل ذلك على الاستسلام لأي إرادة خارجية تريد فرض رؤاها على طهران، سواء فيما يتعلق بالاتفاق النووي أم البرنامج الصاروخي الباليستي الذي هو برنامج دفاعي، ومصمم لردع أي قوة خارجية قد تفكر بشنّ هجوم على إيران.
والجميع يعلم بأن إيران لم ولن تشكّل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة، وكل ما تقوم به هو تقديم الدعم للدول، والشعوب التي تتعرّض لهجمات الجماعات الإرهابية من أجل مساعدتها في دحر هذه الجماعات لاعتقادها بأن أمن جميع دول المنطقة مرتبط ببعضه البعض، ولا يمكن إقراره ما لم يتم القضاء على الإرهاب، والتدخلات الأجنبية في كل البلدان الإقليمية خصوصاً المجاورة، وفي مقدمتها العراق وسوريا وأفغانستان.