الوقت - وفقاً للمعاهدات الموقعة بين افغانستان وواشنطن فإن القوات الأمريكية ستنسحب من أفغانستان نهاية العام الجاري، ولكن رغم هذه الإتفاقيات فإن العديد من الخبراء السيساسيين يعتقدون أن ظهور تنظيم داعش الارهابي في هذه الفترة يشبه الى حد كبير الإنسحاب الأمريكي من العراق، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما رغم تصريحاته بعدم موافقته على التدخل العسكري المباشر في المنطقة، الا أنه لا يرغب بالإنسحاب العسكري والأمني من منطقة الشرق الأوسط، ومع اقتراب موعد الإنسحاب بدأ ملامح تنظيم داعش الارهابي تظهر في أفغانستان.
اصحاب القرار في كابل يعتبرون أن تنظيم داعش الارهابي لا يمكن أن ينمو في أفغاستان لإنعدام الحاضنة الشعبية، فالشعب الأفغاني بعيد عن التطرف والجماعات المتطرفة، حتى أن المدافعين عن التيارات السلفية في أفغانستان يعتبرون أن حركة طالبان الإرهابية تختلف عن تنظيم داعش الإرهابي، إذ أن هذه الحركة هي أفغانية الأصل، وهي لا تسعى الى التخريب في الداخل والاعتداء على الدول المجاورة، كما أنها ترفض الكثير من الأصول التكفيرية التي يعتمدها تنظيم داعش الإرهابي- حسب رأيهم.
الرئيس الأفغاني السابق، "حامد كرزاي"، كان قد صرح لقناة "bbc " أن تنظيم داعش الارهابي لايملك مؤيدين في الداخل، ورفع علم هذا التنظيم دليل على وجود أيادي أجنبية، وأشار "كرزاي" الى أنه تم تشكيل تنظيم القاعدة الارهابي في أفغانستان بأيادي أجنبية، ولابد أن لاتتكرر هكذا قضية.
هذه المعطيات تطرح العديد من الأسئلة عن الدور والهدف الأمريكي من زرع تنظيم داعش الارهابي في أفغانسان:
أولاً:
يُعرف تنظيم داعش بأنه تنظيم ارهابي في كافة المحافل الدولية، فتواجد هذا التنظيم في أفغانستان وما سيسببه من اضطرابات أمنية سيكون بمثابة ورقة تدعم تمديد بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، وهذا السبب يفسر موجة التحذيرات التي تطلقها وسائل الإعلام الغربية من هذا التنظيم في أفغانسان في حين أن الحكومة الأفغانية تلتزم الصمت حيال الموضوع.
وفي هذا السياق نقلت وكالة الأنباء الأمريكية العالمية "أسوشيتد برس" عن قائد القوة الدولية للمساعدة على إرساء الأمن في أفغانستان، "الجنرال جون كامبل"، أن الكثير من عناصر طالبان انضموا الى تنظيم داعش الارهابي، كما انتشر فيديو يظهر مبايعة أفراد من حركة طالبان الارهابية لأبي بكر البغدادي زعيم التنظيم الارهابي، وتابع "كامبل" قوله: نحن نعمل على منع انتشارهم حتى لا يصبح الوضع في أفغانستان مماثل للوضع السوري والعراقي.
ثانياً:
من الأهداف البعيدة المدى لتواجد هكذا تنظيم في أفغانستان، هو استهداف ايران، وتسعى أمريكا الى ذلك بطريقتين، الطريقة الأولى من خلال استنزاف ايران باشعال حرب بينها وبين التنظيم الارهابي على طول الحدود الأفغانية ، أما الطريقة الثانية فتعمد الى اضعاف الروابط الإيرانية مع حكومة كابل التي بدأت تُقلق أمريكا نتيجة تحسنها، وهذا ماذكره تقرير للبنتاغون صدر الخريف الماضي، ذكر التقرير أن شعبية ايران بدأت تزيد داخل الشعب الأفغاني وبدأت روابطها تتحسن مع الحكومة الأفغانية وهذا ما سيقلل من النفوذ الأمريكي في أفغانستان.
ثالثاً:
تسعى أمريكا الى انشاء بؤرة ارهابية تكون قادرة على القيام بالحرب بالوكالة عنها عند اللزوم، فهي تحاول الإبقاء على منطقة الشرق الأوسط وأسيا الوسطى منطقة مضطربة أمنياً لتقليل النفوذ الصيني والروسي في هذه المنطقة، كما ستشكل التنظيمات الارهابية تهديداً لهما، وهذه الطريقة هي الأقل تكلفةً لأمريكا في حربها ضد روسيا والصين.
ويؤكد حامد كرزاي في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" أن: "ظهور تنظيم داعش الارهابي في أفغانستان سيشكل تهديداً شديداً لأمن المنطقة كلها"، واعتبر كرازاي أن بروز هذا التنظيم بمساعدة بعض القوى الأجنبية في أفغانستان وتوسع فعاليته سيشكل تهديداً أمنياً جدياً لدول المنطقة وخاصة الصين وروسيا.
رابعاً:
يعتمد تنظيم داعش الارهابي في تمويله على مصادر متعددة من بينها حقول النفط في العراق وسوريا، ففي حال استطاعت القوات العراقية والسورية استعادة النفط من السيطرة الداعشية سيصبح هذا التنظيم بحاجة الى مصادر مالية بديلة، لذلك فإن أمريكا تسعى الى وضع منابع المخدرات تحت سيطرتها والاستفادة منها كداعم اقتصادي قوي للجماعات التكفيرية المتواجدة في المنطقة، وكان مستشار الأمن القومي الافغاني "محمد حنيف اتمر" قد أكد على أن تنظيم داعش الإرهابي يبرز اهتماماً خاصاً بالمخدرات.
صحيح أن الإدارة الأمريكية لا تصرح بسياستها وبالاستراتيجية التي تعتمدها في المنطقة الا أن القرائن والأدلة تشير بوضوح الى أن السياسة الأمريكية تعمد الى زرع وتنمية الفكر المتطرف التكفيري في دول المنطقة، وأفغانستان ليست مستثنناة، لذلك يتوجب على دول المنطقة بأكملها اذا أرادت التخلص من الفكر التكفيري عموماً وتنظيم داعش الإرهابي خصوصاً أن تتحد معاً لمحاربة هذه التيارات وأن تعمل بشكل مستقل ودون الاعتماد على الدول الغربية وأمريكا التي تعمل على تنمية الفكر المتطرف.