الوقت- لم يمرّ على الإدارات الأمريكية المتعاقبة أسوأ من المرحلة التي تمرّ بها حالياً إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، إذ تعيش هذه الإدارة أسوأ أيامها نظراً لكمّ التخبط الذي يدوي صداه في أروقة البيت الأبيض منتزعاً في طريقه كبار رجال الرئيس من على كراسيهم المتحركة إما بقرار "ترامبي" أو إثر فضائح لا يمكن السكوت عنها، وبكلتا الحالتين النتيجة واحدة وتتلخص بـ "عدم قدرة الرئيس على إدارة البلاد كما كان يسوّق لنفسه في مرحلة السباق نحو الرئاسة".
الأسباب كثيرة في هذا الموضوع لكن "عقل ترامب التجاري" هو أحد أهم أسبابها، فالرجل يقود بلاده وفقاً لآلية تفكيره التي يطغى عليها "المال والثروة" عبر إنشاء علاقات مبنية على هذا الأساس "السعودية أنموذجاً"، وبالتالي لن يتوانى ترامب أبداً في التخلي عن أي صفقة خاسرة، وهذا الأمر قاده إلى التخلي عن أقرب الناس إليه، خاصةً من يراهم حجر عثرة في طريق طموحاته، ولا نبالغ إذا قلنا إن نصف فريق ترامب غادر البيت الأبيض.
وحالياً يجري الحديث عن سعي ترامب لإخراج ابنته المدللة وصهره كوشنر من البيت الأبيض، لكن الأمر حالياً لم يخرج عن الإطار الإعلامي، ووفقاً لما نقلته "نيويورك تايمز"، فإن بعض مساعدي ترامب غير راضين عن أن إيفانكا وزوجها لأنهما احتفظا بمناصب في الإدارة، على الرغم من أن الرئيس يقول أحياناً إنه لا ينبغي لهما أن يبدءا العمل هناك وينبغي أن يغادرا، ووفقاً لمساعدين آخرين، فقد طلب ترامب نفسه من الزوجين البقاء، ولكن في الوقت نفسه استفسر من رئيس موظفيه، جون كيلي، عن كيفية طردهما.
وهناك أخبار متداولة تفيد بأن ترامب يشعر بخيبة أمل من صهره ويعتبره عبئاً بسبب التحقيق في الشركة العقارية التي تملكها أسرة كوشنر والضجة الإعلامية بسبب تقييد وصوله إلى المعلومات السرية، وتعتقد إيفانكا وزوجها أن جون كيلي هو عقبة في طريق نجاح الرئيس ترامب، وربطا موقفه العدائي المزعوم بحضوره المستمر في الإدارة، بحسب "نيويورك تايمز".
إيفانكا وكوشنر لن يكونا وحيدين في هذه العزلة فقد سبقهما إلى ذلك أعداد كبيرة من أصدقاء الرئيس، حيث طرد ترامب حوالي 15 مسؤولاً في البيت الأبيض منذ توليه الحكم في 21 كانون الثاني/يناير 2017، وقبل حوالي الأسبوع أعلنت هوب هيكس، مديرة الاتصالات في إدراة ترامب، أنها ستترك عملها خلال أيام أو أسابيع. هيكس عارضة أزياء سابقة عمرها 29 عاماً فقط، وهي أقدم عضو في إدارة ترامب فقد أيدته سنة 2015، وشاركت في حملته الانتخابية، وانتهت أقرب مستشارة له في البيت الأبيض، ما أثار حفيظة كثيرين مثل رئيس الموظفين جون كيلي.
هيكس أعلنت عزمها على الاستقالة بعد يوم واحد من مثولها أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، حيث بقيت ثماني ساعات اعترفت خلالها بأنها مسؤولة عن "كذبات بيضاء" دفاعاً عن دونالد ترامب، وتابعت: إنها لم تكذب أبداً في أي موضوع له علاقة بالتحقيق في تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
وقبل هيكس استقال مايكل فلين، مستشار الأمن القومي، في 13 شباط /فبراير بعد اتهامه بتضليل المسؤولين، كما استقال ستيف بانون الاستراتيجي الأول في الإدارة في 18/8، وتبعه سباستيان غوركا في 25/8، وطرد ترامب كلاً من بريت بهارارا، المدعي الأمريكي في المنطقة الجنوبية من مانهاتن، بعد أن رفض تقديم استقالته، وفي 5/5 طردت انجيلا فلين من البيت الأبيض لأسباب مجهولة، وتبعها في 18/5 مايك دويكي المسؤول عن الاتصالات فقدّم استقالته، وخلال الشهر الأول من تسلّمه رئاسة الولايات المتحدة، طردت سالي ييتس من عملها وزيرة عدل بالوكالة بعد رفضها قبول منع ترامب مواطنين من سبع دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة.
لم يكن ترامب ليتخلى عنهم لولا الضغوط التي تعرّض لها، إلا أنه لا يتوانى عن التخلي عنهم قيد أنملة فيما إذا كانوا عقبة أمامه أو سببوا له أي إحراج.
العلاقات الخارجية للرئيس:
العلاقات الخارجية لترامب أيضاً تنطلق من مبدأ اقتصادي بحت فرغم الهجمة الإعلامية الشرسة التي شنّها على السعودية إبان حملته الانتخابية، إلا أنه تراجع عن جميع التهديدات بعد وصوله إلى البيت الأبيض، كلمة السر كانت في مبدأه الاقتصادي في التعاطي مع الرياض التي زارها وعاد بمئات المليارات منها.
واليوم، لن يخرج ترامب عن علاقته مع الرياض، ورجله فيها "محمد بن سلمان"، وبالتالي في حال تعرّض لأي ضغط لن يتوانى عن التراجع عن دعمها، فالأموال التي تغدقها السعودية عليه لن يحصل عليها في مكان آخر، لذلك نجده لا ينبس ببنت شفة فيما يخصّ موضوع اليمن، هذا البلد الذي دُمّر بطريقة ممنهجة على رؤوس مواطنيه دون أي رقيب أو حسيب لا من مجتمع دولي ولا من حقوق إنسان وتوقف الأمر عند حدّ الإدانة والتنديد في بعض الأماكن التي يبالغ فيها التحالف بقصف المدنيين، وحالياً هناك تحرّكات في الكونغرس للخروج من دعم العدوان على اليمن بعد دخوله العام الرابع.
وقال أعضاء في مجلس الشيوخ في هذا الصدد، إنهم سيقومون بأول محاولة لاستغلال بند في قانون قوى الحرب، يسمح لأي عضو في المجلس بطرح قرارٍ حول سحب القوات الأمريكية من صراع لم تحصل المشاركة فيه على تفويض من الكونغرس، مشيرين إلى أن دخول الحرب في اليمن غير دستوري نظراً لأن الكونغرس لم يعلن الحرب أو يفوض استخدام القوة العسكرية هناك.
الإدارة الأمريكية حالياً تائهة وضائعة ولا تعلم كيف ستمتصّ الغضب الشعبي تجاهها وكيف يمكن لها أن تعيد ثقة المواطنين الأمريكيين فيها بعد أن فقدوا أي ثقة بالرئيس الذي لا يتوانى عن تسليح المعلمين بعد أن قُتِل 17 طالباً ومعلماً في مدرسة ثانوية في فلوريدا الشهر الماضي، وبالتالي هناك أزمة ثقة كبيرة بين الشعب والبيت الأبيض سببها ضعف الخبرة السياسية للرئيس التاجر، فهل سيتمكن الأخير من إنقاذ الوضع أم سيستمر في الغرق ؟!.