الوقت- ما شهدته جبهة الجولان السوري المحتل "مساء الأربعاء - فجر الخميس الماضي" كان أشبه بإطلاق صفارات الإنذار لبدء حرب إقليمية، لا أحد يعلم إلى أي مدى ستصل نيرانها، خاصةً أن المناخ السياسي العالمي هذه الأيام مشحون إلى حدّ الانفجار نظراً لقرارات الرئيس الأمريكي المتهورة، ومغامرات بعض زعماء دول المنطقة لإثبات شخصياتهم "المعدومة أساساً".
فجر الخميس الماضي أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الصهيوني عن إطلاق نحو 20 صاروخاً، استهدفت مواقع عسكرية "إسرائيلية" في هضبة الجولان مصدرها الأراضي السورية، وحمّل المتحدث إيران مسؤولية الهجوم الصاروخي، وقال الجيش "الإسرائيلي" إنه تم استهداف قواعد عسكرية "إسرائيلية" عدة بالصواريخ، وبعضها تم اعتراضه. من جهته تحدث إعلام العدو عن إطلاق نحو 40 صاروخاً من سوريا باتجاه مراكز للاحتلال في الجولان.
الكيان الإسرائيلي حاول التخفيف من حدة الضربة العسكرية التي وجهت إليه، حيث فرضت الرقابة العسكرية الصهيونية الحجب عن أي معلومة حول الصواريخ التي استهدفت مراكز عسكرية "إسرائيلية" في الجولان، ولكن إطلاق صفارات الإنذار ومطالبة المستوطنين النزول إلى الملاجئ المحصّنة لا يوحي أبداً بأن الأمور كانت تسير لمصلحة العدو الإسرائيلي، وكان واضحاً من التعتيم المقصود على هذه الضربة أن "إسرائيل" تألّمت منها، ولكنها عملت على امتصاص الصدمة، والتخفيف من حدّتها لإظهار نفسها بأنها سيدة الموقف في الوقت الذي كانت الصواريخ القادمة من الأراضي السورية تدكّ أكثر المواقع العسكرية حساسيةً في الجولان، ونذكر منها:
ـ مركز عسكري رئيسي للاستطلاع الفني والالكتروني
ـ مقرّ سرّية حدودية من "وحدة الجمع الصوري 9900"
ـ مركز عسكري رئيسي لعمليات التشويش الالكتروني
ـ مركز عسكري رئيسي للتنصت على الشبكات السلكية واللاسلكية بالسلسلة الغربية
ـ محطات اتصالات لأنظمة التواصل والإرسال
ـ مرصد لوحدة أسلحة دقيقة موجهة أثناء عمليات برية
ـ مهبط مروحيات عسكرية.
ـ مقرّ القيادة العسكرية الإقليمية للواء 810.
ـ مقرّ قيادة قطاع كتائب عسكرية في حرمون.
ـ المقرّ الشتوي للوحدة الثلجية الخاصة "البنستيم"
ماذا يمكننا أن نستقرأ من العملية العسكرية الأخيرة في الجولان؟!
أولاً: واضح جداً أن الضربة العسكرية التي وجهتها سوريا إلى كيان الاحتلال جاءت محدودة وأتت في إطار التحذير لكيان الاحتلال بأن زمن امتلاككم لقواعد الاشتباك ولى إلى غير رجعة، وقد رأينا ذات الأمر عندما أسقطت الدفاعات الجوية السورية "طائرة اف 16 إسرائيلية"، وهناك معلومات من مصادر مطّلعة بأن الصواريخ السورية التي سقطت على مراكز حساسة في الجولان المحتل دمّرت مركزاً عسكرياً رئيساً للاستطلاع الفني والالكتروني لكيان الاحتلال بالكامل.
ثانياً: انكسار هيبة "إسرائيل" بهذا الشكل وتكرار هذا الأمر خلال الأشهر القليلة الماضية، يوحي بأن المنطقة متّجهة نحو تحول استراتيجي مهم في ميزان القوى ومعادلات الردع، ويمكننا هنا أن نذّكر بنجاح حزب الله السياسي في لبنان والذي مثل ضربة قاصمة للمحور المعادي لمحور المقاومة، وما كان مؤلماً للعدوان الصهيوني الفشل الكبير في أجهزة الاستطلاع الإسرائيلية فضلًا عن الهزيمة السياسية والعسكرية التي تعرّضت لها في هذه الضربة، ونقلت وسائل إعلام "إسرائيلية"، يوم الخميس عن معلقين أمنيين أن الاستخبارات فشلت هذه المرة في الحصول على معلومات مسبقة عن الهجوم.
ثالثاً: كان الواضح من كلام المسؤولين "الإسرائيليين" أنهم غير مستعدين للتصعيد وتأزيم الأمور أكثر، وهناك قلق واضح من الإمكانات العسكرية التي تظهرها سوريا بين الحين والآخر، ولا أحد ينكر بأن إيران تظهر علناً دعمها للحكومة السورية وتبدي تعاونها معها في جميع المجالات وهذا الأمر يقلق الصهاينة بشكل كبير، لذلك نجد المسؤولين الإسرائيليين يسارعون لتوجيه التهم إلى إيران عند أي مناسبة دون حتى وجود دلائل على ذلك، ونظراً لخروج الجيش السوري منتصراً في جميع معاركه مع المسلحين والجماعات الإرهابية التي تدعمها "إسرائيل" في سوريا، لذلك وجد الصهاينة أن التصعيد ليس في مصلحتهم، وقد تحدث بكل صراحة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بعد الضربة العسكرية: أن " إسرائيل لا تريد تصعيد الأوضاع ونأمل أن يكون "هذا الفصل قد انتهى"، وفي نفس السياق صرّح وزير الداخلية "الإسرائيلي" عضو المجلس الوزاري المصغّر آريه درعي قائلاً: "إسرائيل لا تريد حرباً ولا تهرول إلى معركة".
رابعاً: "إسرائيل" أعلنت عجزها ضمنياً عن مواجهة إيران لذلك تتحرك سياسياً ودبلوماسياً لتحريض جميع الدول التي تبدي تعاطف معها ضد طهران، وتستغل تعاطف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره كوشنر معها، ويظهر بشكل جلي تأثير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قرارات ترامب، مثل قرار نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بالأخيرة عاصمة لـ "اسرائيل"، وكذلك الأمر بالنسبة لقراره الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، فضلاً عن تحريض حلفائها الجدد مثل "السعودية والإمارات" لمعاداة إيران.
ختاماً؛ إسرائيل قلقة وهذا واضح جداً في اعتداءاتها المتكررة على سوريا والتي لم تؤتِ ثمارها حتى اللحظة، ويظهر هذا القلق أيضاً في تحركات نتنياهو المكوكية إلى روسيا التي تربطها مع إيران علاقات استراتيجية مميزة بهدف الضغط عليها قدر الإمكان ومنعها من شن حرب، وجولات نتنياهو وصلت إلى أوروبا ولا نستبعد أن تصل إلى بعض البلدان العربية إذا اقتضت الضرورة لكبح جماح طهران التي تبدي قوة وثباتاً كلما زادت الضغوط عليها.