الوقت - بات الكيان الإسرائيلي اليوم بوضع لا يحسد عليه في ظل حكومة ضعيفة يتحتّم عليها مواجهة العديد من التحديات الداخلية والخارجية. هشاشة الحكومة الإسرائيلية سواءً بسبب عدم دخول ليبرمان وحزبه، أو لوجود إختلافات حاد بين صفوفها لدرجة يصعب التوفيق بينا، تدفعنا لمطالعة آخر المستجدات والتحديات على الساحة الإسرائيلية.
لا تنحصر تحديات الحكومة الإسرائيلية الجديدة داخلياً في الوضعين الإقتصادي والأمني، ولا حتى في مواجهة المعارضة، إنما تتعداه إلى داخل الأروقة الحكومية، كما أن تحديات حكومة نتنياهو الخارجية عدة، منها أزمة العلاقة مع أمريكا وحكومة الرئيس أوباما والمقاطعة الأوروبية للمنتوجات الإسرائيلية بسبب البناء الاستيطاني المتواصل في الأراضي الفلسطينية ، وكذلك المواجهة القضائية على الساحة الدولية مع الفلسطينيين، إضافةً إلى الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني، والعلاقات مع دول العالم العربي.
ولادة الحكومة الإسرائيلية "ضعيفة" في ظل العديد من التحديات القائمة، تشي بالبحث عن الأسئلة التالية: كيف ستتعاطى حكومة نتنياهو مع الأزمات الداخلية؟ وما هي أبرزمواقفها الخارجية المرتقبة؟
داخلياً
على الصعيد الداخلي، يبدو أن المعركة ستكون حامية الوطيس سواءً مع ليبرمان الذي إختار طريق التحدي لنتنياهو بغية إفشال حكومته مبكراً، أو داخل البيت الحكومي ذلك أن الاتفاق الائتلافي بين أعضاء الحكومة الجديدة في الكيان، يتضمن أمورا لها تكاليف مالية باهظة جدا، وهي في بعض الحالات تعارض توجهات جانب من أعضاء الائتلاف. وعلى سبيل المثال فإن الاتفاق مع يهدوت هتوراه تضمن بنودا مالية بينها إعادة تمويل المدارس الدينية ومخصصات الأطفال وإلغاء العقوبات المالية المتضمنة في قانون التجنيد، كما أن صحيفة "هآرتس" كشفت النقاب مؤخراً عن أن "الراعي المالي" لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الملياردير الأميركي اليهودي شلدون أدلسون سبق وأرسل إلى نتنياهو طالبا منه العمل على تسوية مسألة عائدات الغاز مع شركة "نوبل إنرجي" التي يملك كثيراً من أسهمها. وقد تأجل اتخاذ قرار نهائي في الحكومة الإسرائيلية بشأن الاتفاق مع شركات استخراج الغاز من الحقول البحرية بعد أن رفض وزير الاقتصاد أرييه درعي التوقيع على الاتفاق، مع العلم أن زير المالية موشي كحلون قد رفض قبل شهر أن يكون مرجعاً في هذا الشأن بسبب علاقته مع كبار المالكين في شركات الغاز.
خلاصة القول، أن التحديات التي تواجه الحكومة الإسرائيلية تفرض على رئيس وزرائها التعاطي بحزم تارةً ( مع ليبرمان على سبيل المثال) وحذر آخر(داخل الإئتلاف الحكومي)، ما يعني أن حكومة نتنياهو الرابعة عبارة عن حكومة مكبّلة لا تخلو من بعض التسويات المالية والسياسية.
خارجياً
لن تكون مواقف الحكومة الإسرائيلية في السياسة الخارجية بعيدةً عن تلك التي تتخذها في الداخل الإسرائيلي حيث ستتسم بالحذر تارة والتهور آخرى.
فلسطينياً، يرى مراقبون أن مواقف الحكومة الإسرائيلية سيبقى متشدّد إزاء تقديم أي تنازلات للجانب الفلسطيني، وهذا ما ظهر بالأمس من خلال الإعتداء على أسطول الحرية3.
وأما حول الملف النووي الإيراني، لن تتوقف حكومة نتنياهو عن التصريحات النارية تجاه أي إتفاق يضمن حوق إيران النووية السلمية، وهذا ما ظهر بالفعل من تصريحات نتنياهو في جلسة الحكومة الأخيرة حين اعتبر أن الإتفاق يسير من سيئ إلى أسوأ، لا بل إنه يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، محذراً من "التراجع الملموس" من جانب الدول الكبرى، عن الخطوط الحمراء التي كانت قد وضعتها بنفسها حيال الاتفاق مع ايران، و قال انه "لا يوجد سبب لتسريع التوقيع على هذا الاتفاق السيء، بل ان الفرصة ما زالت سانحة للعدول عن هذه النية"، لافتا الى ان اتفاقا كهذا من شأنه ان يتيح لطهران تسليح نفسها بالسلاح النووي، ويمكّنها من الحصول على مبالغ طائلة لتمويل عدوانها ".
وأما على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة، تبدو مواقف الحكومة ستتسم بمزيداً من الحذر والليونة، خاصةً أن نتياهو يخشى من رفع الغطاء الإمريكي عنه حالياً، سواءً بعد تقرير لجنة الأمم المتحدة الذي إتهم الجيش الإسرائيلي بإرتكاب جرائم حرب في غزة خلال العدوان الإسرائيلي في العام 2014، أو بعد الإعتداء على أسطول الحرية 3، وتوعده بالإعتداء على أي سفينة تتجه إلى قطاع غزة.
كذلك في العلاقات مع أوروبا، لن تتوارى حكومة الإحتلال عن كسب الود الأوروبي بعد حملة المقاطعة بسبب الإستيطان، سواءً عبر جهود وعلاقات رجال الأعمال الإسرائيلين أو حتى عبر الحد من بناء المستوطات الجديدة خشية العقوبات. الكيان الإسرائيلي نجح بالفعل في إعادة االعلاقة مع شركة أورانج" الفرنسية للاتصالات إلى سابق عهدها، فقد قال الرئيس التنفيذي لمجموعة "أورانج" ستيفان ريتشارد، خلال إجتماعه مع لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة، إنه يأسف كثيراً لتصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي وقال إنها فُسّرت خطأ بما جعل الأمر يبدو وكأنه يدعم مقاطعة إسرائيل . وهنا لا نستغرب أن يقرب الأمن الإسرائيلي سواءً في الداخل أو في الخارج بأعمال عنف لجب الرأي العالمي بعد إستيائه إزاء التصرفات الإسرائيلية مع الشعب الفسطيني.
وأما عربياً، سيسعى الكيان الإسرائيلي لتعزيز علاقاته مع بعض الدول، ولا سيّما السعودية، مستفيداً من سياسة "إيران فوبيا" التي يروج لها في الفترة الأخيرة من الجانبين السعودي والإسرائيلي.
خلاصة
يبدو أن هذه التحديات هي أبرز ما سيواجهه الكيان الإسرائيلي في الفترة الحالية، إلا أن أي تطور عسكري سواءً على الجبهتين الشمالية (سوريا وحزب الله) أو الجنوبية (حماس والجهاد الإسلامي) يعني دخول الحكومة في نفق مظلم يعيد سيناريو أولمرت بعد حرب تموز 2006.