الوقت- بدأ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند منتصف الأسبوع الجاري جولة أفريقية "إقتصادية" خاطفة إستهلها ببنين، ومن ثم توجّة إلى أنغولا، مختتماً زيارته الأفريقية التي لم تدم سوى 48 ساعة بالكاميرون. بدى واضحاً أن العامل الإقتصادي يعتبر أحد أبرز الأهداف الفرنسية، كون هولاند يبحث عن مشاريع إقتصادية جديدة في القارة السمراء لإنعاش اقتصاد بلاده المتردي تحت شعار "الدبلوماسية الاقتصادية".
زيارة هولاند التي تخلّلها وقوفاً على أطلال المستعمرات الفرنسية في القارة الأفريقية، خاصةً أنها تحولت إلى شريك إقتصادي عادي(مثل باقي الشركاء الآخرين الذين ينشطون في أفريقيا) بعد أن كانت الشريك الاقتصادي الاستثنائي وفق دراسة أجراها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، شملت توقيع العديد من الصفقات والعقود الإقتصادية والعسكرية مع الدول الثلاث بناءاً على دراسة قامت بها وزارة الاقتصاد الفرنسي في 2013 أن بإمكان فرنسا أن تخلق 200 ألف منصب عمل خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك عبر مضاعفة صادراتها تجاه القارة الأفريقية التي تشهد منذ سنوات نموا اقتصاديا يقدر بحوالي 5 بالمئة.
الجولة الأفريقية
إستهل الرئيس هولاند جولته الإفريقية بزيارة "المستعمرة السابقة" بنين(عرفت باسم داهومي خلال الفترة الاستعمارية وعند الاستقلال تم تغيير اسمها في 30 نوفمبر 1975)، اذ هدفت زيارته للتعبير عن مدى متانة العلاقات الفرنسية البنينية ورغبة فرنسا في الحفاظ على علاقات سياسية واقتصادية قوية مع بلد أصبح ينظر إليه "كرمز في الاستقرار السياسي والممارسة الديمقراطية المنتعشة" مقارنة مع دول المنطقة.
لم تخلُ زيارته إلى بنين من إسترجاع الإمجاد الفرنسية في القارة السمراء حيث زارهولاند موقعين يمثلان نموذجاً للتعاون بين البلدين، وهما مختبر أبحاث مشترك بين فرنسا وبنين، ومركز "بلوزون" المتعلق بالطاقة.
لعل محطة هولاند الثانية في رحلته الأفريقية كانت بيت القصيد الفرنسي من الزيارة "الدبلوقتصادية"، حيث وقع هولاند عقوداً إقتصادية ناهزت المليار دولار
هولاند الذي رافقه وفداً من50 رئيسا لشركات فرنسية، إفتتح المؤتمر الاقتصادي الفرنسي – الانغولي، وقال: “هنا في انغولا توجد نشاطات كثيرة وايضاً الكثير من الوظائف في فرنسا في ميادين عدة، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، والتنمية المستدامة، والمدن. انغولا ساهمت في الحفاظ على امن افريقيا الوسطى واعطتها الدعم في الوقت الذي التزمت فرنسا فيه بايقاف المجازر والقتل. اود ان احيي ما قامت انغولا بهفي هذه الفترة”.
وقد هدف هولاند ومرافقيه إلى الفوز بمشاريع يريد هذا البلد الصغير إطلاقها في مجالات متعددة، من بينها بناء 1.5 مليون وحدة سكنية بقيمة 10 مليارات دولار ومحطات لتوليد الكهرباء بـ15 مليار دولار، إضافة إلى استثمارات مباشرة في مجال النفط من طرف شركة "توتال" الحاضرة بقوة في هذا البلد.
رغم أن محطة هولاند الاخيرة حملت في طياتها ظاهراً سياسياً، إلى أن جوهر هذه الزيارة كان اقتصادي بإمتياز. الرئيس الفرنسي الذي أبدى أمس الجمعة، استعداده لتنظيم قمة جديدة للدول الإفريقية التي تحارب جماعة "بوكو حرام" المتشددة، قال: نيجيريا والكاميرون بحاجة إلى علاقات حميمة للعمل معا، هذا يتفق تماما مع الروح التي كانت لدينا في قمتنا الأخيرة في باريس لاتخاذ قرارات مهمة بشأن "بوكو حرام" التي بدأ تهديدها يزداد.
وأضاف "إنني مستعد لعقد مؤتمر من جديد (عقدت باريس قمة بشأن جماعة "بوكو حرام" في مايو/ أيار عام 2014) فور أن يحدد لي الرؤساء موعدا لهذا المؤتمر، من أجل أن نحسن العمل معا".
الدبلوماسية الإقتصادية
تندرج هذه الجولة الهولاندية(نسبة إلى فرونسوا هولاند) في إطار الدبلوماسية الإقتصادية التي تبنّاها الرئيس الفرنسي الحالي، كي لا يقع في فخ سلفه ساركوزي الذي خسر صوت الناخب الفرنسي بعد إستيائه على الأداء الإقتصادي للرئيس.
رغم أن كافة الزيارات تستحوذ على أهمية إقتصادية، إلا أن أنغولا سيطرت على حصة الأسد من جولة هولاند نظراً للإمكانيات النفطية الهائلة التي يتمتع بها هذا البلد الأفريقي. في هذا السياق يوضح مراسل "يورونيوز" فرانسوا شينياك من لواندا ان "انغولا هي المرحلة الرئيسية لجولة فرانسوا هولاند الافريقية. الحيوية الاقتصادية لهذه القوة الاقليمية الافريقية هي رهان استراتيجي اقتصادي في الوقت الذي تمر فيه اوروبا باحدى اهم الازمات في تاريخها. هنا في لواندا، هولاند هنا اتبع سياسة واقعية كما فعلت من قبله انجيلا ميركل او ماتيو رينزي".
زيارة هولاند إلى الكاميرون وتجديد دعمه السياسي واللوجستي لهذا البلد الذي يواجه تهديدات إرهابية متواصلة من طرف جماعة بوكو حرام، إضافةً إلى الحديث عن مؤتمر فرنسي لمواجهة جماعة "بوكو حرام" الإرهابية، يهدف بشل رئيس لإبرام صفقات عسكرية على شاكلة تلك التي أبرمها مؤخراً مع السعودية وقطر.
اذاً، جولات هولاند المكوكية سواءً إلى منطقة الشرق الأوسط (توقيع صفقات عسكرية بعشرات المليارات من الدولارات) أو أفريقيا حالياً تندرج في سياق تحسين وضع الإقتصاد الفرنسي، وبالتالي رفع حظوظه في كسب الراي العام الداخلي للفوز بدورة رئاسية جديدة.