الوقت- لاشك أن أمريكا بحاجة ماسة للوصول إلی إتفاق شامل مع الجمهورية الإسلامية الايرانية حول برنامجها النووي السلمي أكثر من الاخيرة، فان واشنطن كل ما كان بوسعها قد استخدمته لوقف تقدم إيران في شتی المجالات خاصة في مجال برنامجها النووي، وعلی العكس من ذلك فإن العقوبات التي فرضتها أمريكا علی طهران بالرغم من المتاعب التي أوجدتها للشعب الإيراني، فانها كانت محفزاً قوياً لتطور الشعب الايراني ونمو قدراته في شتی المجالات.
لا سبيل أمام أمريكا سوى الرضوخ لشروط إيران في المحادثات النووية
لطالما هددت أمريكا إيران بأنها ستزيد من عقوباتها الإقتصادية في حال فشلت المفاوضات النووية بين طهران والسداسية الدولية، وتأتي هذه التهديدات لكسب المزيد من الإمتيازات من طهران وارغامها علی الموافقة علی الشروط التي تشترطها واشنطن لشل برنامج إيران النووي، لكن الوقائع علی الارض تشير الی عكس ذلك، حيث أنه لا سبيل أمام أمريكا سوی موافقتها هي علی شروط إيران وليس العكس.
العقوبات الإقتصادية فشلت في ثني إيران عن مواصلة برنامجها النووي
كانت أمريكا تعوّل في البداية علی أن الضغوطات الإقتصادية علی إيران ستثنيها عن مواصلة برنامجها النووي السلمي، حيث استخدمت واشنطن عقوبات إقتصادية متعددة خاصة في المجال المصرفي لغرض شل التعاملات الإقتصادية الإيرانية، كما أن مبيعات إيران النفطية واجهت حصارا شديدا بسبب إمتناع الاسواق العالمية من شراء نفط إيران. لكن في نهاية المطاف تمكنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من تجاوز جميع هذه العقبات، بل صنعت من العقوبات فرصاً إقتصادية للنهوض باقتصادها المحلي.
إيران حصلت علی تقنية نووية عالیة في ظل المقاطعة الدولية
كما أن إيران تمكنت من الوصول الی دورة تخصيب الیورانيوم بشكل كامل عبر أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي صنعها علماؤها دون مساعدة الغرب وفي ظل عقوبات صارمة مفروضة علیها مما يثبت أن الدول التي تعارض البرنامج النووي الإيراني لايمكنها وقف تقدم إيران المتسارع في المجال النووي. حیث یقول قائد الثورة الإسلامیة حول قدرات إیران فی مجال تخصیب الیورانیوم فی إحدی خطاباته: اضافة الى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة فقد حققنا انجازات حقيقية اخرى وفي الواقع فقد اثمر صمود ايران امام الضغوط وقد وصل الامريكيون الى هذه النتيجة بان الحظر ليس له التاثير المطلوب الذي كانوا ينشدونه وعليهم ان يبحثوا عن سبيل اخر.
جميع هذه الأدلة تشير إلی أن الغرب وعلی رأسه أمريكا بات يقف عاجزا أمام صمود إيران، ولهذا السبب نقول إن الغرب برمته وصل إلی قناعة تامة أنه يجب أن يصل إلی توافق شامل مع إيران بالرغم من إنزعاج الكيان الإسرائيلي من هذه الفكرة.
وفيما يلي نشير إلی بعض الأدلة التي تشير بوضوح إلی أن أمريكا والغرب أصبحوا أمام طريق واحد لا أكثر فيما يخص التعامل مع البرنامج النووي الإيراني وهو الموافقة علی الخطوط العريضة التي طرحتها إيران للوصول الی إتفاق مُرضٍ بالنسبة لها:
أولا: إرسال أمریكا العديد من الرسائل لزعماء إيران والتي تطالب بالموافقة علی بدء المحادثات حول البرنامج النووي.
کما صرح الامام الخامنئي خلال لقاء حضره رؤساء السلطات الثلاث وكبار المسؤولين في الدولة خلال الفترة السابقة ان "موضوع المفاوضات مع الامريكيين يعود الى الحكومة السابقة (حکومة الرئیس أحمدي نجاد) ويرتبط بقيامهم بايفاد وسيط الى طهران لطلب اجراء مفاوضات مع ايران. في تلك الفترة جاءت شخصية محترمة في المنطقة كوسيط لعقد لقاء معنا، وقال بصراحة ان الرئيس الامريكي طلب منه ان يذهب الى طهران وان يثير طلب الامريكيين لاجراء مفاوضات... وقال الامريكيون للوسيط اننا نريد ان نعترف بايران كقوة نووية ونحل القضية النووية ونرفع الحظر خلال ستة اشهر... قلنا لهذا الوسيط باننا لا نثق بالامريكيين وتصريحاتهم، الا انه من خلال اصرار الوسيط قبلنا ان نختبر هذه القضية مرة ثانية وبدأت المفاوضات." حیث أن هذا الکلام لقائد الثورة الإسلامیة یدل علی أن أمریکا هي التي سعت لبدء المفاوضات النوویة ولیست إیران.
ثانيا: قبول فتوى آية الله الخامنئي رسمياً من قبل أوباما بأنها تحرّم امتلاك السلاح النووي.
ثالثا: حضور القيادات العلیا لوزارة الخارجية الأمريكية في المحادثات النووية مما یدل علی أهمیة هذه المحادثات بالنسبة للأمریکیین.
رابعا: الاعتراف بحق إيران في تخصيب الیورانيوم داخل اراضيها.
خامسا: موافقة الغرب علی مواصلة أنشطة منشأتي «فوردو» و«أراك» اللتين تعملان بالمياه الثقيلة.
سادسا: إعتبار إتفاق الإطار في لوزان بأنه إتفاق تاريخي من قبل أوباما.
سابعا: حصول إتفاق بين إيران والمجموعة السداسية بالرغم من امتعاض ومعارضة الكيان الإسرائيلي.
وهنالك الكثير من النقاط الاخری التي تشیر كلها بوضوح إلی مساعي الغرب وخاصة أمريكا للوصول إلی إتفاق نووي شامل مع إيران، وطبعا هذا خلافا لما تروج له الحكومة الأمريكية ووسائل الاعلام الغربية حول أن واشنطن لن تنصاع لتوقيع أي إتفاق لا يلبي جميع طموحاتها.
وختاما نصل إلی هذه النتيجة أن إيران أصبحت متأقلمة مع جميع أشكال الضغوطات والعقوبات الاقتصادية بل حتی التهديدات العسكرية ضدها، وسوف لاتفقد شيئاً في حال فشلت المفاوضات النووية ووصلت إلی طريق مسدود بسبب التعنت الغربي، لكن علی العكس من هذا وفي حال عدم التوصل إلی أي إتفاق، فإن الغرب سيكون أمام إيران مختلفة تماما عما هي علیه الآن، حیث ستبادر طهران إلی الإسراع في تنمیة تقنیتها النوویة في المجال السلمي خاصة تخصیب الیورانیوم، ولهذا نعتقد أن الغرب سيكون الخاسر الاول والاخير في حال عدم الاتفاق مع إيران.