الوقت- وصل رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدريم" يوم الأحد الماضي، إلى العاصمة الأفغانية كابول، ويمكن اعتبار هذه الزيارة بمثابة استمرار لنهج السياسة الخارجية النشطة لأنقرة خلال العام الماضي.
التقى يلدريم، برفقة وفد رفيع المستوى مؤلف من نائبه "هاكان جاويش أوغلو" ووزيرا المواصلات "أحمد أرسلان" والثقافة والسياحة "نعمان قورتولموش"، إضافة إلى نواب من البرلمان التركي، بالرئيس أشرف غاني ورئيس المجلس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية الأفغانية "عبد الله عبد الله" وقد تمت الاجتماعات في قصر كاباد سيباداي، كما وزار أيضاً مقر القوات التركية العاملة في أفغانستان، وبالنظر إلى زيارة يلدريم إلى أفغانستان طرحت تساؤلات عدة حول أهداف الحكومة التركية من هذه الزيارة؟ وللإجابة على هذا السؤال، من الضروري أن نقوم بإبراز أولاً العلاقات التاريخية بين أنقرة وكابول على مدى العقود الماضية، لنعود ونكشف لكم الأهداف الحقيقية من الزيارة.
تاريخ العلاقات بين أفغانستان وتركيا
إن المطّلع على تاريخ العلاقات بين تركيا وأفغانستان يعلم أن هذه العلاقات مبنية على مبدأ التقارب والصداقة، ففي عام 1921، اعتبرت أفغانستان ثاني بلد يعترف بالجمهورية التركية الجديدة بعد انسحاب الاحتلال السوفييتي من تركيا، كما أن السياسيين في أفغانستان قاموا بتعديل الدستور على أساس الدستور التركي لتقليد "كمال أتاتورك" بهدف محاكاة نموذج التنمية التركية في أفغانستان. واستمرت هذه العلاقات على مدى عقود، وحتى عام 1979، وبعد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، استمرت العلاقات الدافئة بين الجانبين، وبعد أحداث 11 أيلول 2001 قامت تركيا في إطار شراكتها الأمنية مع الحلف الشمال الأطلسي، بنشر قواتها في أفغانستان، لكن أنقرة لم تحدّ من دور أفغانستان في هذه السنوات، ومنذ عام 2007 أطلقت مبادرة لعقد اجتماعات ثلاثية بين تركيا وأفغانستان وباكستان داعيةً إلى حل الصراعات وإقامة سلام دائم بين كابل وإسلام آباد.
بالإضافة إلى ذلك، كثفت تركيا جهودها لزيادة العلاقات مع كابل في عام 2016 وذلك بعد زيارة قام بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لأفغانستان.
ومن هنا، وخاصة في الثلاث سنوات الماضية، يمكن دراسة العلاقات التركية الأفغانية على مستويين، أحدهما التواصل الدبلوماسي والرسمي التركي مع الحكومة الأفغانية، والآخر هو التفاعل الرسمي وغير الرسمي مع مختلف المجموعات السياسية في البلاد، وفي الواقع، بدأت أنقرة في السنوات القليلة الماضية بتفعيل الاتصالات بينها وبين المجموعات الأفغانية كطالبان والمجموعات العرقية الأوزبكية، وعلى وجه الخصوص الجنرال دوستم، واستطاعت من خلال هذه العلاقات زيادة نطاق نفوذها في أفغانستان.
الأهداف التركية
وتهدف تركيا من هذه العلاقات الطيبة مع أفغانستان إلى التالي:
1- لعب دور مهم في محادثات السلام في أفغانستان:
خلال السنوات القليلة الماضية، اعتبر الحوار بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان من أهم القضايا الداخلية في البلاد، وتحاول تركيا كغيرها من الأطراف الإقليمية الأخرى، جعل نفسها المحور الرئيسي للمحادثات. أيضاً، وبعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استراتيجية أمريكا للأمن القومي، واتهامه فيها باكستان بدعم إرهاب القاعدة وطالبان، وبعد ازدياد التوترات بين أنقرة وواشنطن، بسبب دعم أمريكا للأكراد في سوريا، تضاعفت جهود الأتراك للتأثير على عملية السلام في أفغانستان.
ومن هنا يمكن أن نرى في زيارة يلدريم إلى أفغانستان استمراراً لهذا النهج، حيث قال بعد لقائه عبدالله عبدالله: " إن عملية السلام في أفغانستان مهمة لنا ونأمل أن تأخذ طالبان هذه الفرصة التاريخية".
2- تحسين الصورة الدولية لتركيا واتباع استراتيجية "العثمانية الجديدة":
ومن بين الأهداف الأخرى لزيارة يلدريم إلى أفغانستان - وربما يكون أهمها - الاستمرار في اتباع استراتيجية أردوغان الجديدة المعروفة باسم "العثمانية الجديدة"، وذلك من أجل لعب دور فعّال في المعادلات الدولية ولتحقيق ذلك، يتبع أردوغان ثلاث خطوات مهمة وهي:
أ- المشاركة النشطة في مراكز الأزمات الدولية.
ب- لعب دور الوساطة في النزاعات الدولية.
ج- تحسين مكانة تركيا في المناطق التي كانت تخضع للحكم العثماني.
3- توسيع التعاون الاقتصادي ومكافحة تهريب المخدرات والهجرة:
هذا الهدف من زيارة يلدريم يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والأمنية للبلدين، حيث قال يلدريم قبيل سفره إلى أفغانستان أن كلّاً من تركيا وأفغانستان يفهمان بعضهما البعض بشكل جيد وسوف يستمر الدعم والتعاون اللذان تم القيام بهما حتى الآن بعزم كبير، ويجب تعزيز التعاون الأمني بين تركيا وأفغانستان، إضافة إلى تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. كما وبدأت تركيا أيضاً الأحد الماضي بترحيل مئات المهاجرين الأفغان على متن رحلات خاصة إلى بلدهم في عملية واسعة بعدما دخلها الآلاف بشكل غير شرعي خلال الأسابيع الأخيرة.
4- تعزيز إسلام الإخوان المسلمين في مقابل الإسلام الوهابي:
هدف آخر يمكن اعتباره استراتيجية طويلة المدى تعتمدها تركيا في أفغانستان، وهو تعزيز الإسلام الإخواني في منطقة غرب آسيا والبلدان الإسلامية، وفي هذا الصدد، يخطط أردوغان للترويج لإيديولوجية حزبه في البلدان الإسلامية على المدى البعيد، ويعارض بطريقة أو بأخرى الإسلام الوهابي المدعوم من قبل السعودية في محاولة منه لقيادة العالم الإسلامي.